جريدة عنب بلدي – العدد 38 – الاحد – 11-11-2012
هنا الحلبي – حلب
«بووووم» استفاق أبو عثمان من نومه على صوت التفجير، فهرع إلى النافذة ليرى أين نزلت القذيفة هذه المرة… لكنه فوجئ بأنها لم تكن قذيفة… وإنما برميلًا متفجرًا أدى إلى تهدم مبنى بأكمله! بدأت حالة الهلع في الشارع، والناس تركض خوفًا من سقوط برميل آخر، وبدأت السيارات تسرع لنقل الجرحى والشهداء…
رأى جاره ممددًا هو وزوجته وطفليه على ظهر سيارة «سوزوكي» ملطخين بدمائهم، وتنطلق بهم السيارة إلى أقرب مشفى ميداني، إذ لا يجرؤ أحد على نقلهم إلى المشافي العامة خوفًا عليهم وعلى المسعف من الاعتقال….. أهكذا أصبح البشر ينقلون إلى المشافي على ظهر تلك السيارات كـ «الأغنام»؟
وفيما هو يراقب الحي، علا صوت بكاء ابنته الرضيعة ليذكره بأنه لم يحضر حليبًا لها، فالحليب مفقود في الأسواق منذ أسابيع، وزوجته تصرخ وتناديه «ألم تطمئن على عثمان بعد؟؟»، عثمان ابنه الوحيد، محتجز منذ يومين في مكان عمله، ولا يستطيع العودة إلى المنزل بسبب الاشتباكات العنيفة. ويتساءل الوالدان هل آن الأوان لتهريب عثمان خارج البلد؟؟ فحواجز جيش النظام لم تعد تميز بين شاب وحيد وآخر معفى من الخدمة العسكرية!! بالأمس اقتادوا عشرين شابًا من أمام الفرن فيما هم يقفون في صفوف الانتظار للحصول على الخبز، أخذوهم للالتحاق بخدمة العلم…
ولكن إن سافر عثمان من سيساعد الوالد على إعالة الأسرة، فعمله قد توقف منذ أسابيع…. ماذا يمكنه أن يفعل؟؟ هل يبحث عن زاوية على رصيف من أرصفة أحياء حلب الراقية التي لم يهجرها أهلها بعد ليضع
«بوووووم» أُخرى أعادته إلى الواقع ليتيقن من أنه ما عاد هناك بدٌ من النزوح… هل سيترك بيته ويخرج؟…. ماذا سيأخذ معه «مونة الأكل» أم الملابس؟؟ هل سيعود لاحقُا لأخذ أغراضه؟؟؟…إذا أصبح هذا الحي أرضًا للاشتباكات ودخلت إليه قناصة النظام فلن يستطيع العودة….. بالأمس ذهب ابن عمه إلى منزله في حي صلاح الدين ليتفقده رغم تحذيرات الجيش الحر من خطورة الذهاب إلى هناك إلا أنه لم يتوقف.. لتوقفه رصاصة القناص وترديه شهيدًا!!… وهنا غصّ أبو عثمان عندما تذكر أن جثة ابن عمه مازالت ملقاة على الأرض لا أحد يستطيع سحبها وربما ستكون الآن وليمة للقطط والجرذان… رغم فظاعة تخيل هذا الموقف، إلا أنه رآه نعمة من رب العالمين!! للحد من انتشار وتفشي الأوبئة….
عاد صوت القذائف أقوى لينتشله من أفكاره…. حان وقت الرحيل… هناك باص وقف بالأسفل ليُقّل من أراد أن يهرب ممن تبقى من السكان…. عليه أن يسرع هو وعائلته…. ربما يحالفه الحظ بأن يجد مكانًا للإقامة في مدرسة ما أو في السكن الجامعي… وربما يجد بيتًا مهجورًا أو بيتًا قيد البناء يلجأ إليه قبل سواه!!…. وربما يؤول به المطاف إلى نصب خيمة في منصفات الاوتوسترادات العريضة، كما هو حال بعض البائسين من العائلات النازحة..
حمل معه أوراقه الثبوتية ومصحفًا صغيرًا ضمه إلى صدره وركض خارجًا مع عائلته.. (أمسك بالمفتاح ليقفل الباب فضحكت زوجته يائسة وقالت: ماذا سيفعل هذا القفل أمام شبيحة الأسد إن قُدّر لهم الدخول إلى هذا الحي؟؟)…. توقف للحظة والتفت إلى الوراء ليلقي نظرة على منزله… نظرة قد تكون الأخيرة… ثم رفع بصره إلى السماء وتنهد من قلب محروق و قال «يارب»… قطع عليه مناجاته صوت السائق يصرخ «بسرعة» … فأسرع و صعد إلى الحافلة لتقوده وعائلته إلى مصير مجهول.