عقدت كل من مؤسسة “هينرش بل”، و”المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” (ECCHR)، و”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، مؤتمرًا صحفيًا عبر تطبيق “زووم”، لمناقشة مجريات محاكمة ضابط المخابرات السابق أنور رسلان، في مدينة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا، الذي يواجه تهمًا بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”.
المؤتمر الصحفي الذي عُقد مساء الثلاثاء 1 من كانون الأول، تحدث فيه مدير مكتب بيروت في مؤسسة “هينرش بل”، يواخيم بول، ومحامي المدعين السبعة في محكمة “كوبلنز”، باتريك كروكر، الذي يعمل على الملف السوري في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، إلى جانب عضو فريق تحليل البيانات في “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، حسان قانصو، والشاهدين في محاكمة “كوبلنز”، رويدة كنعان ووسيم مقداد، كما أدار الجلسة الأستاذ المشارك بالجامعة الأمريكية في بيروت ناصر ياسين.
وفي كلمته الافتتاحية، أوضح يواخيم بول أن هدف الجلسة هو الوصول إلى المهتمين بمسار المحاكمات الجارية في كوبلنز من الناطقين باللغة العربية، نظرًا لصعوبة الوصول إلى المعلومات حولها بهذه اللغة.
أهمية المحاكمة لمستقبل سوريا
وخلال الجلسة، تحدث المحامي باتريك كروكر عن مجريات المحاكمة، موضحًا بعض جوانبها القانونية، وبيّن أن أهميتها تكمن في أنها المرة الأولى التي تجري خلالها مناقشة وتقييم الأدلة على انتهاكات النظام السوري من قبل قضاة في محكمة، كما سيتطرق الحكم الصادر عنها إلى القمع الممنهج من قبل النظام، ولن يقتصر على براءة أو إدانة المتهمين.
وفي رده على سؤال عنب بلدي حول ما يتوقع أن يصدر من أحكام بحق المتهم أنور رسلان، وما سيكون لها من أهمية في السياق السوري، أشار كروكر إلى أن رسلان متهم بنحو خمسة آلاف قضية تعذيب و”جرائم ضد الإنسانية”، وسيصدر في حال إثبات الاتهامات بالقتل بحقه حكم ملزم في ألمانيا بالسجن لمدة تتراوح ما بين 15 و25 عامًا، وصولًا إلى السجن مدى الحياة، خاصة أن هذه الجرائم اُرتكبت في سياق بشع جدًا، وفق تعبيره.
اقرأ أيضًا: في محكمة “كوبلنز”.. شاهدة تواجه أنور رسلان بجرائم العنف الجنسي
ولفت إلى أنه وخلال المحاكمة تم عرض صور ووثائق سيأخذها القانون الألماني بعين الاعتبار، وهي من بين آلاف الصور التي التقطها المصور السابق في الشرطة العسكرية السورية المعروف باسم “قيصر”، إذ يستند فريق الادعاء إليها بتوجيه التهم لرسلان.
وأكد كروكر أن الحكم الصادر في محاكمة “كوبلنز” ستكون له أهمية على المستوى الدولي، وستتم الاستعانة به في المحاكمات الجارية بدول أخرى مثل سويسرا وهولندا، وأيضًا في محكمة العدل الدولية، وغيرها من مسارات العدالة المتعلقة بالشأن السوري.
وتوقع كروكر أن تستمر محاكمة رسلان حتى نهاية الصيف المقبل أو العام المقبل، وذلك تبعًا لحجم ملف الادعاء المقدم والمقاربة التي سيعتمدها القضاة القائمون على القضية، أما المتهم إياد الغريب فمن المتوقع أن يصدر الحكم بحقه مع نهاية شباط المقبل.
وحول إمكانية أن يجري تخفيف العقوبة ضد رسلان، أوضح كروكر في حديثه إلى الصحفيين أنه يجب أن يثبت في هذه الحالة تعرضه لتهديد مباشر وفوري وملموس من أجل تنفيذ أوامره داخل الفرع، وعندها فقط يمكن تقليص العقوبة، مبينًا أن المحكمة الألمانية لم توافق على هذا النوع من التبرير مؤكدة بأنه كان يمتلك الخيار لعدم ارتكاب هذه الجرائم.
وفيما يتعلق بإمكانية محاكمة مسؤولين آخرين في النظام السوري ضالعين بارتكاب انتهاكات، لفت كروكر إلى أن القانون الألماني لا يسمح بمحاكمة المتهمين غيابيًا، وهو ما يعني ضرورة وجودهم على الأراضي الألمانية، موضحًا أنه يمكن في مثل هذه الحالات إصدار مذكرات توقيف دولية بحقهم، على غرار ما حدث في حالة جميل الحسن وعلي مملوك.
اقرأ أيضًا: ألمانيا.. العدالة تلاحق مرتكبي “جرائم جنسية” في سوريا
الجلسة تضمنت أيضًا عرضًا لظروف وسياق شهادة رويدة كنعان ووسيم مقداد، وما يتطلعان إليه من خلال المحاكمات الجارية، وأكد خلالها حسان قانصو، الذي يراقب جلسات المحكمة، أهمية هذه المحاكمات في تسليط الضوء على عمل الأجهزة الأمنية للنظام السوري، مشيرًا إلى ضروة إخفاء هوية الشهود الذين يطلبون ذلك.
ويأتي هذا المؤتمر في إطار جلسات توضيحية تنظمها الجهات نفسها، ناقشت خلال الأسابيع الماضية مفهوم “الولاية القضائية العالمية”، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والمحاكمات المرفوعة في أوروبا ضد مسؤولين في النظام السوري.
التهم الموجهة ضد رسلان
وكانت الجلسة الأولى من محاكمة أنور رسلان بدأت في 23 من نيسان الماضي، ويوجه فريق الادعاء له تهمًا بالإشراف على تعذيب محتجزين بين نيسان 2011 وأيلول 2012 بصفته المزعومة كرئيس لقسم التحقيقات بـ”فرع الخطيب”، التابع لإدارة المخابرات العامة في دمشق، والمعروف أيضًا باسم “الفرع 251”.
ويقول الادعاء إن مرؤوسي رسلان عذبوا أربعة آلاف شخص على الأقل في أثناء الاستجواب في الفرع، بما في ذلك الضرب والصدمات الكهربائية، واُتهم أنور أيضًا بـ58 تهمة بالقتل والاغتصاب والاعتداء الجنسي الجسيم.
وأنكر رسلان، في الجلسة الخامسة من محاكمته التي عُقدت في 18 من أيار الماضي، ضلوعه في تعذيب المعتقلين، وخلال قراءة محاميه، مايكل بوكر ويورك فراتسكي، بيانه المؤلف من أكثر من 40 صفحة، الذي استغرقت قراءته 90 دقيقة، قال رسلان، إنه “لم يتصرف يومًا بلا إنسانية”، ولم يعذب سجناء بل “ساعد في تحرير معتقلين كثر” كانوا قد أوقفوا خلال مشاركتهم في المظاهرات ضد النظام السوري في عام 2011.
–