حمص – أمير الحمصي
بينما تنشغل وسائل الإعلام بالأخضر الإبراهيمي، أو بما يدور من إشتباكات في ثاني أكبر مدن سوريا «حلب»، أو بما يدور في العاصمة «دمشق»، يرزح أهل حمص تحت سياسة خطيرة جدًا تحكم حياتهم، وتتحكم بمن تبقى منهم ممن قرر البقاء في حمص.
يتبع النظام بواسطة أجهزة مخابراته سياسة خاصة في حمص، فبعد أن قام بقصف أربعة عشرة حيًا بشكل جنوني، دفعت سكانها إلى هجرها وإلا كان مصيرهم الموت المحتم!! بعد ذلك لاحق النظام المهجّرين من ديارهم بتدابير جديدة تُثار حولها العديد من إشارات الاستفهام في مناشدة لدول العالم الشريفة للتدخل والتصدي لها.
القصف على أحياء حمص لم يتوقف يومًا وبأشد القنابل والصواريخ، وربما المتابع للوسائل الإعلامية يشعر أن أحياء حمص المحاصرة ربما يمر عليها أربعة أو خمسة أيام دون قصف أو بقصف بسيط نوعًا ما، بينما الواقع معاكس لهذا الشيء!! وإذا ذكّرنا بأن العائلات الحمصية التي قررت الصمود في بيوتها داخل الأحياء المحاصرة تواجه بذلك خطر الموت كل لحظة، فإن العائلات التي غادرت بيوتها تواجه مصيرًا آخر لا يقل سوءًا وهو فقدان مكان إقامتها الدائم بسبب تهدم أبنية كاملة عن طريق القصف العشوائي لكتائب الأسد.
وهذا يوصلنا لنتيجة طبيعية، وهي أن هذه العائلات التي وصل عددها للآلاف قد فقدت صلتها بهذه الأحياء. وإذا ما قررت العائلات المهجرة العودة إلى احيائها التي تسيطر عليها كتائب الأسد فإنها تواجه تحديات كبيرة خلقها النظام.. فأولًا هناك الحواجز الثابتة والكبيرة التي تحيط بالحي -أي حي- وتقطع كامل الطرقات الرئيسية التي يمكن لأهل حمص المرور من خلالها، وهذه الحواجز عانى منها الحمصيون الشيء الكثير. فعند مرورهم بهذه الحواجز، إما أن يتم التدقيق في هوياتهم حيث يستغرق الأمر عشر دقائق وربما يصل إلى نصف ساعة أو ساعة كاملة، كما يحدث عندما يركب شباب حمص في حافلات ويمرون بهذه الحواجز فيقوم عنصر المخابرات بالتدقيق بأسماء جميع الموجودين في الحافلة كما يتصلون بفروع المخابرات لتأكد من وضع بعض هؤلاء الشباب. وهذا الوقت الطويل في الانتظار يسبب تعبًا نفسيًا شديدًا جدًا لأهل حمص وشبابها، هذا إذا ما قلنا أن أحد المدقق أسماؤهم سيتم إعتقاله وأخذه إلى إحدى أفرع المخابرات -وعندكم باقي القصة. هذا دفع بالكثير من أهالي حمص وخصوصًا شبابها إلى البقاء في الأحياء التي هاجروا إليها وعدم مغادرتها إطلاقًا!! وبذلك تصبح حالتهم وكأنهم مقيمون في حبس كبير أو تحت الإقامة الجبرية في هذا الحي، أما إذا اضطروا لمغادرة الحي إلى حي آخر لأمر مهم فإنهم سيسلكون طرق فرعية لتفادي الحواجز، لذلك قام النظام الأسدي بوضع الحواجز الإسمنتية لإغلاق هذه الطرق الفرعية لمنعهم من المرور فيها ولتضييق الخناق عليهم. طبعًا لايمكننا تفادي التذكير بالخطف برعاية المخابرات، فالحمصيون يعانون من الخطف المستمر، وهذا رعب نفسي يواجههم عند كل طريق يسلكونه!
بساطة، ربما تقف سيارة شبيحة في إحدى الطرق التي يسلكها الأهالي ثم تنتقي أحد الحمصيين وتأخذه رهينة طلبًا لفدية مالية أو لتقتله ثأرًا لأحد أزلام النظام الذين قتلهم الجيش الحر. ومؤخرًا ظهر تضييق جديد على الأهالي ألا وهو الحواجز الطيارة داخل الأحياء التي يسيطر عليها النظام!! نعم..
لم يكتفوا بالحواجز على مداخل الأحياء، ولم يكتفوا بالاعتقال، ولم يكتفوا بالخطف، بل باتوا يستهدفون من هو تحت الإقامة الجبرية في حيّه!! حواجز تظهر فجأة لتوقف السيارات والمارة ربما، وتأخذ البطاقات الشخصية لتتصل بمركز المخابرات، وبهذه الطريقة فمن السهل عليهم أن يعتقلوا الكثير من الشباب، إلى جانب الرعب النفسي الذي يشعر به الجميع رجالًا ونساءًا وأطفالًا بمجرد مشاهدة الحاجز أمامهم.
أيُّ حالٍ هذه التي يواجهها سكان حمص؟! إما أن يقتلوا في بيوتهم، أو أن يغادروها لتصبح ركامًا، أو أن يقيموا في أحياء تسيطر عليها كتائب الأسد فيواجهون إما الإقامة الجبرية أو الاعتقال على حواجز المخابرات أو الاختطاف من قبل الشبيحة… أي حالٍ هذه؟! أليس من الطبيعي أن يُدفع سكان حمص الصادمون.. للهجرة خارج مدينتهم؟! مكرهين مجبرين… إن النتيجة المنطقية التي يمكن أن نصل إليها بهذا السرد، هي أن النظام بسياساته هذه وإجراءاته المتبعة يريد وأد الثورة بأي طريقة مهما كانت بشعة ولو كانت تهجير السكان من بيوتهم وأحيائهم ومدنهم وهدم أي رابط يربطهم بها… فيما العالم منشغل بمتابعة ما يجري!!