الروابط البنيوية بين عودة اللاجئين ومعالجة حقوق الملكية في سوريا

  • 2020/11/30
  • 8:57 ص
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

تُنبئ اتجاهات العملية السياسية السورية، حتى الآن، بابتعاد كلي عن التغيير الجذري المنشود، وبالتالي فإن قضية اللاجئين واللاجئات هي ضمن حالات اللجوء طويلة الأمد، على الرغم من المحاولات الروسية الدؤوبة، لطي صفحة الجرائم والانتهاكات والتطبيع معها، وحرف مسار القرارات الأممية، تارة عبر أبرز مخرجات مؤتمر “سوتشي” الذي عُقد في 30 من كانون الثاني 2018، والاتفاق على تأسيس “لجنة دستورية” بدل الدفع باتجاه تأسيس “هيئة الحكم الانتقالي”، وتارة أخرى عبر عقد “مؤتمر عودة اللاجئين” في دمشق يومي 11 و12 من تشرين الثاني الحالي، بهدف دفع تمويل عملية إعادة الإعمار، وسط تجاهل الأسباب الجذرية للصراع السياسي والحقوقي ضد نظام الأسد وجرائمه وانتهاكاته، والروابط البنيوية بين عودة اللاجئين واللاجئات، ومعالجة انتهاكات حقوق السكن والأرض والممتلكات من جهة، وإعادة الإعمار وبناء السلام العادل والمستدام من جهة أخرى.

بعض معايير العودة 

السياسة وحقوق الإنسان في صلب المعايير

لا يعتبر توقف الصراع العسكري في سوريا مؤشرًا كافيًا لضمان تحقيق معايير العودة الطوعية والآمنة والكريمة، ولا يمكن اعتبار قدرة اللاجئين واللاجئات على المطالبة بحق السكن والأرض والممتلكات قضية تقنية، بل إن الجرائم والانتهاكات المتعلقة بها، تقع في صلب العقوبة الفردية والجماعية التي شنها النظام ضد مجتمعات ثارت ضده، وبالتالي لا يمكن للمضطهدين، نساء ورجالًا، نزع الطابع السياسي المقاوم للاستبداد، ومركزية النضال الحقوقي وفقًا للقانون الدولي، والدور المحوري لـ”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، فبعد نتائج الصراع الكارثي، وعقود ممنهجة من الجرائم والانتهاكات، وقوننة الإفلات من العقاب، لا يمكن حتى للجهلاء والسذج التوقع بأن النظام السوري سيغير سلوكه، كمن ينتظر نتائج مختلفة من نفس المقدمات، وخاصة بعد التهجير القسري المحظور في “القانون الدولي الإنساني”، والتغيير الديموغرافي، وسياسات هدم المدن والأحياء التي شهدت حراكًا ثوريًا، والاستيلاء على المنازل الموجودة فيها، وفرض عوائق عديدة على السوريين، نساء ورجالاً، للمطالبة بممتلكاتهم، كإجراء الحصول على موافقة أمنية مسبقة لجميع حالات البيع ونقل الملكية (الفراغ)، استنادًا إلى تعميم “سري” يحمل رقم “463/ت” صدر في 12 من آب 2015، وتقييد حركة سكان المناطق “المشمولة بالمصالحات”، وإلزامهم بالحصول على تصاريح للدخول إليها أو الخروج منها، وابتزاز السكان عبر نقاط التفتيش، ومنع عودة النازحين والنازحات إلى أملاكهم في بعض المناطق حتى لو كانت زيارة لتفقد الأضرار، مثل القدم وبعض مناطق القابون، ناهيك عن تواتر إصدار المراسيم والقوانين منذ عام 2012، مثل القانون رقم “10” لعام 2018، التي تعتبر تتويجًا لشرعنة التغيير الديموغرافي، وإهدارًا للحقوق العقارية للسكان.

تطبيق الدستور

رغم القمع السياسي، وحياكة قوانين ومراسيم وإجراءات وممارسات تنتهك حقوق الإنسان، ومن ضمنها نزع الملكيات وتقييد حق اللاجئين والنازحين، نساء ورجالًا، بالمطالبة بحقوق الملكية، ينتهك الدستور السوري لعام 2012، الذي فُصّل على مقاس الحاكم، حقوق الملكية الفردية والجماعية، ومنع مصادرة الأموال، والتعويض العادل المصون دستوريًا وفقًا للمادة (15)، كما ينتهك حق العودة المصون وفق المادة (38)، التي تنص على أنه، “لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه”، لكن واقع الحال يفيد بأن أغلبية من يرغبون بالعودة إلى سوريا، يقومون بما يسمى بـ”التفييش“، أي فحص الاسم بواسطة أحد الموظفين في دوائر النافذة الواحدة للتأكد من معرفة وضعه الأمني، قبل العودة والوقوع في براثن أجهزة الأمن. أما المعارضة، فتربط العودة برحيل الأسد، والانتقال السياسي الحقيقي، ومحاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية”، ومن يرغب أو يضطر للعودة، فهذا الحق لا يمر إلا عبر البوابة الأمنية (أجهزة المخابرات)، وفي حال موافقتها، أي موافقة المخابرات، يُطلب منهم التقديم لـ”تسوية وضع“، ولكن هذا الإجراء لا يمنع بالضرورة الاعتقال والإخفاء القسري أو حتى القتل، فقد وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” منذ بداية عام 2014 وحتى آب 2019 ما لا يقل عن 1916 حالة اعتقال بينها 219 طفلًا، و157 سيدة، للاجئين ولاجئات عادوا من دول اللجوء أو من داخل سوريا إلى مناطق إقامتهم الأصلية، وأفرج النظام عن 1132 حالة، وبقيت 784 حالة اعتقال، تحول منها 638 إلى حالة اختفاء قسري، كما وثقت “الشبكة” مقتل 15 شخصًا تحت التعذيب، منهم 11 شخصًا عادوا من لبنان، وقد أُجبر عدد من الذين أُفرج عنهم على الالتحاق بالتجنيد العسكري.

الوصول إلى العدالة

رغم الجرائم والانتهاكات، ومنها القتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري والتعذيب الممنهج، لم يستطع الجهاز القضائي أن يحمي حقوق المواطنين والمواطنات، بسبب عدم استقلالية القضاء، وتغوّل الأجهزة الأمنية على جميع مؤسسات الدولة، الأمر الذي نتج عنه غياب ثقافة الإبلاغ عن الانتهاكات والجرائم، واتباع نهج دفع الرشى للحصول على معلومة، أو للتخفيف من حجم وشدة أثر الانتهاك على الفرد والعائلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لمن انتهكت حقوقهم على نطاق واسع، ومن ضمنها حق السكن والملكية والأرض، الوصول إلى العدالة في ظل غياب دولة القانون والإفلات من العقاب؟ 

خلاصة القول، إن حق العودة الطوعي والآمن والكريم للاجئين واللاجئات، وضمان حقوق السكن والأرض والممتلكات لجميع السوريين والسوريات، نازحين ولاجئين، يحتاج إلى استراتيجيات متكاملة تربط بين الحل السياسي الجذري، ومحاسبة مجرمي الحرب، وإرادة سياسية تلتزم ببناء سوريا على قواعد الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، كي تخرج سوريا من آثار حقبة الاستبداد المتوحش.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي