حاولت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، فتح معابر تجارية بين مناطق سيطرتها وبين النظام، بعد توقيع اتفاق “موسكو” في 5 من آذار الماضي، الذي نص على وقف إطلاق النار كأبرز البنود.
إلا أنها لم تستطع، على الرغم من ضغط القوات الأمنية على الأهالي وتهديد الناشطين بالاعتقال، وإطلاق النار على متظاهرين في قرية معارة النعسان شرقي إدلب.
وروجت قنوات في “تلجرام” مقربة من “تحرير الشام”، خلال اليومين الماضيين، لفكرة قرب فتح معبر تجاري بين مدينة سراقب الخاضعة لسيطرة النظام وبلدة سرمين الخاضعة لسيطرة “تحرير الشام”، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
فائدة متبادلة للطرفين
وقال الباحث الاقتصادي مناف قومان، في حديث إلى عنب بلدي، إن الفائدة المرجوة من فتح معبر تجاري بين مناطق النظام والمعارضة، هي تبادل المنتجات من قبل الطرفين.
ويمكن للطرفين الاستفادة من الرسوم الجمركية على البضائع الداخلة والخارجة.
كما أن التجار في مناطق النظام أو المعارضة سيصدرون منتجاتهم عبر المعبر، وسيزيد إنتاجهم بوجود سوق تصريف جديد، وبالتالي تعزيز عملية الإنتاج، فالمنتجون في المنطقتين يبحثون عن أسواق تصريف، حسب قومان.
ويؤدي ذلك، حسب قومان، إلى توفير بعض المنتجات المفقودة في الأسواق، ويمكن أن تنخفض الأسعار، نتيجة المنافسة الناجمة عن وفرة للسلع، وذلك حسب السلع الداخلة والخارجة بين المنطقتين، إضافة إلى دخول المنتجات التركية إلى مناطق سيطرة النظام.
وتعد المعابر التجارية، خلال السنوات الماضية، مصدر دخل رئيس للفصائل التي تتحكم بها، عبر دخول مواد أساسية وغذائيات لا تخضع للتفتيش ولا لأي من القوانين الجمركية المعمول بها بين الدول، وإنما كانت تخضع لقوانين حواجز النظام السوري وقوانين الفصائل و”تحرير الشام”، ولا يمكن إدخال أو إخراج شيء دون دفع مبالغ مالية وإتاوات.
وخاضت “تحرير الشام” معارك عسكرية خلال السنوات الماضية من أجل الاستيلاء على المعابر، بسبب المردود المالي الناتج عن حركة التبادل التجاري.
وعملت “الهيئة” على تحييد هذه المعابر عن العمليات العسكرية الكبرى، والتفاهم عليها “ضمنيًا” مع الجانب الآخر، لإقامة حركة تجارية ورفد خزينة أموالها.
وكانت “تحرير الشام” تشرف على عدة معابر تجارية مع النظام قبل سيطرة الأخير على قرى ومدن وبلدات في أرياف حماه وإدلب وحلب، خلال عمليات عسكرية متتالية بدأها في شباط 2019، وارتفعت وتيرتها أواخر نيسان 2019.
ومن أشهر المعابر التي كانت تحت سيطرة “الهيئة” سابقًا قبل سيطرة قوات النظام السوري عليها، معبر “قلعة المضيق” و”أبو دالي” و”مورك” بريف حماة، و”العيس” بريف حلب الجنوبي.
وقال صالح الحموي، القيادي السابق في جبهة “فتح الشام” (التي غيرت مسماها إلى “تحرير الشام”)، وصاحب الحساب الشهير “أس الصراع في الشام” عبر “تويتر”، في 17 من نيسان الماضي، إن “الهيئة” كان دخلها من معبر “مورك” 800 ألف دولار شهريًا، وبلغ دخلها من معبر “العيس” و”المنصورة” و”قلعة المضيق” و”أبو الظهور” شهريًا مليونًا ونصف المليون دولار.
هل يكسر المعبر العقوبات الاقتصادية أو يخفف منها
أكد مناف قومان أن المعبر لن يكون له دور كبير في عملية إنعاش للنظام، أو الإسهام بها، لكسر العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على النظام وداعميه.
ولا يتفق قومان مع فكرة أن فتح المعبر سيكسر العقوبات، ومن الممكن أن يفتح النظام معبر “نصيب” مع الأردن، أو “المصنع” مع لبنان أو “القائم” مع العراق، إذا التزم بعدم إخال أو تداول المواد المحظورة المذكورة ببنود العقوبات، والمتعلقة بتعزيز الترسانة العسكرية ومواد التكنولوجيا العالية، والمواد التي تساعد النظام في قمع الحركة الاحتجاجية، إضافة إلى النفط والغاز.
لكن معبر “سراقب” هو معبر تجاري، يتبادل النظام والمعارضة مواد غذائية ومنتجات عادية وربما محروقات، ولن يسبب بكسر العقوبات على النظام.
وأوضح قومان أن حجم التبادل التجاري الموجود بهذه النقطة، لا يمكن أن يسهم بشكل أو بآخر في تعويض النظام عن التجارة الخارجية التي فقدها في السنوات الماضية، أي العقوبات والضائقة الاقتصادية للنظام ستبقى موجودة، لكن يمكن أن يستفيد النظام من تأمين قطع أجنبي عبر المعبر.
رفض لفتح معبرين.. تبرير سابق لـ”تحرير الشام”
ورضخت “تحرير الشام” لضغط الأهالي، وألغت فتح معبر بين معارة النعسان وأرمناز شرقي إدلب، بداية أيار الماضي، كما أرجأت فتح معبر “سراقب”، في 18 من نيسان الماضي.
وبررت “الهيئة” افتتاح المعابر في نيسان الماضي، بتراجع الحركة التجارية في محافظة إدلب، بعد الحملة العسكرية الأخيرة على مناطق شمال غربي سوريا، و”فقد عشرات الآلاف من الناس أعمالهم وأرزاقهم وأراضيهم”.
وقالت إن العديد من التجار طلبوا إعادة فتح المعبر التجاري عبر منطقة سرمين- سراقب، فالكتلة السكانية الكبيرة في محافظة إدلب “لا تعيش في جزيرة منقطعة عن سبل الحياة واحتياجاتها”.
وقال المسؤول في الإدارة العامة للمعابر، سعيد الأحمد، إن “المناطق المحررة تستورد بضائع من مناطق النظام بنسبة 5% مقابل 95% من تركيا”، في حين تصدّر مناطق الشمال السوري 50% من المنتجات الفائضة عن حاجتها إلى مناطق النظام السوري بنسبة 90%، وإلى تركيا بنسبة 10% فقط.
واعتبر أن “التصدير يعطي القدرة على الاستيراد، ولولا التصدير لعاش سكان المناطق المحررة على الإغاثة فقط والمساعدات”، وإغلاق المعابر وعدم البحث عن تصريف لمنتجات المنطقة يعني تكدّس البضائع، ما سيدفع الناس للتوقف عن الإنتاج الزراعي.
لكن وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أكد في حديث سابق لعنب بلدي، أن ارتفاع الأسعار ليس بسبب إغلاق المعابر مع النظام فقط، وإنما توجد أسباب أخرى، مثل فقدان المعارضة لريف حلب الغربي وريف إدلب، ما يعني فقدان مناطق كبيرة كانت منتجة للخضار بأنواعها، وتراجع قيمة الليرة السورية.
وحدد المصري عدة مخاطر لفتح المعابر، منها “إدخال المخدرات للمناطق المحررة”، خاصة مع إلقاء الدول المجاورة لسوريا، خلال الأسابيع الماضية، القبض على شحنات حبوب مخدرة قادمة من سوريا، فـ”النظام لن يتوانى عن إدخالها للمناطق المحررة في ظل الإمكانات المحدودة بكشف المخدرات المخبأة بطرق كثيرة”، بحسب تعبيره.
وتحدث الوزير عن مخاطر نقل الدولار إلى مناطق النظام للاستفادة من فرق السعر، إلى جانب تقاضي النظام الرسوم على السيارات والاستفادة منها، موضحًا أن “حواجز النظام تتقاضى من السيارات التي تدخل إلى مناطقه رسمًا يصل إلى ثمانية آلاف دولار، بالنسبة للسيارات المحملة بالزيت، وكذلك تتقاضى رسمًا على السيارات الداخلة للمناطق المحررة، باستثناء المنتجات الزراعية المنتجة في الساحل، لتشجيع دخولها وتسويقها لتنافس المنتجات في المناطق المحررة أو المستوردة”.
–