يامن المغربي | علي درويش | خولة حفظي
مرّت العلاقات السورية- الإسرائيلية منذ عام 1948، وهو العام الذي يُعرف بعام “النكبة” الذي شهد قيام إسرائيل، بمنحنيات بين الحرب المباشرة ومعارك الاستنزاف في أعوام 1948 و1967 و1973، والمواجهات في لبنان في ثمانينيات القرن الـ20، وصولًا إلى الهدنة والاقتراب من عقد اتفاق سلام في أعوام 1991 (مفاوضات مدريد) و1999 في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الوساطة التركية عام 2008.
وفي أيلول الماضي، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية تقريرًا قالت فيه إن النظام السوري ربما يطبّع علاقاته بإسرائيل، أسوة بالبحرين والإمارات العربية المتحدة.
التقرير لم يستند إلى معلومات أو وثائق أو مصادر علنية أو خاصة تشير إلى وجود أي نوع من أنواع الاتصال بين النظام السوري وإسرائيل، لكنه في المقابل أثار جدلًا واسعًا ونشرته عدة وسائل إعلام إسرائيلية، بما فيها محطة “i24” التلفزيونية، تبعته عدة تقارير من صحف إسرائيلية تشير إلى إمكانية عقد اتفاق بين النظام وتل أبيب.
وككل خطوة سياسية تخطوها الحكومات حول العالم، هناك مكاسب وخسائر متوقعة، خاصة في الأزمنة التي تعيش فيها هذه الأنظمة أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية كحالة النظام السوري.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، “فرضية” عقد اتفاق تطبيع علاقات بين سوريا وإسرائيل في الوقت الراهن، وما المكاسب والخسائر التي ستلحق بالنظام في حال تنفيذ هذه الخطوة، على الصعد السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية والعزلة الدولية التي يواجهها، بالتوازي مع علاقاته بإيران و”حزب الله” وروسيا.
عودة إلى الحظيرة الدولية ومصالح اقتصادية..
فوائد قد يحصل عليها النظام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل
العلاقة مع إسرائيل بالنسبة للنظام السوري هي عبء بالدرجة الأولى، نظرًا لتأكيد النظام على هويته القومية العربية وموقفه المعادي لإسرائيل في سياق بناء شرعيته المحلية والإقليمية أيضًا.
وليس لدى إسرائيل غير وعود تقدمها للنظام السوري، خاصة بعد اعتراف ترامب بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان، وحالة الضعف وغياب القدرة على الفعل غير المسبوقة التي وصل إليها النظام السوري، حسب حديث باحث الدكتوراه في العلاقات الدولية بلال سلايمة إلى عنب بلدي.
وأي اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل يحتاج إلى اتفاق سلام، وذلك على غرار اتفاق السلام الأخير بين إسرائيل والبحرين والإمارات، حسب حديث مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة “، محمد العبد الله، إلى عنب بلدي.
ومثل هذا الاتفاق حسب العبد الله، من وجهة نظر النظام، يعني أن هناك دولًا تعترف فيه، وأنه يسيطر على الوضع سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا، وأنه السلطة الشرعية، وتوجد رعاية دولية له، وهي التي تأتي عادة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما.
وفي حال حصل تطبيع مع إسرائيل، فعلى الأغلب ستكون فوائد النظام السياسية هي المشروعية الدولية، ونوعًا من العودة إلى الحظيرة الدولية، أي عودة المياه إلى مجاريها، والنظام بدأ يفكر بعملية سلام وعمليات سياسية.
بينما يرى الباحث بلال سلايمة أن الفوائد السياسية محدودة، وذلك لأن العزلة التي يعاني منها النظام السوري، وتحديدًا الدولية، غير مرتبطة بالعلاقات مع إسرائيل، إنما بالجرائم ضد الإنسانية التي قام بارتكابها ضد الشعب السوري.
ورجح سلايمة أن الأحاديث عن تطبيع العلاقات السورية- الإسرائيلية ستتراجع في الفترة المقبلة، إثر التغير الحاصل بخسارة ترامب سباق الرئاسة الأمريكية، الذي كان فريقه للشرق الأوسط يدفع بشكل محموم وغير مسبوق لتطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية.
وعلى هذا، فسيناريوهات التفاوض أو التطبيع لاحقًا متعلقة بشكل كبير برؤية بايدن وفريقه للشرق الأوسط، في ظل أن الولايات المتحدة هي المرشح الأهم لرعاية مثل هذا التقارب، أو المفاوضات إن حصلت.
وقد تكون هناك محاولات لإغراء النظام بوعود تخفيف العقوبات الغربية وتحديدًا الأمريكية، في حال اتخذ خطوات إيجابية تجاه إسرائيل (وهو ما رأيناه في سياق تطبيع العلاقات السودانية- الإسرائيلية، تطبيع مقابل وعود برفع العقوبات الأمريكية).
فُرضت على النظام السوري منذ 2011 عدة حزم عقوبات طالت مؤسسات تابعة للنظام وشخصيات عسكرية وأمنية واقتصادية، أبرزها قانون “قيصر” الذي فرض عقوبات على المتعاملين مع النظام سواء كانوا أشخاصًا أو مؤسسات ودولًا.
ولا يستبعد أن تكون هناك وعود بمساعدات اقتصادية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، من قبل الإمارات العربية المتحدة لدمشق، في حال اتخاذ حكومة النظام خطوات “إيجابية” في هذا الصدد، خاصة في ظل تعزيز وتكامل الأدوار في العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية، حسب سلايمة.
وسيكون النظام في “مأزق” في حال طبّع العلاقات مع إسرائيل، حسب مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، فمن جهة يطبّع مع إسرائيل، ومن جهة أخرى لديه حلف استراتيجي أمني كبير مع إيران، حتى حلف يوصف بالطائفي أو المذهبي، فالوجود الإيراني كثيف من جهة الخبراء وأجهزة الأمن والعسكريين حتى في المنطقة الجنوبية بالقرب من الحدود السورية- الإسرائيلية.
إذ إنه من الصعب الوصول إلى مثل هذا الاتفاق أساسًا، وفي حال حصل لن يكون التطبيع بوابة لإعادة تعويم كامل للنظام، ويمكن أن تستغل إسرائيل هذه النقطة للضغط على النظام بموضوع التطبيع.
واستبعد العبد الله عودة النظام الدولي لاستقبال النظام السوري مرة أخرى فقط لأنه طبّع مع إسرائيل، فالموضوع شائك ومعقد، ولن تكون للنظام صيغة محددة سوى محاولة اللعب على الكلام والبروباغندا، أي أنه لن يكون هناك تطبيع حقيقي، وفي حال حصل ذلك، فسيحاول النظام إظهاره بصيغة اتفاقية سلام أو استرجاع لحقوق السوريين، لإقناع جمهوره والإيرانيين، لأنه سيقع بمأزق داخلي بعد المزايدة على الجميع بأنه نظام مقاوم ومعادٍ لإسرائيل، وفي النهاية يطبّع معها.
فروسيا وإيران بنفس الحلف إلا أن إسرائيل تقصف إيران داخل سوريا وتُعلم روسيا ببعض الغارات.
وشنت إسرائيل عشرات الغارات على سوريا منذ 2011 مستهدفة مواقع لجيش النظام السوري، وأخرى تابعة لإيران و”حزب الله” اللبناني حليفي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ولكنها نادرًا ما تعلّق على هذه العمليات.
وقُتل ثلاثة جنود من قوات النظام السوري إثر هجمات جوية ضربت أهدافًا تابعة للنظام و”فيلق القدس” جنوبي سوريا، في 18 من تشرين الثاني الحالي.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، إن “الضربات استهدفت المقر العسكري الإيراني في سوريا بمطار دمشق، وهو منشأة سرية تستضيف ضباطًا عسكريين إيرانيين زائرين والفرقة السابعة للجيش السوري، التي تشرف على الجانب السوري من الجولان”.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، في حديث سابق لقناة “كان” الإسرائيلية، إن “إسرائيل لن تسمح لإيران أو (حزب الله) بالتمركز في مرتفعات الجولان”، مضيفًا أن “إسرائيل ستبذل قصارى جهدها لطردهم من المنطقة”.
“النظام في مأزق”..
ماذا سيخسر النظام في حال طبّع علاقاته مع إسرائيل؟
بقدر المكاسب الاقتصادية والسياسية التي قد يحصل عليها النظام مقابل تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بقدر ما سيواجه تحديًا مهمًا لخسارته أوراقًا مهمة اعتمد ويعتمد عليها منذ وصول الرئيس السابق، حافظ الأسد، إلى سدة الحكم في سوريا عام 1971.
أولى هذه الأوراق هي “دعم المقاومة” والقضية الفلسطينية، التي تلاعب بها حافظ وبشار الأسد عبر 50 عامًا، إذ امتلك النظام طوال هذه الأعوام علاقات ممتازة مع “حزب الله” بعد تأسيسه في ثمانينيات القرن الـ20، وكذلك مع إيران، الداعم الأول للحزب، وبالتالي فإن العلاقات قد تضطرب مع طهران أيضًا، الداعمة الأساسية للنظام في الحرب السورية منذ عام 2011.
والورقة الثانية هي ما يجاهر به النظام أمام مؤيديه بكونه “الحصن الأخير” لمقاومة إسرائيل في المنطقة، وذلك منذ خروج مصر من معادلة الصراع، بعد توقيعها اتفاقية سلام منفردة في عام 1979، والبعد الجغرافي لدول المغرب العربي، ودوران دول الخليج في فلك الإدارة الأمريكية.
وتعد الورقة الثانية أساسًا لحكم النظام السوري، خاصة أن حزب “البعث العربي الاشتراكي” (الحزب الحاكم منذ عام 1963 والذي انتمى إليه كل من حافظ وبشار الأسد)، يرفض بشكل قاطع وجود إسرائيل وينادي بالقومية العربية ووحدة أراضي بلادها.
ويرى الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، والمدير السابق لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، حازم نهار، أنه وضمن الوضع الراهن، سيخسر النظام السوري أكثر مما يربح من تطبيعه مع إسرائيل في حال حصل، إذ إنه سيرتبك في توازناته الإقليمية وفي علاقاته التي استثمر فيها كثيرًا مع إيران و”حزب الله” والأحزاب القومية العربية واليسار العربي عمومًا.
وأضاف نهار لعنب بلدي أن خسائر النظام لن تكون على صعيد علاقاته الخارجية فقط، بل يمتد الأمر إلى حاضنته الشعبية ومؤيديه في داخل سوريا.
وربط نهار بين التطبيع وحزب “البعث”، إذ إن الأخير لا يزال أساس وجوده واستمراره هو موقفه المعلَن من إسرائيل والقضية الفلسطينية.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم “هيئة التفاوض السورية لقوى المعارضة”، يحيى العريضي، لعنب بلدي، إن خسائر النظام تقابلها مكاسب لإسرائيل، إذ إن الدول العربية التي تركت الباب مواربًا أمام إعلان رغبتها بالتطبيع مع إسرائيل ستتخذ خطوات أوسع في هذا المجال.
وتمتلك خمس دول عربية علاقات كاملة مع إسرائيل، هي مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، بينما سبق للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن أعلن، في تشرين الأول الماضي، عن اقتراب خمس دول عربية أخرى من توقيع “اتفاقيات سلام” مع إسرائيل.
بينما تقيم دول أخرى علاقات تجارية مع تل أبيب، منها المغرب وعُمان وقطر، ولو أن علاقة الأخيرة بإسرائيل توقفت منذ حرب تل أبيب على قطاع غزة في عام 2008.
النقطة الوحيدة في الوضع الراهن التي يمكن أن تدفع النظام السوري للتطبيع مع إسرائيل هي استعدادها لإعادة الجولان ولو بالتقسيط المريح، فما زال النظام يرهن أي توجه للتطبيع مع إسرائيل بتخليها عن مرتفعات الجولان، وهو ما يعتبر أمرًا مستحيلًا بالنسبة إلى إسرائيل في هذه المرحلة، خصوصًا بعد الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فامتناعه عن التطبيع بلا مقابل هو ما يبقيه منسجمًا مع خطابه المعلَن، خصوصًا أن هذه النقطة ترتبط بوجوده أساسًا، وفقًا لحازم نهار.
بينما يرى محمد العبد الله أنه سبق للنظام أن زايد على الجميع، واتهم دولًا عربية بالخيانة والارتباط بإسرائيل، وبالتالي سيكون في مأزق لأن الدول سترد له الصاع صاعين، وفي المقابل أصبح أمر التطبيع مع إسرائيل مشتركًا بين الأنظمة والحكومات العربية، ورأينا دولًا تمتلك أصلًا علاقات علنية مع إسرائيل تدين الدول العربية الجديدة التي طبّعت مع إسرائيل بما يشبه النكتة السياسية.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أثار جدلًا واسعًا في أعقاب “حرب تموز” 2006، بين إسرائيل و”حزب الله”، عندما وصف زعماء دول عربية بأنهم “أنصاف رجال“، في إشارة إلى دول الخليج التي رفضت الوقوف إلى جانب الحزب، وهو ما أثار حفيظة زعماء هذه الدول.
وأضاف العبد الله أن النظام سيخسر “المزايدة على الآخرين” في ملف القضية الفلسطينية، رغم أنه يملك من “الصفاقة” ما يجعله يستمر باتهام الآخرين بالعمالة والخيانة حتى لو أقدم على هذه الخطوة.
ويبدو أن النظام السوري يعرف اليوم تمامًا أن خسائره لن تكون قليلة، والتعامل معها لن يكون أمرًا سهلًا، خاصة مع عزلته العربية والدولية والعقوبات، وتململ المواطنين في مناطق سيطرته ومعاناتهم من أزمات اقتصادية خانقة.
ويرى حازم نهار أن وتيرة الضغوط الأمريكية الحالية، وأهدافها المعلَنة، لا تدفع النظام السوري تجاه هذا الخيار، بل يمكنه أن يقاوم هذه الضغوط، ويبقى مستمرًا في الحكم. وفي الأحرى، فإن الضغوط الأمريكية مصممة بطريقة قادرة على إيلام النظام وإرباكه، لكنها لا تتضمن إيصاله إلى لحظة يشعر فيها أنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط.
هناك محطات عديدة سيمرّ بها قطار التطبيع قبل أن يكون هناك احتمال لتطبيع النظام السوري مع إسرائيل. ويعتقد نهار أن النظام السوري، إن كان هناك احتمال للتطبيع أصلًا في اللحظة الحالية، لن يُقدم على التطبيع قبل أن تذهب السعودية، وغيرها، في هذا الاتجاه، ليكون النظام آخر “المطبِّعين” بمعنى ما، فهذه نقطة مهمة في تفكيره في حال اضطر إلى خيار التطبيع.
عوائق التطبيع بين سوريا وإسرائيل
رغم تأكيد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عدم وجود أي مفاوضات حالية، فإنه لم يستبعد إقامة علاقات “طبيعية” مع إسرائيل، بل اعتبر أنها “مسألة بسيطة جدًا”، لكنه اشترط استعادة الأرض مقابل ذلك، وذلك في حديث مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، نُشرت في 8 من تشرين الأول الماضي.
ولم يأتِ الأسد على ذكر “السلام العربي الشامل”، وهو ما يناقض بيان وزارة الخارجية السورية، الصادر مطلع تشرين الأول الماضي، الذي أشار إلى أن الموقف السوري يرفض التنازلات والاتفاقيات المنفردة مع إسرائيل مهما كان شكلها أو مضمونها، منطلقة من “قناعتها الراسخة بأن مثل هذه الاتفاقيات تضر بالقضايا العربية عمومًا”، وذلك في أول بيان رسمي بشأن تطبيع دول عربية مع إسرائيل.
وسبق بيان الخارجية موقفان من التطبيع العربي مع إسرائيل، إذ قال وزير الخارجية والمغتربين الراحل، وليد المعلم، في كلمة، أمام الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 28 من أيلول الماضي، إن “عصر ضم أراضي الغير بالقوة ولى، وواهم من يعتقد أن الأزمة في سوريا يمكن أن تحيدنا قيد أنملة عن حقنا غير القابل للتصرف باستعادة الجولان كاملًا”.
بينما عبّر عن الموقف الثاني، المندوب الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، حسام الدين آلا، في 30 من أيلول الماضي، إذ تجاهل الحديث عن التطبيع، وانتقد إسرائيل بسبب “ممارساتها في الجولان السوري المحتل وفلسطين، وانتهاكها لحقوق الإنسان”.
وجاءت مواقف النظام من التطبيع العربي مع إسرائيل حينها بعد أيام من حديث صحيفة “الشرق الأوسط”، في 27 من أيلول الماضي، عن أن هناك “اعتقادًا واسعًا بوجود مفاوضات سرية بين دمشق وتل أبيب”.
واستشهدت الصحيفة بأنه كلما كان النظام السوري في عزلة أو أزمة، في العقود السابقة، كان “المخرج” باستئناف المفاوضات، وفق مقولة “الطريق إلى واشنطن يمر دائمًا عبر تل أبيب”.
دور روسي مرحب
عند الحديث عن أي مفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل، تتجه الأنظار إلى مواقف حلفاء النظام من تلك المفاوضات، لما لهم من تأثير ودور في الملف السوري، سياسيًا وعسكريًا.
ويرى الدكتور في العلاقات الدولية بلال سلايمة، في حديث إلى عنب بلدي، أن روسيا لن تمانع التقارب بين إسرائيل والنظام السوري، والبدء بمفاوضات بين الطرفين، لافتًا إلى أن إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تتمتع بعلاقات “ودية” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو.
بينما يذهب المحلل السياسي رائد جبر إلى أبعد من عدم ممانعة روسيا تطبيع العلاقات السورية- الإسرائيلية، إذ يعتقد أن التطبيع “واحد من الأهداف التي تضعها موسكو أمامها خلال المرحلة المقبلة”، ولكن من وجهة النظر الروسية فإن هذا يتطلب “شروطًا معينة”.
ويعتقد جبر أن الأولوية الآن هي لإطلاق مسار التسوية السياسية، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وأشار إلى أن ملف تطبيع العلاقات السورية- الإسرائيلية مرتبط حاليًا بالوضع الإقليمي والمرتبط أساسًا بالتسوية الشاملة للملفات العديدة المختلفة.
وأعطت موسكو مؤشرات سابقة لعزمها المضي بهذا الاتجاه على صعيد استقرار الوضع في الجولان، ومساعدتها في إعادة تسيير الدوريات الدولية، وإعلانها أنه يجب العودة والمحافظة على الوضع في الجولان من أجل عدم السماح بانزلاق الموقف نحو مواجهات شاملة، إصافة إلى أن موسكو ساعدت بإبعاد الإيرانيين من الجنوب السوري، وفقًا لجبر.
وتحدث عن وجود تضارب بالمعلومات حول وجود “اتصالات برعاية إماراتية- أمريكية بين النظام وإسرائيل، أو محاولات للاتصال من هذا النوع وعقد لقاءات”، وهو ما تنظر إليه موسكو “بحذر”، لأن المضي بهذا الاتجاه من البوابة الأمريكية، “لا يكون مناسبًا” من وجهة النظر الروسية، التي “تريد أن يكون لها مسار خاص، أي أن يكون لها كلمتها في هذا الشأن”.
هل تعرقل إيران أي اتفاق؟
اعتبر المحلل السياسي رائد جبر أن موسكو تعي أن الظروف حاليًا غير مهيأة بسبب الوجود الإيراني في سوريا، وهي النقطة الأولى في عرقلة أي مفاوضات سورية- إسرائيلية.
ويعتبر الدور الإيراني في سوريا “شائكًا ومعقدًا”، ولا تريد موسكو استباق الأمور، فهي تعمل لتحافظ على التوازنات التي أنشأتها مع الأطراف المختلفة في سوريا قبل أن تقفز قفزة من هذا النوع.
أما النقطة الثانية، فتتعلق بعدم وجود رغبة لدى موسكو بالمشاركة في عملية من هذا النوع دون مؤشرات إسرائيلية لاستعداد تل أبيب عقد مفاوضات حول مستقبل الجولان، أي لا يمكن لموسكو الانطلاق من فكرة أن نبدأ بالتطبيع ثم نذهب لعملية التسوية السياسية، وهذا “أمر مهم لموسكو التي تعلن أنها ملتزمة بالقوانين الدولية، وأن الجولان أرض سورية محتلة، وحتى الآن المعطيات التي حصلت عليها موسكو من إسرائيل ليست جادة”، وفق ما يراه جبر.
أما الموقف الإيراني المباشر، فيعتقد الدكتور في العلاقات الدولية بلال سلايمة أنه بالنسبة لطهران التي تتخذ موقفًا عدائيًا من إسرائيل، وتدعم “حزب الله” اللبناني وبعض القوى الفلسطينية، فهي لا تشجع أي مفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل على عكس الموقف الروسي، وفق ما قاله لعنب بلدي.
بينما يختلف الباحث في الشؤون الإيرانية علاء السعيد مع وجهة النظر السابقة، ويرى أن “الحقيقة” تشير إلى أن بين إسرائيل وإيران “وفاقًا تامًا ومخططات من تحت الطاولة لا تظهر للعلن، والأمثلة كثيرة، منها حرب تموز المزعومة وغيرها”، على حد قوله.
واعتبر السعيد أنه في حال الإعلان عن أي تطبيع سوري- إسرائيلي، ستحاول إيران الإعلان عن رفضه إعلاميًا، ولكن في الواقع الفعلي فإن طهران لن تتدخل لإيقاف أي تطبيع أو علاقات “صهيوسورية” استكمالًا لـ“التعاون بين إسرائيل وإيران”.
وأضاف، “كلا النظامين قائم على معتقد ديني، بل وكلتا الدولتين تعتبر دولة دينية، فهذا التطابق يُنهي الجدل القائم، لن تمانع إيران ولا (حزب الله) أي تطبيع (صهيوسوري)”.
قانونيًا.. ما مصير أي تطبيع سوري مع إسرائيل في حال رحيل الأسد؟
يُثار تساؤل حول مصير الاتفاقيات الدولية المُبرمة من قبل الحكومة السورية مستقبلًا في حال رحيل النظام السوري الذي يقوده بشار الأسد، وما ماهية النظام القانوني الذي يحكم هذه الاتفاقيات.
وبحسب ورقة أعدها “البرنامج السوري للتطوير القانوني” لعنب بلدي، وضحت جوانب متعلقة بمصير الاتفاقيات.
تحكم اتفاقية “فيينا لقانون المعاهدات” لعام 1969، التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني من عام 1980، المعاهدات المعقودة بين الدول، وتعد هذه الاتفاقية هي الأداة الرئيسة التي تنظم المعاهدات، حيث تحدد كيفية صياغة المعاهدة وتعديلها وتفسيرها وكيفية عملها وإنهائها.
لا تُنشئ هذه الاتفاقية حقوقًا أو التزامات محددة على الأطراف، وإنما تُنشئ حقوقًا والتزامات على الدول في علاقاتها الدبلوماسية، وتعرف الاتفاقية “المعاهدة” بـ”الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة، والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة”.
وتفرق اتفاقية “فيينا لقانون المعاهدات” بين حالتين رئيستين فيما يتعلق بإنهاء العمل بالاتفاقيات الدولية أو انقضائها، هما أن يتم إنهاء العمل بالاتفاقية أو انقضاؤها بناء على اتفاق الأطراف أو أن يتم ذلك من غير اتفاق بين الأطراف.
ولكن يوجد مبدأ مقبول على نطاق واسع في القانون الدولي، هو أن التغييرات في الحكومة لا تؤثر على التزاماتها في المعاهدات، إلا أن هناك اتجاهات تؤكد أن التغييرات الثورية في الحكومات تؤثر على التزامات تلك الدول بالمعاهدات.
ويرى الحقوقي بسام الأحمد، أن فرضية توقيع النظام السوري الحالي اتفاقية مع إسرائيل، ستترتب عليها “صعوبة” للانسحاب منها، وقد يرتب على سوريا التزامات معينة.
وقال في حديث إلى عنب بلدي، إن الانسحاب من أي اتفاق سوري- إسرائيلي “مفترض”، وفي حال تحققت الفرضية الثانية وهي سقوط النظام، فإن الانسحاب من تلك الاتفاقية قد “يكون ممكنًا عن طريق قانونيين يعملون على ثغرات بوجود مشكلة في شرعية النظام أصلًا”.
وألمح إلى أن قوة أي دولة تلعب “دورًا كبيرًا” في تجاهل الاتفاقيات أو إلغائها، كما في حالة روسيا وأمريكا، على سبيل المثال، التي تخرق قرارات مجلس الأمن الدولي وتتجاهل الاتفاقيات، على حد قوله.
وليس من الضرورة، برأي الأحمد، إلغاء الاتفاق “المفترض” بالكامل، بل قد يمكن الاكتفاء بتعديله، مشيرًا إلى أن السياق السياسي والتفاصيل والثغرات القانونية تؤثر بشكل كبير على مستقبل الاتفاقية “المفترضة” ورؤية الحكومة الجديدة للتطبيع وموقفها منه، بحسب الأحمد.