ما الآثار الاقتصادية المتوقعة؟
هل يطبع النظام مزيدًا من الأوراق النقدية لتغطية العجز
عنب بلدي – زينب مصري
بعد إعلان مصرف سوريا المركزي عن نتائج الاكتتاب على شهادات الإيداع بالليرة السورية للإصدار الثالث لعام 2020، التي جاءت بعد إعلان حكومة النظام السوري مقدار عجز الموازنة العامة للعام المقبل بأسابيع قليلة، عاد محللون اقتصاديون للحديث عن نية حكومة النظام طبع عملات سورية جديدة تكون الحل الوحيد لدى النظام لتمويل العجز.
الحديث عن طرح ورقة نقدية جديدة من فئة خمسة آلاف ليرة تجدد بعد أن دار سابقًا في 2018، عقب مشروع قانون في مجلس الشعب حينها، ينص على تعديل “المادة 16” من قانون المصرف المركزي، بحيث يسمح له بإصدار الأوراق النقدية من فئة الليرة وحتى خمسة آلاف ليرة.
وكان المصرف المركزي السوري دعا المواطنين، في 2018، إلى استبدال الأوراق النقدية التالفة من فئة 50 أو 100 أو 200 للحصول على نقود بحالة جيدة، بعد استكمال عقود الطباعة الخاصة بالعملة السورية، وإلى استبدال فئات جديدة بالفئات النقدية السورية التي لم تعد بحالة جيدة.
تمويل بالعجز
في ظل غياب التصريحات الحكومية الرسمية، توقع خبراء اقتصاديون أن تلجأ حكومة النظام السوري لتغطية عجز الموازنة بالتمويل بالعجز، ولذلك طرح المصرف المركزي شهادات الإيداع الأخيرة، إذ أراد من خلالها تحديد حاجة السوق من الأوراق المالية، عن طريق سحب المعروض النقدي منه.
وكان مصرف سوريا المركزي أعلن، في 15 من تشرين الثاني الحالي، نتائج الاكتتاب على شهادات الإيداع التي أصدرت وفق طريقة مزاد السعر الموحد للمصارف التقليدية العاملة، وبقيمة اسمية 100 مليون ليرة سورية للشهادة ولأجل ستة أشهر، إذ تستحق بتاريخ 17 من أيار المقبل.
وشارك في المزاد ثمانية مصارف من أصل 17 مصرفًا من المصارف التقليدية المؤهلة للاكتتاب من خلال تقديمها 17 عرضًا، بلغ حجمها 102 مليار و500 مليون ليرة سورية.
وحُدد حجم الإصدار النهائي للمزاد عند مستوى 101 مليار و600 مليون ليرة سورية، بنسبة تغطية بلغت حوالي 87.21% من الحجم المستهدف من فائض السيولة المتاح لدى المصارف، كما رُفض عرض مصرف واحد لوروده خارج وقت المزاد المعلن عنه، واعتبر غير مشارك في المزاد، بحسب ما نشره المصرف المركزي.
وخلال العام الحالي، طرح مصرف سوريا المركزي ثلاثة إصدارات للاكتتاب على شهادات الإيداع بالليرة السورية، وفق طريقة مزاد السعر الموحد للمصارف التقليدية العاملة في سوريا، سبقها طرح واحد فقط في تاريخه.
خطوة لم تحقق مرادها
بعيد إعلان طرح شهادات الإيداع، توقع مركز “جسور للدراسات” عدم تحقيق المصرف المركزي مراده، من ضبط السيولة النقدية وتخفيض العرض النقدي في الأسواق وبالتالي كبح التضخم وتباطؤ الارتفاع في الأسعار، وخلق منحنى للعوائد تساعد البنوك على العمل بحرية أكبر في تقدير مواردها وتنشيط القطاع المصرفي، وتأمين مصادر آمنة للدخل وخلق منتج مصرفي يمكن تداوله، لسببين رئيسين.
وأوضح السببين بأن الكميات التي يتم سحبها من المصارف هي مبالغ فائضة لا تتجاوز 10% من الاحتياطي النقدي الذي تمتلكه البنوك المتوقع اكتتابها، وتواجه هذه البنوك ضعفًا في الإقبال على عمليات الاقتراض.
كما أن سعر الفائدة السنوي على الشهادات منخفض، ويقل عن معدلات التضخم السائدة في الأسواق بكثير، لذا فإن هدف تنشيط عوائد القطاع المصرفي لن يكون ذا جدوى، إذ ستتعرض المصارف المشترية لهذا النوع من السندات لخسارة أكيدة ستنعكس على إيراداتها السنوية.
زيادة وتيرة الطباعة
الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، توقع أن تنخفض الوتيرة النسبية للاقتراض الحكومي (شهادات الإيداع، سندات الخزينة، وما شابهها)، وأن تزيد وتيرة طباعة النقود، في العام المقبل، وذلك بسبب امتناع كثيرين عن إقراض الحكومة كنتيجة للتدهور الاقتصادي المتسارع منذ نهاية عام 2019.
وقال شعار لعنب بلدي، إن حكومة النظام السوري اعتمدت، خلال السنوات العشر الأخيرة، على طباعة النقد بشكل أكبر بكثير من اعتمادها على الاقتراض، ما أدى إلى زيادة مطردة في الأسعار.
ولا يؤدي عجز الموازنة (مقدار زيادة نفقات الحكومة على إيراداتها) بحد ذاته بالضرورة إلى آثار تضخمية، إذ إن التأثير على الأسعار يعتمد على آلية تمويل هذا العجز.
فعلى سبيل المثال، في حال تم تمويل العجز من خلال الاقتراض من البنوك أو الأفراد، فإن التضخم يبقى مستقرًا إلى حد ما.
بالمقابل، في حال تم تمويل العجز من خلال طباعة المزيد من النقود، فإن الآثار التضخمية تبدأ بالظهور، بحسب الباحث.
التضخم “الجامح”
بعد اعتماد رئاسة مجلس الوزراء السوري مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021 في تشرين الأول الماضي بمبلغ ثمانية آلاف و500 مليار ليرة سورية، قدرت الحكومة العجز للسنة المالية نفسها بنحو ثلاثة تريليونات و484 مليار ليرة سورية.
ونقلت صحيفة “الوطن“، المقربة من النظام، أن عجز الميزانية في العام الحالي بلغ ألفًا و455 مليار ليرة، ويقدر العجز في العام المقبل بنحو ثلاثة آلاف و484 مليار ليرة سورية، ما يعني أن العجز زاد بنسبة تقدر بـ71%.
وطالب رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، حينها، بضبط الإنفاق وتوجيه اعتمادات الدعم الاجتماعي لمستحقيها بالشكل الأمثل، وضرورة تطوير الصناعات التصديرية.
تؤدي طباعة الدولة المزيد من الأموال في وقت تكون فيه الميزانية العامة بحالة عجز، أي عندما تتجاوز فيها النفقات حجم الإيرادات خلال فترة زمينة محددة بحيث يكون إنفاق الفرد أو الحكومة أكثر من الإيرادات المتاحة، إلى التضخم “الجامح”.
إذ يحدد مقدار ما تملكه الدولة من احتياطي ذهب أو فضة أو عملة أجنبية صعبة أو نفط أو غير ذلك من الثروات العالية القيمة أو سلع وخدمات تُنتج في المجتمع، الحصة المسموح لها بطباعتها من النقود، إذ لا قيمة للأموال المطبوعة في حال قيام الدولة بطباعة أموال تفوق ما تملكه من الاحتياطي.
والتضخم “الجامح” أو التضخم “المفرط” هو حالة من التضخم الحاد المتمثل في ارتفاعات متتالية وشديدة في الأسعار.
وهو أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيحة لزيادة عرض النقد في السوق، أي زيادة الكمية المتاحة منها، ما يتسبب في تقلص القيمة الحقيقية لعملة البلد بنسب مقلقة، وانخفاض قيمتها الشرائية، ومن الصعب أن تحده الحكومة أو تعالجه.
ويدفع التضخم “الجامح” الأفراد إلى سحب مدخراتهم من المصارف، واللجوء إلى السوق الموازية للعملة وتحويلها إلى الدولار للتخلص منها، ما يسبب ارتفاعًا أكبر في الدولار وتدهورًا أكبر بقيمة العملة المحلية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :