د. أكرم خولاني
تختلف تداعيات عدوى فيروس “كورونا المستجد” المسبب لمرض “كوفيد- 19” من شخص لآخر، فيعاني البعض من تعب عام واحتقان في الأنف أو فقد لحاسة الشم و/أو التذوق، ويعاني آخرون من الحرارة والسعال واضطرابات الجهاز الهضمي، ويصاب البعض بالتهاب رئوي حاد، وقد يحتاج بعض هؤلاء المرضى إلى دعم جهاز التنفس الصناعي للبقاء على قيد الحياة، بينما لا يشعر البعض الآخر بأعراض المرض على الإطلاق.
تعتبر جلطات الدم من عوامل الخطر التي ظهرت كأحد المضاعفات الرئيسة التي تحدث لدى معظم مرضى “كوفيد- 19” خلال الفترة الماضية، وقد تكون مهددة للحياة، لذلك لا بد من معرفة أسبابها وطرق الوقاية منها وكيفية علاجها عندما تحدث لدى مريض “كوفيد- 19”.
كيف يؤثر تجلط الدم على مرضى “كوفيد- 19”
تجلط الدم هو أحد ردود فعل الجسم الطبيعية للإصابة، ويحدث عندما تتغير لزوجة الدم إلى حالة شبه صلبة لمنع فقدان الدم المفرط، وتشير الدلائل إلى أن فيروس “كورونا المستجد” يؤدي إلى جلطات دموية عند نحو ثلث المرضى المصابين بأمراض خطيرة، ويعتبر هذا التجلط داخل الأوعية تطورًا سيئًا لم يشاهد من قبل مع العديد من الفيروسات الأخرى.
وقد أظهرت الأشعة المقطعية لرئة مرضى “كوفيد- 19” وجود نقص في تدفق الدم، ما يشير إلى تخثر داخل الأوعية الصغيرة في الرئة، وهذا يفسر نوعًا ما الصورة السريرية غير العادية إلى حد ما التي تلاحَظ على مرضى “كوفيد- 19” والمعاناة من نقص الأكسجين بشكل حاد.
كما تبين أن الفيروس قد زاد من حالات تجلط الأوردة العميقة، وهي الجلطات الدموية التي توجد عادة في الساق، والتي يمكن أن تكون خطيرة للغاية، إذ لا تذوب هذه الجلطات من تلقاء نفسها، ويمكن أن توقف تدفق الدم، وهذا يمكن أن يكون قاتلًا في بعض الحالات، كما يمكن أن تنفصل الجلطة وتنتقل إلى جزء آخر من الجسم وتسمى “الصمة”، فإذا وصلت “الصمة” إلى الدماغ أو القلب أو الرئتين فقد يؤدي ذلك إلى حالة مهددة للحياة، مثل السكتة الدماغية أو النوبة القلبية أو الجلطة الرئوية.
وتعرف جلطة الرئة باسم “الانصمام الرئوي المفاجئ”، حيث تنتقل الجلطة إلى الرئتين، وتعد تلك الحالة خطيرة للغاية، إذ تسبب الوفاة في حال عدم علاجها بشكل فعال وناجح، وأهم أعراضها:
- تسرع نبض.
- سعال مع قشع مدمى.
- ألم حاد في الصدر.
- زلة تنفسية وصعوبة في التنفس.
- نوب تعرق.
لماذا يسبب “كورونا” جلطات دموية؟
تشير الأبحاث إلى أن التجلط يحدث عندما يهاجم فيروس “كورونا المستجد” الخلايا البطانية التي تبطن الأوعية الدموية، حيث يقوم الفيروس بذلك عن طريق الارتباط بمستقبلات “ACE2” الموجودة في غشاء الخلية البطانية، وبمجرد ارتباطه بالمستقبلات تطلق الأوعية الدموية البروتينات التي تسبب تجلط الدم.
كما تشير الدراسات أيضًا إلى أن “كوفيد- 19” يتسبب في إثارة الجهاز المناعي للجسم كاستجابة التهابية مفرطة النشاط، وقد يتسبب هذا الالتهاب في حدوث تخثر بالدم، كما أن لدى المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية في المستشفى بسبب العدوى عوامل خطر أخرى لجلطات الدم.
وتوصلت دراسة جديدة إلى أن أحد الأسباب المحتملة لتجلط الدم في سياق “كوفيد- 19”هو وجود مستوى معين من بروتين في دم المرضى يسمى “فون ويلبراند VW”، ويتم تصنيع هذا البروتين في الخلايا البطانية والصفيحات الدموية، وتتمثل وظيفته الرئيسة في تشكيل إطار لالتصاق الصفيحات الدموية.
وحتى الآن لم تتم بعد دراسة الطريقة التي يتم بها تنظيم مستوى هذا البروتين في الدم بشكل كامل، ومع ذلك، فمن المعروف أنه يتم تخزينه في الخلايا البطانية الوعائية، وبمجرد حدوث بعض الأضرار كالتي يسببها فيروس “كورونا المستجد”، يحدث تجلط الدم الذي يلعب البروتين عاملًا مهمًا في حدوثه، وهي عملية معقدة يقوم خلالها الدم بتكوين الجلطات.
وجدير بالذكر أن مستوى ونشاط هذا البروتين في الدم لدى البشر يختلف بشكل ملحوظ بين الأشخاص الأصحاء، فعلى سبيل المثال، فإنه يوجد لدى الرجال بنسب أعلى من النساء، وفي البالغين أكثر من الأطفال، وكذلك بين كبار السن والشباب، وربطت الأبحاث بين هذا البروتين وزمرة الدم، حيث تكون مستوياته أقل بين الأشخاص الذين لديهم زمرة دم “O”، في المقابل تكون أعلى بين أولئك الذين لديهم زمرة دم “A”.
وترتبط المستويات المنخفضة من بروتين “فون ويلبراند” بمرضى يسمى “فون ويلبراند”، وهو اضطراب دائم يسبب نزيف الدم، حيث لا يتجلط الدم بشكل طبيعي، ويمتلك المصابون بهذا المرض مستويات منخفضة من عامل “فون ويلبراند” أو لا يعمل البروتين لديهم كما ينبغي.
ما عوامل الخطر التي تزيد من فرص إصابة مرضى “كوفيد- 19” بالجلطات؟
- التقدم في السن.
- زيادة الوزن.
- ارتفاع ضغط الدم.
- الداء السكري.
- تناول أدوية تزيد من خطر تجلط الدم.
- تاريخ من قصور القلب.
- وجود فترات من الخمول مثل الراحة في الفراش لفترات طويلة.
- الخضوع لعملية جراحية مؤخرًا.
- التدخين أو وجود تاريخ في التدخين.
- تاريخ شخصي أو عائلي للإصابة بجلطات الأوردة العميقة أو الانصمام الرئوي.
- وجود اضطرابات بتخثر الدم.
ما العلاجات المستخدمة عند حدوث الجلطات لدى مرضى “كوفيد- 19”؟
يشمل العلاج وصف الأدوية المسيلة للدم (المميعات) بجرعات علاجية مثل “enoxaparin” حقن تحت الجلد، أو “apixaban” أو “rivaroxaban” أقراص فموية، وينصح باستمرار العلاج لمدة ثلاثة أشهر، ومع ذلك فإن تناول مسيلات الدم يزيد أيضًا من خطر النزيف، ما قد يجعل مميعات الدم غير مناسبة للمرضى المعرضين لمخاطر عالية للنزيف.
وهناك بعض التقارير التي تفيد بأن مرضى “كوفيد- 19” الذين يخضعون للتهوية الآلية والذين تناولوا مميعات الدم كان معدل الوفيات لديهم أقل من أولئك الذين لم يتناولوا هذه الأدوية.
ما طرق الوقاية من الإصابة بالجلطات؟
أفضل طريقة للوقاية من الجلطات هي الوقاية من الإصابة بفيروس “كورونا المستجد”، وذلك عن طريق الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، مثل هي غسل اليدين المتكرر، وارتداء الكمامات، وممارسة قواعد السعال والعطس، وممارسة التباعد الاجتماعي الجسدي.
وتتضمن الطرق الأخرى لتقليل خطر الإصابة بجلطات الدم ما يلي:
- الحركة وبقاء المريض نشيطًا قدر الإمكان.
- ارتداء جوارب خاصة لتحسين تدفق الدم من الطرفين السفليين.
- شرب الكثير من الماء للوقاية من الجفاف.
- إنقاص الوزن إذا لزم الأمر.
- تجنب شرب الكحول والتبغ.
كما يوصي الأطباء باستخدام الأدوية المميعة للدم بجرعات وقائية، ويجب مراقبة تحليل “D-Dimer”، وهو اختبار دم يساعد في استبعاد وجود جلطة دموية أو تخثر خطير، وفي حال ارتفاع هذا التحليل تعطى المميعات بجرعة علاجية عادية، وفي حال ارتفاعه أكثر من الطبيعي بستة أضعاف تعطى المميعات بجرعات عالية، ويبدأ هذا العلاج في أثناء إقامة المريض في المستشفى، ويستمر لمدة أسبوعين بعد الخروج لتقليل مخاطر تجلط الدم.