“أرض محرمة” دراما تنميط الحرب
نبيل محمد
لا بد أن بيئة الحرب في سوريا يمكن أن تكوّن مساحة كافية لبناء قصص درامية متعددة ومتشابكة، بل إن حكاية معقدة بحاجة إلى أطراف متعددة، وأيديولوجيات مختلفة، وصراعات مركّبة، لن تجد بيئة أصلح من سوريا لتمثّل القصة، وجعل هذه البلاد الغارقة بالصراع بيئة للشخصيات، وهو ما اتجه نحوه مسلسل “No Man’s Land” الذي تُرجِم إلى العربية باسم “أرض محرمة”، بحلقاته الثماني المنتجة حديثًا بالتعاون ما بين شركة “OSN” و“فريمانتل”.
شاب فرنسي يشك في قضية مقتل أخته بتفجير في القاهرة، ويعتقد أنها ما زالت حية، نتيجة صورة لفتاة مقاتلة في “وحدات حماية المرأة” التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي” في الشمال الشرقي السوري، فيأتي إلى سوريا عبر تركيا بحثًا عن أخته، ليتم من خلال هذه الزيارة، عرض الصراع بنمطية مفرطة يبدو أنها مستمدة من رؤية إعلامية كلاسيكية غربية غير معمّقة للصراع، نمطيّة زاد منها تمثيل كل فصيل بشخصيات محددة، والعودة إلى حيوات تلك الشخصيات في الماضي، ليكون الصراع بمجمله ابن تجارب الأفراد المعقدة، ولينعزل في زاوية من زواياه عن سياقه السياسي والدولي.
يظهر تنظيم “داعش” بنمطيته فلا يزيد أي مشهد مما قدمه العمل عن “داعش”، مع العلم أن المشاهد المرتبطة بالتنظيم كثيرة، على ما يعرفه العامة في أي دولة من دول العالم عن التنظيم المتشدد، فكل القصص التي تدور داخل التنظيم، يبدو أنها مشتقة من أدبياته القليلة التي كان ينشرها على صفحات “الميديا” الخاصة به، أعلام سوداء وبعض الآيات القرآنية، والسكاكين واللحى والشعور الطويلة، والصحارى والغبار والبيوت الريفية الفقيرة وسيارات “البيك آب”، أما مقاتلوه فيتم تقديمهم من خلال ثلاثة أصدقاء جاؤوا من بريطانيا، منهم اثنان مسلمان وآخر اعتنق الإسلام بسبب علاقاته بهم. تعرض الأصدقاء لإساءات وتنمر من قبل مجتمعاتهم المحلية في مكان إقامتهم، ما دفعهم للعنف ثم الانتماء إلى التنظيم، وكأن التنظيم هو ليس أكثر من تجمّع لضحايا سابقين، قرروا الانتقام بأن يصبحوا مجاهدين يمارسون الإرهاب تحت لواء تنظيم إسلامي.
يضرب التنظيم بشدة مواقع أعدائه، وهم “وحدات حماية المرأة”، ويرسل مقاتليه إليهن على الرغم من أن مقتل الجهادي هناك لن يأخذه إلى الجنة الموعودة، كونه سيقتل على يد نساء. النساء أولئك أيضًا يظهرن بنمطية بالغة، فهن المقاتلات لأجل الحرية، غير المؤتمرات بأمر أي سلطة سياسية، الثائرات ثورة الفوضى التي لا تنظّمها السياسية، اللبوات على الجبهات، الجميلات اللائي لا يفتنهنَّ الرّجال. تصل هذه الصفات بشكل مباشر لا رمزي، فيمكن تلقّفها على لسان المقاتلات أنفسهن، أو على لسان من جاء من بلاد أخرى ليقاتل معهنّ.
البطل والعين الساهرة على كل هذه المشاهد، بل وضابط وقع التوازن الدولي حول كل شيء هو “الموساد”، الذي يظهر بعدده القليل وعتاده المعدوم، وقدرته المتمثلة بالتنسيق والتخطيط والذكاء، فتراه بين “داعش” والوحدات النسائية متمثلًا بشخص واحد فقط لا غير، يقوم بتلقف المعلومات من خلال قدرته على اختراق كبرى مراكز القيادة في “داعش”، وتراه كذلك في إيران قادرًا على تجنيد أذكى الشخصيات، وضرب المشروع النووي الإيراني في أرضه بمخطط فردي لا يخضع لتنسيق مع دول أخرى، بل هو قادر على حماية المجندين فيه، ليقنع العالم بأسره أن المجندة الفرنسية التي عملت معه في إيران قد قُتلت في تفجير استهدفها في القاهرة، ليضمن لها حياة جديدة بشخصية جديدة. “الموساد” هو وحده الموجود في المكان المناسب، والقائم بالدور الأمثل حيث لا يلوث يده بالرصاص والدماء اللذين يغرِقان المسلسل إلا مضطرًا، وربما نادمًا بعض الشيء على ما فعله.
مشوقة هي القصة التي يسردها المسلسل لا شك، لكن معرفتك بتفاصيل البيئة التي تدور فيها، ستجعلها ممجوجة، سترى بعض المشاهد التي قُدِّمت بجدية مطلقة على أنها مشاهد كوميدية، وكذلك الشخصيات، على الرغم من أن ما يحسب للعمل بشكل عام هو إمكانيات الممثلين العالية، والصورة والمناظر التي يبدو أن تميزها بات قيمة ثابتة في كل منتج فني جديد، على اعتبار أنها باتت تتعلق بتقنيات الآلة أكثر من تعلقها بالعامل خلفها في الزمن المعاصر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :