عنب بلدي – القنيطرة
في محافظة القنيطرة بالجنوب السوري، لا يرتبط موسم الشتاء بالمطر فحسب بل بموسم الفطر أيضًا، حيث تتسابق أعداد كبيرة من السكان إلى البراري والأحراش والأراضي غير المزروعة لجمعه، معظمهم لغرض البيع، وبعضهم لتناوله.
اعتاد حسين، من قرية أوفانيا في ريف القنيطرة الشمالي، على جمع الفطر منذ صغره، منتظرًا سماع الرعد ورؤية البرق مع الأمطار الغزيرة لينطلق في رحلة بحثه، “أجواء القنيطرة مناسبة جدًا لنمو الفطر البري”، قال الشاب الثلاثيني لعنب بلدي.
بعد هطول المطر المترافق مع البرق والرعد، تتشكل أنواع الفطر المختلفة، التي تباع بعض أنواعها بأربعة آلاف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد (نحو دولار ونصف)، إلا أن عملية جمعه ليست سهلة، فالتمييز بين الفطر الصالح للأكل والفطر السام يتطلب خبرة ودراية.
كما يتحمل جامعو الفطر البري المشقة في قطفه، لأن الأنواع التي يبحثون عنها لا تنمو بكميات كبيرة في مناطق متقاربة، ما يجبرهم على البحث الدقيق في مساحات واسعة لجمع كيلوغرام واحد على الأقل.
وعلى الرغم من أن عادة جمع الفطر ليست بالجديدة، فإنها تحولت إلى مصدر رزق مؤقت لعدد من سكان المحافظة الذين لا يملكون أي عمل، أو ممن يعتبر مردودهم المادي ضئيلًا مقابل التزاماتهم، إلا أن ارتباطه بالعوامل الجوية يجعل ربحه “غير مستقر”، حسبما قال حسين.
ينتظر علاء، الفتى البالغ من العمر 13 عامًا، فصل الشتاء “بفارغ الصبر”، كما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى حاجته لمساعدة أسرته النازحة من ريف دمشق الغربي من مردود البيع الذي يعتبر “جيدًا”.
تبدأ رحلة علاء في البحث عن الفطر بعد يوم أو اثنين من هطول الأمطار، ويشارك الرجال والأطفال والنساء، ويجمع أغلبهم الفطر المعروف لديهم فقط، خوفًا من جمع الفطر السام عن طريق الخطأ.
تتراوح مدة البحث اليومية ما بين ثلاث وخمس ساعات، يقضيها جامع الفطر بالمشي والقرفصاء، مقلبًا الأشواك وناظرًا تحت أوراق الشجر وبين الحجارة بحثًا عن الفطر، ويفرزه بحسب النوع، ولا تزيد حصة الفرد وسطيًا على جمع ثلاثة كيلوغرامات في اليوم الوفير، خاصة مع وجود عدد كبير من الباحثين في البراري لنفس الغاية.
“لحم الفقراء”
تعتبر أطباق الفطر المطهوة بزيت الزيتون والبصل من الأطعمة المفضلة في المنطقة، “الفطر أهم من اللحم المشوي بالنسبة لي”، قال الرجل الستيني “أبو طه” لعنب بلدي، مشيرًا إلى تسمية الفطر بـ”لحم الفقراء”، كونه ينبت بالأرض دون زراعة.
ويُستخدم الفطر في الحساء، ويضاف إلى أطباق متنوعة، مثل المعجنات والدجاج واللحم، وله أنواع عديدة في المنطقة، من أهمها “بوز العجل” الأبيض والبني، الذي يعتبر الألذ والأفضل، والفطر “الغنامي”، مع أنواع أخرى كـ”الكلخ” الذي لا يرغب به الناس، و”المحاري”، كما توجد أنواع سامّة لا تصلح للأكل، منها ما يتميز بلونه الأصفر في رأسه والبني الغامق لساقه، ومنها ما هو أبيض اللون لكنه دون ساق وجذر.
وتسبب بعض أنواع الفطر السام الموت عند تناولها، لأنها تؤثر على الجهاز العصبي، وتحمل أعراضًا من الدوار وآلام المعدة والإسهال والتقيؤ وآلام الصدر، وفشل الكلى، ما لم تتم معالجتها سريعًا، ويشترط عند معالجة أعراضه مصارحة الطبيب وجلب عينة من الفطر ليفحصها ويتمكن من وصف الدواء الصحيح.
أما بالنسبة لفوائد الفطر، فهو طعام منخفض السعرات الحرارية والكربوهيدرات، ولا يحتوي دهونًا ولا كوليسترول أو غلوتين، وتقل فيه نسبة الصوديوم، ويضم فيتامين “ب” و”د”، ومضادات الأكسدة والبوتاسيوم والنحاس، ويقي من السرطان، ويقوي المناعة، ويساعد على ضبط الوزن.