ملاذ الزعبي
في عصر كثيرًا ما يوصف العالم فيه بأنه قرية صغيرة، في زمن قد يقرأ فيه مزارع في فيتنام عن حدث حصل في الإكوادور بعد لحظات من وقوعه بل ويبدي ردة فعل ما، سلبًا أو إيجابًا، على هذا الحدث. في الوقت الذي يرى فيه علماء وفلاسفة أن رفرفة جناحي فراشة في الصين قد تكون بداية إعصار في الولايات المتحدة أو أي مكان قصي آخر، يريد سوريون كثر من أكثر السوريين ألا يُبدوا رأيهم فيما يحصل في بلد جار، ثلاثة أرباع حدوده مع سوريا، ولجأ إليه، ويقطن فيه، مئات الآلاف من السوريين، ويعمل فيه آلاف من العمال السوريين، ويستثمر في اقتصاده مئات من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال من حملة الجنسية نفسها.
ليس فقط ما ذكر أعلاه، بل أيضًا ثمة بضعة آلاف من أفراد أقوى ميليشيا في هذا البلد يقاتلون داخل سوريا، عدا عن أفراد آخرين يقاتلون إلى جانب المعارضة، وسبق للنظام السوري أن أقام فيه نظام وصاية لعقود، واجتاح بجيشه معظم أراضيه، وسبق لمخابراته أن احتكرت الكلمة العليا في كل صغيرة وكبيرة في شؤونه. بالإضافة إلى ملامح أخرى من التداخل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الكبير بين البلدين.
طبعًا لم يتوقف معظم اللبنانيين عن إبداء الرأي، وهذا من طبيعة الأشياء، فيما جرى ويجري في سوريا منذ آذار من العام 2011 وحتى الآن.
وأعرب كتاب وصحافيون وفنانون ومواطنون لبنانيون من مختلف المهن والطبقات والشرائح الاجتماعية وعاطلون عن العمل عن مواقفهم المتنوعة بخصوص ما يحصل، وكتبت المقالات والدراسات وحتى الكتب، وأشعلت الشموع ونظمت المظاهرات والحملات، وفتحت البيوت لاستقبال اللاجئين أو أغلقت في وجههم الأبواب، واحتضنتهم بلدات ومنعتهم أخرى من الخروج من منازلهم مساء، وأرسلت أمهات أبناءهن لقتل السوريين وقتالهم في عقر ديارهم، فهل كان من الممكن ألا يستعرض اللبنانيون قناعاتهم في الشأن السوري؟
وهل الشأن السوري منفصل اليوم عن لبنان أو العراق، وهل مصر، على سبيل المثال، جزيرة منعزلة لا تتأثر ولا تؤثر في جيرانها؟ إذا لم تكن هذه الدعوات لمنع إبداء الآراء نزعات لطمس التعددية وهيمنة الرأي الواحد ومنع حرية التعبير، فما هي إذًا؟