حل المنازعات العقارية بوسائل بديلة عن القضاء
رياض علي
إن السمة الغالبة على مؤسسة القضاء في سوريا، مثلها مثل بقية المؤسسات، هي الفساد واللامبالاة بحقوق الناس وأرزاقهم، فالدولة السورية ومنذ تسلّم حزب “البعث” السلطة عام 1963، تعتاش على منظومة الفساد والإفساد، وما يؤكد هذا الكلام بخصوص مسألة العدالة والقضاء والمحاكم، هو سعي النظام الحاكم على مدى عقود، بل وتفننه في سلب الاستقلال والحيادية من السلطة القضائية، من خلال إخضاع هذه الأخيرة دستوريًا للسلطة التنفيذية المتمثلة برئيسها، كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، وقيام الأخير بتسمية قضاة المحكمة الدستورية، وإنشاء المحاكم الاستثنائية الفالتة من كل القواعد والأصول القانونية، وغيرها من المثالب التي تؤكد وجود سياسة ممنهجة في إضعاف هذه السلطة وتحجيم دورها.
وبغض النظر عن كل هذه العيوب البنيوية التي تعتري السلطة القضائية، فإن مسألة تعقيد الإجراءات القانونية المتبعة في الدعاوى وطول أمد التقاضي لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالقانون نفسه أو بالقائمين على تطبيقه، أدى إلى عزوف البعض من مدعي الحقوق عن اللجوء إلى المحاكم، والبحث عن طرق بديلة، تكون أقل إرهاقًا وأقصر زمنًا، لحل دعاواهم العالقة، وتمثلت تلك البدائل باللجوء إلى التحكيم، كمؤسسة تم النص عليها في القانون السوري، وأحيانًا عبر اللجوء إلى الآليات العرفية، التي تتمثل بالاحتكام إلى شخصيات مجتمعية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والسمعة الطيبة.
وإذا كانت تلك الأسباب المتعلقة بطول أمد التقاضي وفساد القضاء هي التي تدفع البعض إلى سلوك الآليات البديلة، فإن النزاع الملتهب الدائر في سوريا منذ ما يقارب العشر سنوات، أدى إلى اللجوء إلى تلك الوسائل بزخم أكبر، فكثير من دور المحاكم خرجت عن الخدمة، بسبب خروج المناطق التي تعمل فيها عن سيطرة النظام، وعدم قدرة ما يقارب نصف الشعب السوري على الوصول إلى مناطق سكناهم الأصلية، لأنهم إما نازحون وإما لاجئون، إضافة إلى تخوف كثيرين منهم من مراجعة الدوائر الحكومية ومنها المحاكم، ليقينهم أو لتخوفهم بأنهم مطلوبون لإحدى الجهات الأمنية في سوريا، ولكل تلك الأسباب، ستكون مؤسستا التحكيم والآليات العرفية من السبل التي سيكثر اللجوء إليها لحل الخلافات، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الملكية العقارية، لذلك فالتعريف بهما وإزالة اللبس عنهما، قد يزيد من فرص الحفاظ على تلك الحقوق وحمايتها.
فالتحكيم كما عرفه قانون التحكيم السوري رقم (4) لعام 2008، هو “أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلًا من القضاء، سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أو مركزًا دائمًا للتحكيم أم لم تكن كذلك”، وما يميز التحكيم عن القضاء هو أن بإمكان طرفي النزاع الاتفاق على هيئة التحكيم، بشرط أن يكون العدد وترًا (واحد، ثلاثة، خمسة…)، وكذلك على القانون الواجب التطبيق على النزاع، ويشترط أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، وتكون محكمة استئناف المنطقة هي المختصة بالنظر في جميع مسائل وإجراءات التحكيم، وإذا تعلق النزاع بحق عيني على عقار وجب وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار من قبل محكمة الاستئناف المذكورة، وعلى هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال مدة 180 يومًا من تاريخ انعقاد أول جلسة لها، مع إمكانية التمديد لمدة لا يزيد على الـ90 يومًا ولمرة واحدة، وتصدر أحكام التحكيم مبرمة.
إذًا، المدة التي يستغرقها النزاع أمام هيئة التحكيم قصيرة جدًا مقارنة مع تلك التي يستغرقها عادة أمام المحاكم العادية، كما أنه سيتولد لدى طرفي النزاع شعور بمشاركتهما في الحكم الذي سيصدر عن المحكمين، وذلك من خلال الاتفاق على التحكيم واختيار المحكمين والقانون الواجب التطبيق وحتى لغة التحكيم…، وسيكون اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات العقارية، الحل الأقرب للصواب وفق اعتقادي، لا سيما في ظل الظروف التي تعيشها سوريا، وما رافقها من عمليات نهب واستيلاء على الممتلكات العقارية، وما سينجم عن ذلك من تراكم للقضايا العقارية أمام المحاكم، وخاصة في المرحلة اللاحقة للتوصل إلى الاتفاق السياسي المنتظر.
أما فيما يتعلق بالآليات العرفية، كاللجوء إلى شخصيات اجتماعية معروفة بحياديتها وخبرتها في حل الخلافات والمسائل العالقة، فهذه الآلية قد تكون بديلًا عن تعقيدات المحاكم وروتينها الممل، وهي تمتاز بسهولتها وبساطتها وارتياح أطراف النزاع لها، لكن خطورتها تكمن في احتمالية تنصل الطرف الذي لم تأتِ النتيجة على هواه بما ألزم نفسه به أدبيًا، لذلك يفضل أن تتم كتابة النتيجة النهائية لعمل المحكمين، إن جاز التعبير، على شكل عقد أو إقرار من أطراف النزاع، ليتمكن صاحب المصلحة من الادعاء به أمام القضاء مستقبلًا، والمشكلة الأخرى التي قد يواجهها الأطراف عند اللجوء إلى هذه الآلية هي عدم التمكن من وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار موضوع النزاع، كون القائمين على حل النزاع ليسوا من قبيل المؤسسات الرسمية، ويمكن لصاحب المصلحة تدارك هذا الأمر باللجوء إلى القضاء المستعجل لوضع إشارة الحجز الاحتياطي على صحيفة العقار تزامنًا مع سلوك هذا الطريق البديل لحل النزاع، كون الحجز الاحتياطي يقوم مقام إشارة الدعوى.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :