في محكمة “كوبلنز”.. شاهدة تواجه أنور رسلان بجرائم العنف الجنسي

  • 2020/11/22
  • 12:35 م
الشاهدة رويدا كنعان والضابط السابق أنور رسلان (تعديل عنب بلدي)

الشاهدة رويدا كنعان والضابط السابق أنور رسلان (تعديل عنب بلدي)

بينما تواصل “المحكمة الإقليمية العليا” في مدينة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا محاكمة ضابط المخابرات السابق أنور رسلان، الذي يواجه تهمًا بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، وهي المحاكمة الأولى من نوعها في العالم ضد جرائم التعذيب من قبل النظام السوري، شهدت المحكمة، في 19 من تشرين الثاني الحالي، جلسة للمطالبة بمقاضاة الاستخدام الممنهج للعنف الجنسي ضد المدنيين في سوريا كجريمة ضد الإنسانية، أدلت خلالها المدعية المشتركة في محاكمة الخطيب والصحفية والناشطة في حقوق النساء رويدة كنعان بشهادتها، بعد تلقيها دعوة عن طريق “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” (ECCHR)، والتحقيق معها من قبل مركز الشرطة الألمانية.

وخلال الجلسة، طالب المحاميان باتريك كروكر، وسباستيان شارمر، وهما ممثلا المدعين والمدعيات في القضية، بتوسيع دائرة التهم الموجهة بالدعوة القضائية ضد رسلان لتشمل معاملة العنف الجنسي كجريمة ضد الإنسانية، بموجب القانون (7 فقرة 1 رقم 6) في قانون الجنايات الدولية، وذلك حتى يتم الاعتراف بحجم الانتهاكات الجنسية المرتكبة في سوريا بشكل قانوني، بعد أن أثبتت شهادات الشهود حتى الآن استخدامه بشكل ممنهج من قبل النظام السوري. 

تفاصيل الإدلاء بالشهادة

ومن خلال شهادتها، حاولت رويدة إعطاء صورة دقيقة جدًا وشاملة عن الأوضاع التي كانت سائدة في “الفرع 251” لجهاز أمن الدولة المعروف باسم “فرع الخطيب”، وفق ما روته لعنب بلدي، والتي بنتها على ما شاهدته من عمليات التعذيب داخله، وسماعها أصوات المعتقلين من الغرف الأخرى ومن مكان التحقيق.

وهو ما نفاه رسلان في استجوابه سابقًا، وقال إنه لم يرَ هذه الظروف ولم ينتبه لحدوثها.

كما تحدثت بشكل تفصيلي عن العنف الجنسي الذي يمكن أن تتعرض له المعتقلات بأشكاله المختلفة، بدءًا من الإهانات اللفظية الجنسية إلى التحرش والتعري والاغتصاب. 

وكان في قاعة المحكمة خمس قاضيات وقاضيَان، وفق ما أوضحت رويدة، تمحورت أسئلتهم حول ظروف الاعتقال التي يعانيها السجناء، وتفاصيل حياتهم اليومية المتعلقة بالوضع الصحي والإنساني، إلى جانب مجريات التحقيق معهم.

الشاهدة في محكمة “كوبلنز” رويدة كنعان – 2020

كما تركزت أسئلتهم بشكل كبير على سياق الأحداث في سوريا بين عامي 2011 و2012، وهي الفترة التي كان فيها رسلان على رأس منصبه، وكيف تعامل الأمن السوري مع المظاهرات، وهل كانت الثورة السلمية حينها تستأهل كمية العنف التي واجهها بها النظام.

وأضافت في هذا السياق، “تحدثتُ عن المظاهرات التي شاركتُ بها في دمشق وريفها، وعن إطلاق الأمن النار بشكل مباشر على المتظاهرين السلميين، إضافة إلى زيف ما كان ينقله الإعلام الرسمي حول ما يجري، وقصصتُ عليهم أنه في إحدى المرات كنا في مظاهرة بمنطقة برزة في دمشق، وحدث إطلاق نار واعتقالات من قبل الأمن، وعندما عدتُ إلى المنزل كانت القنوات الرسمية تنفي حدوث أي شيء، كما قامت بتصوير جزء من المنطقة كدليل على صحة ادعائها”.

وحول ما روته عن تجربة اعتقالها قالت، “اعتقلتُ أكثر من مرة بأفرع مختلفة، الأولى كانت بفرع الأمن الجنائي، والثانية بفرع الخطيب، والثالثة بفرع الجوية، وقد تركزت أسئلة القضاة بشكل كبير على الاعتقال الثاني باعتبار أن الدعوى قائمة عليه، لكنهم سألوا أيضًا عن الأفرع الأخرى، وشرحتُ لهم ما تعرضتُ له من حبس ومعاملة سيئة وتعذيب وضرب وتحرش جنسي”.

“لم يستطع النظر في عيني”

وتابعت في هذا الصدد، “كنتُ أتمنى لو أن المحاكمة حصلت في سوريا، وأن تجري معاملة رسلان كما تمت معاملتنا آنذاك، فقد كان يُعامل بشكل جيد في أثناء التحقيق معه وبرفقته محامٍ ومترجم، كنتُ سعيدة لوجوده في هذا المكان، ولحالة الضعف التي بدت عليه، لم يستطيع النظر في عيني مع أنني أطلتُ النظر إليه، وكنتُ قريبة جدًا منه”. 

وفيما يبدو أن شهادة كتلك تتطلب شجاعة كبيرة، ترى رويدة أن ما دفعها لخوضها “هو أننا في سوريا لا نمتلك كثيرًا من الخيارات في سبيل تحقيق العدالة، فليس متاحًا حاليًا اللجوء إلى محاكم وطنية، أو إلى محكمة الجنايات الدولية، بل إن المسار الوحيد المتاح محصور بمبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تجرى بموجبه هذه المحاكمة”.

وما شجعها على الإدلاء بشهادتها هو كون المحاكمة الجارية ضد شخص أنور رسلان، الذي كان رئيس قسم التحقيقات في “فرع الخطيب” وانشق عن النظام في كانون الأول من عام 2012، ورغم ترددها في بداية الأمر باعتبار أنه انشق، عادت وفكرت بأنه دخل هذه المنظومة بكامل إرادته، ولا يوجد أي أحد في سوريا مهما كان بسيطًا لا يعرف عن التعذيب والممارسات التي تُرتكب في الأفرع الأمنية، وقد واصل عمله بعد انطلاق الثورة وحتى نهاية عام 2012، وهو ما يعتبر وقتًا طويلًا نسبيًا، ولو لم تنطلق الثورة كان ربما لا يزال يمارس التعذيب والظلم والانتهاكات ضد المعتقلين، والناس عمومًا، حتى الآن، بحسب ما قالته لعنب بلدي.

وتعتبر رويدة أن تجريم أنور رسلان تجريم للنظام السوري، فعند صدور حكم بحق رسلان، لن يستمر تعويم الأسد بشكل أو بآخر، أو مشاركة الدول بإعادة الإعمار، أو فتح ملف عودة اللاجئين، لأن التحقيقات كما لاحظتها من خلال أسئلة القضاة، لا تصب بشخص أنور رسلان رغم تركيزها عليه، بل تتحدث عن السياق السوري بشكل عام بين عامي 2011 و2012. 

وتعتقد رويدة أن التحقيقات الجارية ستسهم في جلب جزء من العدالة، “فالعدالة التي نطمح بها في سوريا هي محاسبة جميع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، سواء من قبل النظام أو الأطراف الأخرى، ولكن يمكن القول إن محاكمات (كوبلنز) هي بداية لذلك، وما يحصل سيسجل للتاريخ”.

توسيع دائرة التهم ضد رسلان

المحامية السورية والزميلة الباحثة ببرنامج الجرائم الدولية والمحاسبة في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” جمانة سيف

المحامية السورية والزميلة الباحثة ببرنامج الجرائم الدولية والمحاسبة في “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” جمانة سيف، أكدت من جانبها أهمية المذكرة التي طالبت بإضافة جرائم العنف الجنسي كجريمة ضد الإنسانية.

وأوضحت، في حديث إلى عنب بلدي، أنه حتى الآن يوجد اتهامان فقط ضد أنور رسلان يتمثلان بالاغتصاب والتحرش الجنسي بحسب قانون العقوبات الألماني، أي أنه لم يتم اعتبارهما جرائم دولية، وكذلك الأمر في مذكرة الاعتقال السابقة التي صدرت بحق الرئيس السابق لأجهزة المخابرات في القوات الجوية، جميل الحسن، لم يتم اعتبار العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي كجريمة ضد الإنسانية، ولذلك قدم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” بالشراكة مع منظمة “أورنمو للعدالة وحقوق الإنسان” و”شبكة المرأة السورية”، في 17 من حزيران الماضي، شكوى جنائية نيابة عن سبع من الناجيات والناجين السوريين أمام القضاء الألماني، ضد تسعة مسؤولين كبار في الحكومة والمخابرات الجوية التابعة للنظام السوري، من بينهم جميل الحسن، ورئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري، علي مملوك. 

كما قدم المحاميان باتريك كروكر وسباستيان شارمر، في 19 من تشرين الثاني الحالي، طلبًا بالنيابة عن ثمانية من المدعين في محكمة “كوبلنز” الذين قدموا أكثر من مئة دليل على أن ممارسة العنف الجنسي تمت بشكل واسع النطاق وممنهج ضد السوريين خلال سنوات الثورة، لذلك يجب التحقيق فيه وإضافته إلى التهم الموجهة لأنه استخدم بشكل يمكن اعتباره كجريمة ضد الإنسانية.

وأشارت سيف إلى أن المحاميين كروكر وشارمر هما محاميا المدعين والمدعيات والشهود اللذان يدعمان 17 شاهدًا وشاهدة ومدعيًا ومدعية، وهما من يحق لهما تقديم هذا الطلب، وبناء عليه قاما بتقديم هذه المذكرة بالأدلة والإثباتات، وسلماها إلى القضاة ومحامي الدفاع عن أنور رسلان وإياد الغريب، لافتة إلى أن الرد عليها قد يتطلب نحو أسبوعين أو أكثر لأن المذكرة طويلة وتتضمن عددًا كبيرًا من الأدلة التي تشتمل على تقارير دولية تثبت ارتكاب التهم المذكورة خاصة في الفترة التي تركز عليها الإدانة وهي من نيسان 2011 وحتى أيلول 2012. 

حساسية الطرح

تُعتبر جرائم العنف الجنسي، والجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، قضايا حساسة، يصعب الإفصاح عنها في جميع دول العالم، وبالأخص في سوريا التي تغلب عليها المجتمعات المحافظة، ولذلك فإن الحديث عنها يعد أمرًا مستنكرًا وليس سهلًا، ولفتت سيف إلى أنه ومنذ بدء التحقيق بخصوص هذه الجرائم قبل عدة سنوات، حاولوا العمل على بناء الثقة مع الناجيات والناجين، والتشاور مع منظمات المجتمع المدني، والمنظمات النسوية بشكل خاص، من أجل بناء هذا الملف، وتقديم الدعوى دون التسبب بأي ضرر أو أذية للمدعيات والمدعين، وتلافيًا لحدوث رفض من المجتمع.

وذكّرت سيف في هذا السياق بحملة “طريق سوريا إلى العدالة“، التي أطلقتها، في حزيران الماضي، منظمات سورية حقوقية ونسوية هي، “بدائل، و”دولتي”، و”النساء الآن من أجل التنمية”، و”شبكة الصحفيات السوريات”، بالإضافة إلى حملة “من أجل سوريا”.

وتدعو الحملة إلى زيادة فرص الوصول القانوني إلى العدالة للناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي ارتكب خلال السنوات العشر الماضية من النزاع في سوريا، وخاصة الناجيات اللواتي يواجهن عوائق تحول دون وصولهن إلى العدالة.

هل تتحقق العدالة؟

وفي سبيل تحقيق نوع من العدالة سيكون من الأهمية بمكان محاولة إنصاف الضحايا معنويًا، والاعتراف بما عانوه من جرائم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي سيساعدهم على تجاوز محنتهم، وترى سيف أن العنف الجنسي على وجه التحديد يترك آثارًا مديدة وعميقة لأن فيه شيئًا من الإمعان في الإذلال للنساء والرجال، وهذا ما سيؤثر عليهم في جميع نواحي حياتهم، إذ إنه يتسبب بنبذ الضحايا من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى النقيض من ذلك، سيسهم الاعتراف بهذه الجرائم، وهو ما يتم النضال من أجله حاليًا، بتأمين حقوقهم في الرعاية الصحية والنفسية والحصول على الدعم الاقتصادي لتأمين دخل يكفيهم حتى يتم تعافيهم وعودتهم إلى حياة أقرب إلى الطبيعية، كما يرتب هذا الاعتراف التزامات على الدول الداعمة لسوريا، والمجتمع الدولي ككل، للتعامل مع الناجين والناجيات بشكل ينصفهم ويضمن حقوقهم في المستقبل.

من جانب آخر، ترى سيف أن مذكرات الاعتقال ولوائح الاتهام أو أيًا من الوثائق القانونية التي تصدر، هي بمثابة مقاضاة للنظام السوري بحد ذاته، حتى لو حددت المسؤولية الفردية، “إذ إنها تسهم في إثبات السردية الخاصة بنا وهي الواقع والحقيقة كما حصلت، بمواجهة سردية النظام التي تقول إنه يحارب (الإرهابيين)، وبالتأكيد ستسهم مستقبلًا في تثبيت حقوق الضحايا الناجيات والناجين، إلى جانب توثيق ومعرفة الحقيقة كما هي، خاصة أن من يصدرها قضاء نزيه معترف به دوليًا، وهو ما سيؤسس لجميع جهود العدالة التي ستظهر لاحقًا، وسيبنى عليها مبدأ القانون الجنائي المتمثل بالبناء على السوابق القضائية”. 

أصدر “مجلس حقوق الإنسان” تقريرًا بعنوان “فقدت كرامتي“، أكد استمرار العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد في سوريا، منذ آذار 2011.

ووثّق التقرير ارتكاب القوات الحكومية والميليشيات المرتبطة بها، الاغتصاب والانتهاكات الجنسية ضد النساء والفتيات، وأيضًا ضد الرجال في أثناء العمليات البرية والغارات على المنازل وفي نقاط التفتيش ومرافق الاعتقال الرسمية وغير الرسمية، كما وثّق حوادث اغتصاب للإناث على يد أفراد من الجماعات المسلحة، وإن كانت أقل شيوعًا.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان