في يوم التلفزيون العالمي.. صراع بين الشاشة السورية والإنترنت 

  • 2020/11/22
  • 11:27 ص

مكب للتلفزيونات في أحد الولايات الأمريكية (تعبيرية)

عنب بلدي – سعد الدين العلي

بالأبيض والأسود، وبث لا يتجاوز الساعتين في اليوم، ولا يتعدى مدينة دمشق، كانت بداية الشاشة السورية في عام 1960.

انطلق التلفزيون السوري ببثه الأول بالتزامن مع البث الأول للتلفزيون المصري، وحملا حينها معًا اسمًا واحدًا (التلفزيون العربي)، وذلك في ظل الوحدة بين مصر وسوريا آنذاك.

وبحسب المؤسسة العربية للإعلان السورية، لم يكن بالسهل اقتناء التلفزيون بسبب ثمنه الباهظ، إذ يذهب السكان إلى أقرب بيت في الحي ليشاهدوا الشاشة، في حين نشرت العاصمة دمشق أجهزة تلفزيون في الحدائق العامة، لا سيما في المناسبات والأحداث الوطنية.

أداة توجيه؟

لم تكن الرقابة شديدة على ما تبثه الشاشة السورية في بداية ظهورها عام 1960، بحسب الإعلامي الرياضي محمد النجار، وهو مذيع تلفزيوني وإذاعي عاصر تلك الفترة، إلا أن الأمر اختلف عند تسلّم حزب “البعث العربي الاشتراكي” مقاليد الحكم.

وقال محمد نجار، إن الأخبار والمواد الصحفية كانت تحرر بإشراف من القصر الجمهوري، ولا تنشر إلا بعد موافقة المكتب الإعلامي فيه.

وأشار إلى أن جزءًا من المجتمع السوري لم يتقبل التلفزيون في أولى فترات انتشاره، وكان المواطنون يرون أنه ينشر ثقافة “دخيلة” تعارض ما اعتاد عليه كثير من السوريين، بحسب نجار.

وبحسب معهد “مصداقية الصحافة”، فقد اُستخدم التلفزيون العربي السوري في كل العهود كوسيلة للدعاية المرئية، وقد تعاظم استخدامُه خلال حكم “البعث”، إذ كان أداة للخطاب الرسمي الأحادي، يذيع أقوال المسؤولين، ويقدم تحليلها، ويشرح النظريات والآراء المستنبطة من خطبهم ومواقفهم، ويشرف على إدارته أحد المسؤولين المقرّبين.

ويخضع المذيعون والصحفيون والتقنيون العاملون في الإعلام المرئي لنظام مراقبة صارم، ويرجع ذلك إلى أن السلطات أكثر حساسية لعرض الطروحات السياسية على الشاشة، بينما تدير وزارة الإعلام في سوريا جميع الوسائل الإعلامية.

ولضمان الرقابة عليها، كانت المواد التلفزيونية تُبث بأكملها بعد تسجيلها من أجل ضبط الرسالة الإعلامية وتأطيرها بما يتماهى مع وجهة نظر السلطة في البلاد، عدا خطابات الرئيس وخطابات بعض المسؤولين المقرّبين.

عبد المعين عبد المجيد صحفي سوري ومقدم برامج سابق في التلفزيون السوري، قال لعنب بلدي، إن النظام كان يوجه المواد المتلفزة من خلال التلفزيون السوري عن طريق تأطيرها، بحيث يخصص لكل فئة من فئات المجتمع (الفلاح، الطالب، المعلم…) برنامجها ومادتها المتلفزة الخاصة.

وأضاف الصحفي السوري، الذي اشتهر ببرنامج “التلفزيون والناس” وهو واحد من أكثر البرامج شعبية وعفوية، أن هوائي التلفزيون (الستالايت) كان ممنوعًا في سوريا حتى أواخر التسعينيات، إلا أن عمليات التهريب أجبرت النظام السوري على فتح المجال لبيع الهوائي لشركات تابعة له.

البرامج ومقدموها كانوا يُنتقون بعناية شديدة وضمن معايير محددة، منذ بداية البث التلفزيوني وحتى بداية التسعينيات، إذ أصبحت المحسوبيات هي الأساس والمعيار الأبرز في عملية التوظيف، بحسب عبد المعين عبد المجيد.

اليوم العالمي للتلفزيون
تحدد الأمم المتحدة يوم 21 من تشرين الثاني من كل عام باعتباره اليوم العالمي للتلفزيون.وتقول عبر موقعها الإلكتروني، إن التلفزيون لا يزال أكبر مورد للمواد المصوّرة.وعلى الرغم من أن استخدام شاشات بأحجام مختلفة مكّن الناس من إنشاء محتوى ونشره ومطالعته على منصات مختلفة، يزيد عدد المنازل التي تقتني أجهزة تلفزيون يومًا بعد يوم.

ويتيح التفاعل بين وسائط البث الناشئة والتقليدية فرصًا لإذكاء الوعي بالقضايا المهمة التي تواجه مجتمعاتنا وكوكبنا، بحسب الأمم المتحدة.

الإنترنت في مواجهة الشاشة

كان النظام السوري يستطيع التحكم بالرسائل الإعلامية ويوجه الجمهور حسب رؤيته إلى حد ما، إلى أن دخل الإنترنت سوريا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.

والوصول إلى الإنترنت كان حكرًا في البداية على هيئات حكومية، وحتى عام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين بالاشتراك بالإنترنت، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش“.

وجاء في تقرير للمنظمة، في العام الأخير من الألفية الماضية، “لا تزال سوريا هي البلد الوحيد المتصل بشبكة الإنترنت في المنطقة الذي لم يسمح لمواطنيه بعد بدخول الشبكة محليًا، وذلك على الرغم مما أصدرته بعض الدوائر الرسمية من تصريحات تعدد مزايا الإنترنت. وهذا الأسلوب المتأني الذي تنتهجه الحكومة ينسجم مع جهودها الرامية لكبح جميع أشكال التعبير التي تنطوي على انتقاد لأسلوب الحكم في البلاد”.

سمح الإنترنت بانتشار بعض الأصوات المعارضة، كمدونة “رايح ومش راجع“، للناشط محمد العبد الله، التي نشر فيها آراء معارضة للنظام بلغة شجاعة عام 2006، لكن اللغة الشجاعة نفسها جعلته يغادر البلد في 2007 دونما رجعة، كما يبدو من عنوان مدونته.

ومع بداية الثورة السورية وانتشار رقعة الاحتجاجات، صار الإنترنت عصب التواصل بين الناشطين، ولم يعد التلفزيون المصدر الأول والأساسي في تلقي الأخبار.

وساعدت الثورة الرقمية، التي أسهمت بانتشار الهواتف الذكية بأيدي كثير من السوريين، في تخليهم عن التلفزيون الذي يجبر متابعيه على مشاهدة المواد الإعلامية الموجهة ضمن إطار معيّن.

هل تلغي مواقع التواصل الاجتماعي دور الشاشة؟

الدكتور محمد أنيس المحتسب، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة “اليرموك” الأردنية، قال لعنب بلدي، إن مواقع التواصل الاجتماعي أثّرت بشكل كبير على جمهور وشعبية التلفزيون، كما أثرت الإذاعة سابقًا على الصحيفة الورقية، والتلفزيون على الإذاعة.

وأكد المحتسب أن أكثر المتجهين نحو التلفزيون من فئة الشباب وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي ضالتهم، إذ تتيح لهم الحرية بأن يوجهوا الرسالة بأنفسهم لملايين الناس ويستقبلوها متى يشاؤون.

لكن رغم كل الثورة الرقمية فإن التلفزيون لا يزال يحافظ على جماهريية كبيرة، لما له من من مزايا خاصة، كالانضباط في توجيه وإرسال الرسالة، وانتقاء المرسل ضمن معايير خاصة، وهذا ما لا تحتويه مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح للقاصي والداني أن يفعل ما يشاء وكيفما يشاء برسالته الإعلامية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع