سوريا.. “مملكة الاستبداد المقنن”
يعتبر كتاب “مملكة الاستبداد المقنن في سوريا” لكاتبه المحامي السوري جريس الهامس، والمؤلف من 221 صفحة، شرحًا قانونيًا للمحاكم الاستثنائية التي شكّلها النظام السوري من خلال حكمه للدولة، والتي شُكّلت بمراسيم وقوانين تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها منظمة الأمم المتحدة.
شبّه المحامي الهامس السلطة القضائية بمثابة الحارس المؤتمن على تحقيق العدالة بين الناس من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى، وذلك لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
ولذلك فإن الاستقلال بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية هو المقياس الحضاري والديمقراطي لأي أمة من الأمم، وفق المحامي، وهو الضمان الأول لحماية حقوق الناس من عبث أي سلطة طاغية أو دكتاتور مستبد بجمع كل السلطات بيده ليتصرف بمصير المجتمع والدولة حسب أهوائه.
والهامس عاصر مرحلة الانتداب الفرنسي في سوريا، واستقلالها عنه، والانقلابات العسكرية، والوحدة السورية- المصرية، وحكم الانفصال، وانقلابات حزب “البعث” جميعها، ويعتبر أحد مؤسسي “التيار الشيوعي العربي المستقل” منذ عام 1965.
وأسهم في أدبيات الحزب “الشيوعي العربي” التي كانت تعتبر سرية، ومنها “نضال الكادحين”، و”صوت الفلاح”، ضمن نشرات “الصحيفة الماركسية النظرية”.
ويرى الهامس في كتابه أن مهمة القضاء لم تعد الفصل بين الناس في نزاعاتهم، بل أصبحت تشمل مراقبة دستورية القوانين وحق مقاضاة أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية في حالات خرق الدستور.
وخلال سنوات حكم حزب “البعث” في سوريا، عملت السلطة التشريعية على تقنين التعذيب وسلب حقوق معارضي سياسة السلطة.
وفي عام 1965، صدر المرسوم التشريعي رقم “6” لتبرير وتغطية جميع انتهاكات الحكم العسكري، وحوّل الأسد الأب هذا المرسوم إلى “سلاح رهيب لحماية طغيانه”، وبسبب هذا المرسوم قُتل تحت التعذيب المئات من معارضي النظام، ثم صدرت أحكام إدانتهم بعد اغتيالهم، وفقًا للمحامي الهامس.
في عام 1974، وقع المحامي الهامس ورفاقه في “مخالب هذا المرسوم”، بحسب تعبيره، بسبب مطالبتهم بإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، واستنكار زيارة الرئيس الأمريكي حينها، ريتشارد نيكسون، إلى دمشق، وعاشوا تجربة الاعتقال لمدة أربع سنوات بين سجني “المزة” و”تدمر”، وأُطلق على هذا المرسوم “قانون حماية الثورة” التي نصت المادة رقم “1” منه على ما يلي:
“تُحدث في مدينة دمشق وحيثما تدعو الحاجة في المدن الأخرى محكمة عسكرية استثنائية تباشر مهامها فور صدور هذا المرسوم، ولرئيس هذه المحكمة حق عقد جلساتها في أي مكان يراه مناسبًا”.
كما شُكّلت محكمة “أمن الدولة العليا” بموجب المرسوم التشريعي رقم “47” بتاريخ 28 من آذار 1968، لتحل محل “المحكمة العسكرية الاستثنائية” وتمارس نفس الصلاحيات، وتحت عنوان “إحداث محاكم الميدان العسكرية” شُكّلت في آب من نفس العام محكمة “قمعية” جديدة لتصفية العناصر المعارضين لحكم حزب “البعث” في صفوف الجيش.
كما ألغى “الدكتاتور” (الأسد الأب)، بحسب تعبير الهامس، في عام 1973 مجلس القضاء الأعلى، وهو آخر قلاع استقلال السلطة القضائية، كما ألغى “المحكمة الدستورية العليا” بعد شلّ عملها منذ توليه السلطة، وواصل تطبيق المرسوم التشريعي رقم “40” لعام 1966 بشكل مطلق، الأمر الذي ألغى حصانة القضاء وأعدم أبسط قواعد العدالة.
وفي القسم الثاني من الكتاب، ذكر المحامي الهامس السجون والمعتقلات التي شُكّلت بموجب قوانين ومراسيم لا تتلاءم مع حقوق الإنسان، مثل سجن “المزة” العسكري، وسجن “صيدنايا”، وسجن “الشرطة العسكرية”، وسجن “أمن الدولة”، وسجن “سرايا الدفاع” في دمشق، وسجن “تدمر الصحراوي”، وسجن النساء في مدينة الرستن بمحافظة حمص، وسجن “المخابرات العسكرية” في درعا، وعدّد كل السجون في مختلف المدن السورية.
توفي المحامي والكاتب السوري جريس الهامس في 8 من تشرين الثاني الحالي، في هولندا عن عمر ناهز الـ90 عامًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :