خطيب بدلة
يرابط “الإخوان المسلمون” (ومشتقاتهم) على صفحات التواصل الاجتماعي، ويقفون لكل مَن هو علماني، ليبرالي، أو ديمقراطي، بالمرصاد. بمجرد ما يكتب العلماني رأيًا لا يصب في مصلحتهم، يعلقون له، على الفور، بأن هذا الرأي يخدم نظام الأسد!
الإخواني المعتدل يكتب أنك ربما خدمت برأيك النظامَ، ولكن دون قصد، فتقول لنفسك: الله يكثر خيره، نفى عني تهمة العمالة! ولكن الإخواني “الحَرّاقة” لا يوافق على وجود شيء عفوي في الحياة، وسرعان ما يجد لك صلة عمالة، حالية أو سابقة، مع نظام القتل والتعذيب والبراميل والكيماوي.
في تجربتي الشخصية مثال أضربه الآن لتوضيح الفكرة فقط، وهو أنني تعرفت، خلال اشتغالي بالسياسة قبل سنة 2017، على رجل حباب، ومهيوب، ولبق، يزعم أنه متدين لوجه الله تعالى، يعني لا علاقة له بـ”الإخوان”، أو بـ”داعش”، أو بـ”جبهة النصرة”، ولا حتى بـ”جند الأقصى”، ولكنني ضبطته، ضبط اليد، يدافع عن رجل مؤيد لـ”داعش” (الرجل الذي علّق على قيام الدواعش بذبح علويين مدنيين قرب مدينة السلمية بقوله: سلمت اليد التي ذبحت!). هذا الرجل المهيوب، كان ذات مرة يقوم بجولته اليومية على صفحات “فيسبوك”، فعثر على بوست لرجل إخواني يهاجمني فيه، فكتب له تعليقًا ظريفًا هو “أيش تتأمل من خطيب بدلة الذي تربى في مدارس البعث وحافظ الأسد؟”.
لو كان العلمانيون الليبراليون الديمقراطيون المعارضون، وأنا منهم، متربين، فعلًا، في مدارس البعث والمجرم حافظ الأسد، فهذه، والله، مسألة بسيطة، ويمكن اعتبارها من المعطيات الموجودة على الأرض، ولكن الشيء الذي يحز بالنفس، أن يكون حلم حياة “الإخوان المسلمون”، منذ أربعين سنة، هو أن يرضى عنهم نظام البعث الأسدي، ويوارب لهم بابًا صغيرًا ليعبروا منه، وأنا لا أفتري عليهم بالطبع، فبياناتهم، وعهودهم العلنية، في أيام السلم، تؤيد كلامي، ولكن الأمر الذي يملأ الإنسان عجبًا ودهشة هو استعدادهم للتواصل “سرًا” مع النظام الأسدي بعد انطلاق الربيع العربي الذي كانوا يحلمون به، ويتمنون أن يمتد إلى سوريا، ليتخلصوا من النظام الذي يحكم على كل منتسب لجماعتهم بالإعدام، وبأثر رجعي.
أبو الوليد، خالد مشعل، القيادي السابق في حركة “الإخوان المسلمون” الفلسطينية (حماس)، تحدث عن هذا الأمر بشفافية تستحق التقدير عندما قال إنه التقى، في مطلع آذار 2011، قبل أسبوعين من انطلاق الثورة السورية، بقياديين بارزين في جماعة إخوان سوريا، هما علي صدر الدين البيانوني ورياض الشقفة، وقال لهما يا أبا أنس ويا أبا حازم، من حق جماعتكم أن تنتقد الوضع الداخلي السوري، ولكن السياسة الخارجية للنظام السوري ممتازة (استخدم هذا الإخواني العتيد كلمة “ممتازة” بحرفيتها)، فلا تعملوا ما فعله غيركم في بلاد أخرى، حاولوا أن تعملوا مقاربة مختلفة، فوالله، ويشهد الله، كلاهما قال لي: أيدنا في حزامك يا أبو الوليد، افتح لنا حوارًا مع النظام! ويتابع مشعل: وعدت إلى سوريا، ونقلت هذا الشيء للقيادة السورية، ولم يحدث شيء، (يعني أن النظام لم يقبل)، وهكذا يا شباب، توتة توتة، لم تنتهِ الحدوتة.