حمص – عروة المنذر
“منذ بداية الشهر (تشرين الثاني الحالي) أصبح نداء الجوامع على الميت صباحًا كفنجان القهوة الذي يبدأ به أي شخص يومه”، قال مأمون وهو ينظر إلى دكان جاره المغلق آسفًا على حال مدينة حمص في ظل جائحة لا تضبطها الإجراءات الحكومية ولا الوعي الاجتماعي.
توفي جار مأمون متأثرًا بالمرض، بينما تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي التي يتابعها بـ”النعوات”، حسبما قال الرجل الستيني لعنب بلدي.
لم تزد أعداد المصابين بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في حمص، وفقًا لأرقام وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، على ألف وبضع عشرات من حالات الإصابة، بينها أقل من مئة حالة وفاة، إلا أن السكان يعتقدون أن المرض سبّب وفاة أعداد أعلى بكثير.
أغلقت معظم مستشفيات المدينة أبوابها في وجه المرضى، واعتذرت عن عدم استقبال الحالات التي تحتاج إلى العناية والرقابة، ما اضطر المرضى للجوء إلى العيادات الخاصة، ومتابعة علاج أي حالة مرضية في المنزل بإشراف طبيب وممرض، مع دفعهم مئات آلاف الليرات ثمنًا لعلاجات تجريبية لم تثبت فائدتها.
خدمات صحية تعاني الضغط
تعرضت مدينة حمص لتدمير ممنهج خلال سنوات الحرب، ما أفقدها عددًا كبيرًا من المستشفيات الحكومية والخاصة التي هُدمت بشكل كامل، وهذا انعكس على ضعف النظام الصحي في المحافظة بشكل عام، وزاد من صعوبة تأمين سرير في العناية المركزة بالنسبة للمرضى.
وصف طبيب الصدرية في حمص كمال الخالد، لعنب بلدي، حال المستشفيات العامة والخاصة بـ”الشلل التام”، مشيرًا إلى رفض بعضها استقبال مرضى “كورونا”، بعد أن امتلأت الأسرّة فيها.
وأضاف الطبيب أن خروج أكبر مستشفيات المحافظة (المستشفى الوطني) عن الخدمة خلال سنوات الحرب بعد أن تعرض للتدمير بشكل كامل، أفقد المحافظة أكثر من 800 سرير، وعشرة أسرّة للعناية المركزة.
ويضطر كل مستشفى لترك سرير شاغر للحالات “الاستثنائية”، التي تضغط على إدارة المستشفى لاستقبال مريض معيّن، من خلال الأفرع الأمنية أو فرع حزب “البعث”، أو من علاقات الكادر الطبي، وبرأي الخالد فإن مديرية الصحة “عاجزة بشكل كامل أمام حجم الكارثة”.
حلول إسعافية.. الوقاية ليست ضمنها
مع إغلاق المستشفيات أبوابها في وجههم، تحولت غرف العديد من منازل المرضى إلى غرف عزل يستقر بها المصاب بإشراف أحد الأطباء والممرضين، مع إيجاد أهاليهم حلولًا بديلة لتأمين “المنافس” والعلاج “الأخير”.
يضطر أنور، الشاب الذي يعمل بنقل البضائع في مدينة الرستن، للجوء إلى محال صيانة البرادات، أو إلى ورش الحدادة، للحصول على جرات الأوكسجين، التي يحتاج إليها والده المصاب بالفيروس حتى يتنفس.
قدمت شعبة “الهلال الأحمر” جهاز التنفس لعائلة المصاب، الذي لم تستقبله المستشفيات، وتركت مهمة تأمين الأوكسجين لابنه، بحسب ما قاله لعنب بلدي، رافضًا نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية.
ويتراوح سعر جرة الأوكسجين بين 40 و45 ألف ليرة سورية، تكفي المريض مدة 48 ساعة، وتقدمها بعض الصيدليات بشكل مجاني أحيانًا عند تأمينها عن طريق متبرعين من أهل المدينة.
وقال صيدلاني في مدينة تلبيسة لعنب بلدي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن علاقاته مع بعض الأغنياء كانت وسيلته لتأمين جرات الأوكسجين التي يقدمها مجانًا للمرضى، بعد أن تُعبّأ من معمل في مدينة “حسياء” الصناعية.
وعلى الرغم من محاولة تطبيق إجراءات الوقاية من قبل السكان، فإن ازدحام طوابير على أبواب الأفران ومعتمدي توزيع الخبز ومراكز “السورية للتجارة” للحصول على الأرز والسكر، مع ازدحام وسائل النقل العامة والجامعات والمدارس الحكومية، أفقدهم القدرة على ضبط الإجراءات.
تدهور الحالة الصحية لبعض المرضى دفع ذويهم لتجربة كل ما أمكن من وسائل العلاج، بما فيها حقنة يصل سعرها إلى 300 ألف ليرة سورية (108 دولارات)، تقدم أملًا ضعيفًا بالنجاة.
طبيب مشرف على غرف العناية المركزية في أحد المستشفيات الخاصة بالمدينة، قال لعنب بلدي إنه يعرض على ذوي المرضى المقتدرين فرصة تجربة الحقنة على أبنائهم المحتضرين بسبب الفيروس.
استخدم الطبيب (طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية) الحقنة الإيرانية الصنع، المسماة “Remdesivir 100″، لمعالجة 37 مريضًا حتى الآن، لكنها لم تنقذ سوى ثلاثة منهم، ورغم تخيير أهالي المريض قبل استخدام الحقنة ذات النتائج غير المشجعة فإنهم يقبلون بها إن استطاعوا دفع ثمنها.
يحتاج كل مريض عند استخدام الدواء، المركب من مضاد فيروسي، إلى حقنتين يوميًا حتى شفائه، “يُستخدم هذا الدواء بالبروتوكولات العلاجية في أغلب دول العالم، لكن ليس التصنيع الإيراني”، كما قال الطبيب، مشيرًا إلى أن الدواء متوفر في صيدليات محددة فقط في المدينة.
ورغم حالة “الخوف” التي يعانيها سكان حمص من الفيروس، لا يأملون قريبًا بتحسن الأوضاع الصحية، وهم يرقبون أنباء إيجاد اللقاح المناسب للفيروس الذي اجتاح العالم منذ بداية العام الحالي، علّه يوقف جائحة لا يملكون ردها.