علي درويش | حباء شحادة | زينب مصري
حين أحس إبراهيم بقطرات الماء المتساقطة على رأسه كان نائمًا، ولم يكن يميز بين الحلم والحقيقة، قبل أن يدرك فجأة أن ما ينظر إليه هو أبناؤه الذين تهطل عليهم الأمطار عبر سقف خيمته.
مشهد جري إبراهيم درويش وعائلته ليلًا للبحث عن سقف يحميهم من المطر ليس جديدًا على المخيمات السورية، التي تزورها السيول كل عام، دون أن يجد سكانها وداعموها الحل المستدام، لكن مشهد هبوط الجدران الأسمنتية على السكان بعد أولى الزخات المعتدلة لم يكن كذلك.
حلول هشة ومساعدات سريعة التلف، حمل معها الشتاء خطرًا جديدًا لبرك الماء الراكدة، التي ومع ما تسببه من إتلاف الممتلكات وإغراق الخيام بالطين، هي مصدر لأمراض متنوعة، زاد عليها خطر انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في التجمعات السكانية التي تصاعد ازدحامها خلال الأشهر الأخيرة.
وفي حين تزيد المناشدات وطلبات العون على المساعدات المقدمة، اتجه النازحون لتجريب حلول بأنفسهم دون انتظار المانحين، ورصدت عنب بلدي في هذا الملف تجاربهم مع البحث في أسباب تجدد أزمات الشتاء، وفشل حلول البناء، والتقت بممثلي منظمات إنسانية فاعلة لتحديد واقع الحاجات وآفاق التلبية.
أمطار و”جائحة” تحاصر المخيمات
من تمكن من الخروج سريعًا نجا من سقوط الجدران الأسمنتية، التي انهارت في أكثر من 20 غرفة مشيدة في مخيم “غطاء الرحمة”، بريف إدلب الشمالي، الذي يقيم فيه إبراهيم وعائلته، “أغلب العمار سيئ، لو كان هناك تصريف للماء لما دخل الخيام والبيوت، ولما وقعت الغرف السيئة البناء”، قال الشاب لعنب بلدي.
13 مخيمًا تضرر من أولى العواصف المطرية لموسم الشتاء في شمال غربي سوريا، بداية تشرين الثاني الحالي، تبعها 38 مخيمًا في اليوم التالي، وفق تقديرات فريق “منسقو استجابة سوريا“.
وترددت خلال السنوات الخمس الماضية الأصوات المطالبة بالتحرك لمساعدة سكان المخيمات الغارقة في شمال غربي سوريا بفعل السيول، منذ تشرين الثاني عام 2016، بعد أن تضرر 21 مخيمًا وانتشرت السيول التي سببت دمارًا بالملكية وصعوبة في الحركة، إلى كانون الأول عام 2018، الذي هبت خلاله عاصفة شديدة خلّفت أضرارًا في 43 مخيمًا.
أزالت الفيضانات في آذار من عام 2019 الملاجئ، ودمرت البنى التحتية للطرقات ومخازن الطعام مع معاناة 115 مخيمًا من آثار السيول، وفي حزيران الماضي، سببت الأمطار الشديدة سيولًا في 20 مخيمًا، ما سبب مقتل ثلاثة أشخاص ودمار مئات الملاجئ.
وصف مندوب مخيمات كفر دريان ومدير مخيم “الغفران” في ريف إدلب الشمالي، رائد أبو أحمد، الوضع بـ”المأساوي”، قائلًا إن الأمطار التي هطلت على الخيم المهترئة بالأصل أغرقتها، ومنعت وصول صهاريج الماء إلى ستة أو سبعة مخيمات في كفر دريان، ما دفع السكان إلى نقل المياه بواسطة الدلاء.
برأي رائد أبو أحمد فإن فقر السكان ونقص المساعدات المقدمة للمخيم هي السبب، حسبما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن الناس لا يملكون تجهيزات شتوية ولا صحية لمواجهة البرد، “الأطفال ماشية حفيانة، والناس ما معها تاكل”.
ويعتبر النازحون داخليًا من بين الفئات الأكثر عرضة للتأثر بالكوارث المرتبطة بالأحداث الطبيعية، لعدد من الأسباب، حددتها مبادرة “REACH” في تقييمها لعدد المخيمات التي تواجه خطر السيول في العام الحالي.
وأهم أسباب الضرر هو اختيار مواقع المخيمات، التي تُقام غالبًا على أراضٍ خالية ليست ملائمة للسكن، تُركت بسبب انجراف التربة أو الطبيعة الصخرية والوعرة، أو لأنها تقع في مجرى السيول الموسمية.
وتسبب ظروف المعيشة ازدحامًا للنازحين بملاجئ ليست مصممة لمقاومة العوامل الطبيعية، وذلك بالتزامن مع نزوح أكثر من مليون شخص جراء الحملة العسكرية الأخيرة التي استهدفت ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، والتي استمرت من كانون الأول عام 2019 حتى آذار الماضي، ما زاد عدد سكان المخيمات، بنسبة وصلت إلى 35% في قطاع الدانا بريف إدلب الشمالي.
تسريب أو انهيار أو غرق
عند هطول المطر للمرة الأولى في موسم الشتاء الحالي، كان مخيم “الشيخ إدريس” في ريف إدلب الشمالي من أول المخيمات المتضررة، “أغلب الخيام طافت، والغرف كان لها النصيب الأكبر من الضرر مع خلع حيطانها ووقوعها”، كما قال محمود السيد، أحد سكان المخيم لعنب بلدي.
اضطر أغلب السكان للجوء إلى الخيام المتماسكة، ريثما يعثرون على سبل لإعادة تأهيل مساكنهم، “يستدين الناس لإصلاح حيطان الغرف وعزلها”، قال محمود، مشيرًا إلى أن أغلب الخيام قديمة وبحاجة إلى استبدال، وغياب الصرف الصحي مع الفيضان يهدد بالمزيد من الغرق.
إنشاء المخيمات دون تخطيط أو صرف صحي وبنى تحتية، كان العامل الأول الذي أشار إليه منسق قطاع المأوى في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية”، نزار بستاني، في حديث إلى لعنب بلدي، “أنشأ النازحون مستوطناتهم بأيديهم. اختاروا أي منطقة دون مقومات للدراسة الصحيحة وبلا صرف ولا تبحيص، وربما تكون على مصب لماء السيول في الشتاء”.
“يحتاج بناء مخيم مدروس ومخطط له بشكل جيد إلى أسابيع وربما شهور من العمل، وشكلت موجات النزوح المتلاحقة ضغطًا احتاج إلى إجراءات سريعة”، حسبما قال بستاني، مشيرًا إلى أن المنظمة اضطرت لإعادة تقييم أولوياتها وتأجيل ما كانت تخطط له من مخيمات نظامية، والاتجاه إلى توزيع الخيام وتركيبها في توسعات المخيمات، ما ساعد على ظهور العشوائية منها.
وبرأي مدير برنامج التعافي المبكر وسبل الحياة في منظمة “بنيان”، أحمد قطان، فإن الغرق يتبع بداية لطبيعة الأرض المختارة لإقامة المخيم، لأن اختيار الموقع يخضع لشروط متعددة، منها تحديد الارتفاع واحتمالية السيول وتحديد ملكية الأراضي وقربها من المناطق السكنية والعسكرية والأمنية.
ومع وقوع 72% من المخيمات على أراضٍ ذات ملكية خاصة، وفق إحصائيات “OCHA”، فإن إمكانية تجهيز البنى التحتية تخضع لموافقة أصحاب الأرض، إلا أن البناء الأسمنتي لم ينقذ المخيمات بالضرورة من آثار السيول والفيضانات، التي أوقعت عشرات الجدران خلال هطول معتدل.
وقوع جدران الغرف المبنية حديثًا، التي كان من المفترض بها أن تمثل حلًا عازلًا لمشاكل الجو والمناخ، أثار قلق السكان وخشيتهم من سوء البناء.
المنظمات التي روجت لفكرة بناء الكتل الأسمنتية في العام الحالي ليست من يتسلم البناء والتنفيذ، حسبما قال مسؤولون في المنظمات لعنب بلدي، إذ إن الأسلوب المتبع هو طرح تخطيط ومناقصة يتقدم لتنفيذها المتعهدون، الذين تنتقي منهم المنظمات الخيار الأنسب وفق العروض.
وفي حين لا يكون التخطيط مدروسًا من قبل مختصين، حسب رأي مدير مجموعة “هذه حياتي” التطوعية في إدلب، المهندس المعماري سارية بيطار، فإن الكتل تهتم بالشكل الخارجي دون الاعتناء بالبنى التحتية الملائمة من تدعيم الأسس وشبكات الصرف والكهرباء والماء النظيف. “من يوزعون السلال الغذائية غالبًا هم من يقومون بالتخطيط والتنفيذ”، قال المهندس.
وأضاف المهندس بيطار لعنب بلدي أن المتعهدين الذين يتسلمون المشاريع للتنفيذ يسعون للربح والتوفير غالبًا، “وهذا ما يقود إلى الفساد”، عن طريق التوفير بالمواد الأساسية التي تقاوم عوامل الجو وتضمن متانة البناء.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، أوضح مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، المهندس محمد حلاج، أن السبب الأول للانهيار الذي حصل في عدد من الكتل الأسمنتية، كما حصل في مخيم “ترملا“، هو هطولات مطرية زادت الحمل على الشوادر المنصوبة فوق الكتل السكنية، كما تسبب عدم وجود جدران حاملة وهبوب الرياح التي تضغط بدورها على هذه الكتل بانهيارها.
وكان من الممكن تجنب هذه “الكارثة” في حال وجود هيكل معدني (جملون معدني)، يوضع الشادر فوقه بشكل مائل، وإضافة بعض التصاميم كعتبات للجدران، وإجراء كشوف “بيتون مسلح” على أطراف الأبواب، ويفضل وجود عتبات أسمنتية على الأقل قادرة على امتصاص صدمات كهذه، بحسب حلاج.
واعتبر حلاج أن الفساد واضح ضمن هذا المشروع من جميع النواحي، وأبرز ناحية هي اختيار نوعية مواد البناء المستخدمة في مخيمات كهذه، وعزا ذلك إلى غياب المخابر التي من مهامها الكشف على نوع المواد التي تدخل في إنشاء كتل كهذه.
وأضاف حلاج أن من الملاحظ وجود خلل في بناء الجدران، إذ كان من المفترض وجود نسبة تراكب بـ”البلوك” تقدر بين 40% و60%، وبحسب الصور التي اطلع عليها حلاج، نفى وجود هذا التراكب.
وعلى الرغم من تأكيد المنظمات أن عملية التخطيط وتوظيف المتعهدين للبناء تشمل متابعة الالتزام بالمعايير المحددة وضمان التنفيذ السليم، فإنه لا توجد رقابة من جهة خارجية تتابع سلامة البناء وتراجع المخططات الهندسية، في حين اكتفت حكومة “الإنقاذ” برفع أسعار الأسمنت في إدلب أكثر من 20 دولارًا للطن في تشرين الأول الماضي، تزامنًا مع حاجة سكان المخيمات إلى تدعيم غرفهم وإصلاحها.
دعم لا يقاوم التلف
خلال ذهابها وإيابها عبر معبر “باب الهوى” الحدودي، وسعت شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من مساحة المعبر وزادت من عدد المساعدات التي تنقلها إلى شمال غربي سوريا دون توقف، منذ تبني القرار رقم “2533” من مجلس الأمن بخصوص إيصال المساعدات عبر الحدود إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
لكن تزايد المساعدات لم يعنِ كفاية المحتاجين، الذين بلغ عددهم 2.8 مليون شخص من أصل 4.1 مليون يقيمون في المنطقة، فبعد المصاعب اللوجستية التي واجهتها القوافل الإغاثية نتيجة تحويل مسارها من “باب السلامة” الذي أُغلق في وجهها بجهود روسية، في تموز الماضي، فرضت جائحة “كورونا” نفسها كمشكلة كبرى عاقت الحركة واحتاجت إلى التركيز، وحالت دون تقديم أنواع أساسية أخرى من المساعدات إلى المحتاجين في وقتها المناسب.
ووفقًا للتقرير المقدم إلى مجلس الأمن من قبل وكالة تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، في 14 من تشرين الأول الماضي، فإن الاتفاقات حول الإجراءات البيروقراطية التي تفرضها السلطات الحاكمة تم التوصل إليها في منطقة الشمال الغربي، دون إيجاد حل مماثل في الشمال الشرقي.
تمكنت وكالات الأمم المتحدة من تقديم المساعدات في الحسكة وبعض أجزاء الرقة، الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، إلا أن العوائق الأمنية حالت دون الوصول إلى منبج وعين العرب بسبب الخلافات بين الحكومة السورية والأطراف المسيطرة على المدينتين، “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.
وسببت عراقيل الموافقات الحكومية تأخير إيصال المساعدات، التي لم تلبِّ، بعد إغلاق معبر “اليعربية” الحدودي مع العراق بداية العام الحالي بوجه القافلات الإغاثية، سوى 36% من متطلبات المنشآت الطبية التي كانت تصل إليها المساعدات عبر الحدود.
ورغم وجودهم قرب القاعدة الأمريكية في التنف، فإن أكثر من 12 ألف شخص ما زالوا تحت رحمة الموافقات الحكومية للنظام السوري وحليفته روسيا داخل مخيم “الركبان”، على الحدود الأردنية، الذي كانت آخر قافلة تدخله محملة بالمساعدات في أيلول من عام 2019.
كما خضع إيصال المساعدات إلى مناطق الغوطة في ريف دمشق وإلى المحافظات الجنوبية للمشاكل الإدارية والعوائق الأمنية، حسبما ذكر التقرير، الذي أشار إلى أن استقرار الليرة السورية في الأشهر الأخيرة مقارنة مع حالها بداية العام الحالي لم يؤدِّ إلى انخفاض التكاليف المعيشية في سوريا، مع بقاء سعر السلة الغذائية أكثر بـ22 ضعفًا عن سعرها قبل عام 2011.
وأوضح تقرير “قطاع المأوى”، الصادر في تشرين الأول الماضي عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن المساعدات الشتوية لا تتضمن الملاجئ وعدة النظافة والطبخ لأنها تقع ضمن فئة أخرى، ولكنها تتضمن توزيع الوقود والغاز، والأغطية البلاستيكية، ورفع وعزل الخيام والملاجئ الطارئة، وتوزيع الأغطية الحرارية والملابس الشتوية.
ولا تستهدف تلك المساعدات سوى الفئات الأكثر ضعفًا، مثل العائلات التي تعيلها النساء والأطفال وذوو الإعاقة وكبار السن، والتي يزيد عدد الأطفال فيها على خمسة، والعائلات التي لا تملك معيلًا أو التي تضم امرأة حاملًا أو مرضعًا، لكنها تستبعد كل العائلات التي يزيد دخل أفرادها على 20 دولارًا أمريكيًا للفرد.
وحدد القطاع أهم مشاكل الشتاء بالخيام غير الملائمة في شمال غربي سوريا، والازدحام في الشمال الشرقي، الذي يصل عدد المقيمين بالمخيمات فيه إلى 88 ألفًا، 65 ألفًا منهم في مخيم “الهول”، والسكن غير المناسب في ريف دمشق، مع معاناة السكان في جميع أنحاء البلاد من صعوبة تأمين الوقود ووسائل التدفئة في العام الحالي.
وأوضح منسق قطاع المأوى في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية”، نزار بستاني، أن العوازل الشتوية التي توفرها المساعدات لا تزيد صلاحيتها على عام بسبب التقلبات الجوية صيفًا وشتاء، إلا إذا تعرضت لشق يجعلها منتهية الصلاحية.
تبديل الخيام المهترئة، وعزل أسقف وأرضية الخيم، وفرش الطرقات، وتأمين وسائل التدفئة، كان من أبرز ما احتاج إليه المدنيون، حسبما رصدت عنب بلدي.
وقال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، لعنب بلدي، إن الدعم الإغاثي يتغير بشكل “سلبي”، ونسبة الاستجابة الإنسانية في المخيمات تنخفض بشكل متواتر، والسنة الحالية ستكون الاستجابة الشتوية “أقل من السنوات السابقة”، لأن قسمًا كبيرًا منها مخصص لمكافحة جائحة “كورونا”.
وتحتاج المخيمات إلى “أولويات الحاجات الإنسانية”، وهي التغلب على إشكاليات العواصف المطرية، كتركيب العوازل المطرية والأرضية، وتعبيد الطرقات.
مبادرات فردية لمواجهة الشتاء
بعد شهور من انتظار مساعدات لم تتلقَّ نسبة كبيرة من المحتاجين إليها سوى الوعود، بادر أفراد من سكان المخيمات لإيجاد حلول تمنع غرق خيامهم.
خندق لمنع الغرق
عاشت رجاء إسماعيل (50 عامًا) مع ابنيها وضعًا “سيئًا” بعد أن حاصرت مياه الأمطار خيمتهم من جميع الجهات في مخيم “الرمضون” على أطراف قرية كفر عروق شمال غربي مدينة إدلب، فبعد الهطول عمل ابناها على تجفيف البركة التي تشكلت من الأمطار أمام خيمتهم بإزالة المياه بـ”أوعية الطبخ”.
لكن رجاء، ولمنع دخول المياه إلى خيمتها، حفرت خندقًا حول الخيمة، ووضعت حجارة صغيرة أمامها لتشكل رصيفًا، واشترت شادرًا مستعملًا بقيمة 25 ألف ليرة سورية (نحو 9 تسعة دولارات)، ووضعته فوق الخيمة، لتمنع تسرب المياه إليها.
بينما لم يجهز محمود السيد (40 عامًا)، من سكان مخيم “الشيخ إدريس” خيمته استعدادًا لفصل الشتاء، لكنه عمل مع شبان آخرين من المخيم على حفر خندق فيه لاستدراج مياه الأمطار خارجه.
وقال محمود لعنب بلدي، إن المنظمات لم تستجب للمخيم لحظة سقوط الأمطار، وذلك لأن الخيم مبنية من “البلوك”، وأسطحها مغطاة بالشوادر.
وبعد وصول المياه إلى جميع الخيم، كسّر محمود مع الشبان الآخرين أرضية خيمة لنازح في المخيم، وفتحوا خندقًا على أرض زراعية كحل مؤقت، وخصوصًا بعد اختلاط مياه الأمطار مع مياه الحفر الفنية.
وأضاف محمود أن سكان المخيم يناشدون المنظمات منذ شهر رمضان الماضي لحفر تمديدات صرف صحي للمخيم، لكن “دون جدوى”.
“تبحيص” للأرضيات وبناء بالطين
اختار خالد العبد الله، من سكان مخيم “فقراء لله” على أطراف قرية حربنوش غربي مدينة إدلب، “تبحيص” أرض خيمته بالبحص الأسود، الذي نقله من سكة القطار إلى أرض المخيم، على أمل أن يؤدي البحص إلى رفع سوية الخيمة ومنع تشكل الطين بعد هطول المطر.
“نقص الاستجابة الإغاثية” كان أيضًا ما دفع خالد للتحرك، حسبما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى استخدامه عربات نقل صغيرة وعربات الجرارات الزراعية لنقل البحص مع سكان آخرين في مخيمه.
افتكار الحوران، قررت بعد تسعة أشهر من النزوح في إدلب أن تبني بيدها، بمعونة أبنائها الصغار، مستخدمة الطين والحجارة.
واعتبرت افتكار، التي روت قصتها لعنب بلدي، أن العمل الشاق في البناء جعلها أكثر استعدادًا لمواجهة الشتاء، ورغم نقص خبرتها ببناء البيوت واعتمادها على الطين والقش لتثبيت جدران منزلها الجديد، فإن بناءها كان ثابتًا وهي تملك الآن غرفة ومطبخًا على الأرض التي أقامت عليها.
تدفئة لا ترقب الأسعار
تخبُّط أسعار المحروقات في شمال غربي سوريا مع حركة صعود وهبوط قيمة الليرة التركية، التي ارتفعت بشكل متزايد خلال شهرين قبل أن تعاود الانخفاض بداية تشرين الثاني الحالي، جعل وقود التدفئة خيارًا مستبعدًا أمام سكان المخيمات الذين لا يستطيعون تأمينه، ولا يحصلون عليه بما يكفي من المنظمات الإغاثية.
أساليب متنوعة للتدفئة اعتمد عليها سكان شمال غربي سوريا، تركزت حول حرق كل ما يمكن الاستغناء عنه، من تحضير أقراص “الجلة” (روث الحيوانات المخلوط مع التبن)، وجمع أغصان وشجيرات الزعتر اليابسة، وشراء الأحذية القديمة أو الفحم الرخيص أو مخلفات الزيتون (البيرين) أو قشور الفستق.
وتبلغ تكلفة طن “البيرين”، وفق تقدير محمود السيد في مخيم “الشيخ إدريس”، 100 دولار، وسعر طن الحطب 150 دولارًا، وهو ما لا يقدر النازحون على تحمله، مع اختيار بعضهم جمع مخلفات النايلون وحرقها، رغم الخطورة الصحية من دخانها، على انتظار المعونة.
كيف يمكن مواجهة الشتاء في المخيمات
الاضطرار للسكن في خيمة رقيقة، أو في غرفة أسمنتية بسقف بلاستيكي، لا يحمل فرقًا كبيرًا عن الحياة في العراء، مع بقاء النازحين عرضة لتقلبات الجو ومشاكله، إلا أن الشتاء لا يعني البرد والبلل والمرض بالضرورة، في حال تطبيق بعض التعليمات التي نصحت بها المواقع المختصة بالتخييم في الطبيعة مع تحدي الظروف الجوية الماطرة.
لا للبلل
اختيار الموقع المناسب هو الخطوة الأولى لضمان الجفاف، فالابتعاد عن مجرى السيول وإقامة الخيمة على المرتفعات مع الانتباه إلى طبيعة التربة ومدى امتصاصها للماء والحذر من احتمال انجرافها، يقي من الوقوع وسط برك الماء الطيني.
– ارتداء الطبقات وتجنب القطن: ارتداء اللباس المناسب، الذي يتكون من طبقات عدة، يحافظ على الدفء أكثر من ارتداء طبقة سميكة فقط، كما أن الابتعاد عن الألبسة القطنية شتاء يُنصح به للحفاظ على الجفاف، لأن القماش القطني يبقى رطبًا في حال تعرض للبلل عند التعرق أو هطول المطر، وبالتالي يمنح إحساسًا مستمرًا بالبرودة، لذا تمثل الملابس المصنوعة من الصوف أو “البوليستر” أو النايلون الخيار الأفضل.
– إبقاء الخيمة جافة ما أمكن: استخدام القماش المقاوم للماء وفرشه على أرض الخيمة، ورفعها عن مستوى الأرض، واستخدام شادر إضافي ونصبه فوق سقف الخيمة باستخدام أعمدة، يسمح بمقاومة الخيمة أسوأ الزخات.
– أرجوحة للنوم: أفضل وسيلة لضمان جفاف الأطفال هي رفعهم عن الأرض، وبالإمكان فعل ذلك بنصب أرجوحة للنوم وتثبيتها بعمود الخيمة بشكل مناسب لضمان ألا تقع.
– لا ملابس رطبة: علّق الثياب الرطبة لتجف داخل الخيمة ولا تتركها مبتلة إن استطعت، وحاول الحفاظ على دفء الملابس قبل ارتدائها أيضًا.
– استخدام الأكياس البلاستيكية: الأكياس البلاستيكية تمثل عازلًا جيدًا ضد الماء، وتسمح بالحفاظ على جفاف الأمتعة والطعام والملابس، وجفاف الحطب أو مؤونة الوقود المتوفرة، حتى يسهل إشعال النار بها للتدفئة.
– استخدام الورق: بإمكان الورق امتصاص الرطوبة الزائدة، ويمكن استخدامه في الأحذية المبتلة ليسرع جفافها، لأن دفء القدمين أساسي للحفاظ على الدوران الجيد للدماء في الجسم.
كافح المرض بأسلوب الحياة
ترتبط فترة الشتاء بالخمول والكسل، وتكثر خلالها الرغبة بتناول السكريات والدهون التي تحمل آثارًا صحية سلبية على الجسم، الذي يحتاج إلى النشاط والطعام المتوازن ليقاوم الأمراض الموسمية.
– تجنب السكر: اختر الطعام الغني بالبروتين والقليل بالدهون، وحافظ على وجبة الإفطار لتتزود بالطاقة اللازمة خلال النهار.
– أكثر من “أوميغا 3”: الحمض الدهني الموجود في الأسماك والمكسرات وأنواع البذور، مثل عباد الشمس واليقطين، يقلل من آلام المفاصل التي تزداد مع البرد، ويخفف من الاكتئاب الذي يصاحب الشتاء.
– الفطر والتفاح والبهارات لزيادة المناعة: يحمي كل من الفطر والتفاح والبهارات مثل البصل والثوم والزنجيبل والكزبرة والكركم من الإصابة بالأمراض، مع ما تحتويه من مضادات حيوية بشكل طبيعي.
– غسل اليدين باستمرار: تكثر الإصابة بالأمراض الموسمية خلال الشتاء، وإن وسيلة الوقاية المثلى هي بالحفاظ على النظافة والانتباه لما تلمسه وغسل يديك بالماء والصابون باستمرار لمدة 20 ثانية على الأقل.
– النوم الكافي: يحتاج الجسم بشكل طبيعي إلى النوم لفترات أطول خلال فصل الشتاء، وإن نقص النوم يحمل آثارًا سلبية على الطاقة والجسم، لذا من الضروري أن تحصل على القسط الكافي من الراحة.
حارب الاكتئاب
نقص أشعة الشمس خلال أشهر الشتاء يقود الجسم للإحساس بالاكتئاب، ويزيد من التوتر، الذي يتحول إلى شعور بالجهد والضغط المستمر.
– ممارسة الرياضة: ممارسة الرياضة بشكل مستمر يمنح الحيوية والطاقة اللازمة لمحاربة البرد، وتزيد من هرمونات السعادة اللازمة لمكافحة أحاسيس الاكتئاب.
– استخدم تمارين الاسترخاء: التنفس العميق يحمي من التوتر ويزيل مشاعر الغضب والتعب، لأنه يسمح للجسم بالاسترخاء والراحة.
– لا تتوقف عن المشي: الاستمرار بالمشي ولو لمسافات بسيطة يسمح بإبعاد الكسل عن الجسم ويريح الأعصاب.