ناقش “مجلس الشعب” السوري في دمشق، الخميس 19 من تشرين الثاني، أداء وزارة العدل التابعة لحكومة النظام السوري والقضايا المتصلة بعملها، وذلك خلال جلسته الـ18 من الدورة العادية الأولى للدور التشريعي الثالث المنعقدة برئاسة حموده صباغ، رئيس المجلس.
وقال وزير العدل في حكومة النظام، أحمد السيد، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن “مكافحة الفساد لن تنتظر الانتهاء من تطوير القوانين” لأن القوانين النافذة حاليًا إلى جانب العلوم القانونية “قادرة على مكافحة الفساد”، مبينًا أهمية التعاون الوثيق مع السلطة التشريعية لتجسيد قواعد العدالة القضائية بأقل التكاليف.
كما وضع بصفته نائبًا لرئيس مجلس القضاء الأعلى في سوريا التشكيلات القضائية من “المميزين من القضاة” للتأكيد على “استقلال القضاء وفصل السلطات وعدم التدخل بالقضاء”، وفقًا لـ”سانا”.
“افتراس” للسلطة القضائية
حرصت معظم الدساتير على ذكر مبدأ “الفصل بين السلطات”، فطبيعة القضاء تستلزم أن يكون مستقلًا، والأصل فيه أن يكون كذلك، وكل تدخل في عمل القضاء من جانب أي سلطة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، يُخل بميزان العدل ويهدم دعائم الحكم.
ومن بديهيات المنطق الدستوري أن ينص دستور الدولة على هذا المبدأ، خاصة أن الدستور وحده هو الكفيل بتحقيق عدم تدخل أي سلطة في أعمال الأخرى، وينطلق هذا المبدأ من فكرة تشعب وتعدد وظائف الدولة، ومنع التعسف أو التجاوز بالسلطة وحماية حقوق الإنسان.
لكن “من المثير للكآبة” تصريحات وزير العدل في حكومة النظام حول استقلال القضاء، بحسب ما عبر عنه المحامي السوري ورئيس “تجمع المحامين السويين”، غزوان قرنفل، في حديث إلى عنب بلدي، لأن أهم ما يؤكد ويعزز مبدأ استقلال القضاء وجود مبدأ “الفصل بين السلطات” في الدستور الذي يعتبر غير منصوص عليه في الدستور المعمول به الصادر عام 2012.
وعندما يكون رئيس الجمهورية الذي هو رأس السلطة التنفيذية رئيسًا في الوقت نفسه للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يعتبر رأس الهرم القضائي، فلا مجال لتطبيق هذا المبدأ، ولا مجال بالنتيجة للتأكيد على استقلال القضاء من قبل وزير العدل، بحسب قرنفل.
وبموجب المادة رقم “133” من الدستور السوري لعام 2012، “يرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه”.
ووفقًا لنصوص الدستور نفسه، يعتبر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ورئيس السلطة التنفيذية، ورئيس السلطة القضائية باعتباره رئيس المجلس القضاء الأعلى، الذي يخوله حتى التشريع.
وعندما يكون وزير العدل، الذي هو أحد أعضاء السلطة التنفيذية، نائبًا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، وعندما يسمي وزير العدل معظم أعضاء المجلس يصبح استقلال القضاء “نكته سمجة”، وعمليًا السلطة التنفيذية “افترست” السلطة القضائية منذ الستينيات، بحسب تعبير قرنفل.
ويتبع المحامون العامون في المحافظات السورية إداريًا لوزير العدل التابع للسلطة التنفيذية، وهم المعنيون باقتراح التشكيلات القضائية وتنقلات القضاة، وبتلك التبعية لن يجرؤوا على مخالفة أوامر وتعليمات الوزير، وفق قرنفل.
ويلزم مبدأ “الفصل بين السلطات” تطبيق الفصل بين وظائف السلطة بشكل متوازن، وهو فصل مع التعاون بين السلطات، يكون مرنًا نسبيًا وليس مطلقًا.
اختصاص مجلس القضاء الأعلى
حدد قانون “السلطة القضائية” الحالي لعام 1961 وتعديلاته (بالقانون رقم”64″ الصادر عام 2006) في مواده (67، 72، 73، 74، 75، 76) الاختصاصات التي يمارسها مجلس القضاء الأعلى، ومن أبرزها:
1- إعطاء القرار بتعيين القضاة وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم بناء على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى أو ثلاثة من أعضائه، وتنص الفقرة الأخيرة من المادة رقم “51” من القانون على أن “القرارات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى بشأن التعيين والترقية والنقل والندب والتأديب مبرمة لا تخضع للطعن أمام هيئة أخرى”.
2- إحالة القضاة إلى التقاعد بموجب نص المادة رقم “101/أ” من القانون.
3- الإشراف على استقلال القضاء عن أي تأثير خارجي، وهو المبدأ المنصوص عليه في الدستور بموجب المادة رقم “132” منه.
4- اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء وبحصانة القضاة وأصول تعيينهم وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وتحديد أقدميتهم.
5- إعطاء القرار بتعيين حاملي إجازات الحقوق في إحدى الوظائف القضائية مباشرة، وهذا ما نصت عليه المادة رقم “72”، “يجوز لمجلس القضاء الأعلى أن يقرر التعيين في إحدى الوظائف القضائية مباشرة من حاملي إجازات الحقوق”.
وعلّق المحامي السوري عارف الشعال عبر صفحته في “فيس بوك” على تصريحات وزير العدل، معتبرًا أن امتداد نفوذ الوزير لهذا المجلس له أثر سلبي منذ عام 1966، أدى إلى خشية القضاة من شخص الوزير نفسه لدرجة الخوف منه، بينما يفترض بالقاضي أن يهاب المجلس مجتمعًا.
ولا يمكن الحديث عن استقلال للقضاء في سوريا، بحسب المحامي الشعال، إلا بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بحيث يتألف من أقدم القضاة حصرًا، ويمكن للوزير أن يكون عضوًا مراقبًا فيه لا يحق له ترؤسه أو التصويت فيه، ولا يحضر جلساته التأديبية.
وعدم تطبيق مبدأ “الفصل بين السلطات” يؤدي إلى تصفية الحريات وسوء إدارة الدولة، وفقدان الرقابة والنقد.
–