يؤكد ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته أن ممارسة التسامح هي أحد المبادئ التي يجب تطبيقها لبلوغ الغايات التي تنشدها الأمم المتحدة في سبيل منع نشوب الحروب والنزاعات وصون السلم.
ويعتبر نشر التسامح من أبرز مقاصد الأمم المتحدة، من خلال تحقيق التعاون الدولي في حل المشاكل الدولية التي تتسم بطابع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو إنساني، وفي تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز على أساس العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وتلتزم الأمم المتحدة بتدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، وتكمن ضرورة هذا الالتزام في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كذلك، وهي أكثر أهمية في الوقت الحاضر من أي وقت مضى، خصوصًا في هذه الفترة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتجاهل الحياة الإنسانية، وفق تقرير نشرته الأمم المتحدة.
وفي عام 1996، دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال بـ”اليوم الدولي للتسامح” في 16 من تشرين الثاني من كل عام، من خلال أنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور، بموجب القرار رقم “51/95“، المؤرخ في 12 من كانون الأول.
وجاء ذلك الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في عام 1993 أن 1995 هو عام الأمم المتحدة للتسامح، وفي المؤتمر العام لـ”يونسكو”، في 16 من تشرين الثاني 1995، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ بشأن التسامح وخطة عمل خاصة به.
جائزة “يونسكو” لتعزيز التسامح واللاعنف
أُنشئت هذه الجائزة في عام 1995 بمناسبة الاحتفال بعام الأمم المتحدة للتسامح، وبذكرى مرور 125 عامًا على ميلاد السياسي الهندي البارز المهاتما غاندي.
وفي ذلك العام كذلك، اعتمدت الدول الأعضاء في “يونسكو” إعلان المبادئ بشأن التسامح، وقد اُستلهم إنشاء الجائزة من المثل العليا الواردة في الميثاق التأسيسي لـ”يونسكو” الذي ينص على أن “من المحتم أن يقوم السلام على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر”.
وتُمنح الجائزة كل سنتين خلال احتفال رسمي بمناسبة اليوم الدولي للتسامح (16 من تشرين الثاني)، بوصفها مكافأة لشخصيات أو مؤسسات أو منظمات امتازت بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص، على مدار عدة سنوات، تُسهم في تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف.
تنص المادة رقم “1/1” من إعلان المبادئ بشأن التسامح على أن “التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، إنه الوئام في سياق الاختلاف. وهو ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضًا. والتسامح، وهو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب”. |
كيف يمكن مواجهة التعصب
بحسب إعلان مبادئ التسامح الخاص بالأمم المتحدة، فإن مواجهة التعصب تستدعي عدة نقاط أساسية، هي:
1- مكافحة التعصب تستدعي قانونًا، لأن كل حكومة مسؤولة عن إنفاذ قوانين حقوق الإنسان وعن حظر جرائم الحقد والتمييز بحق الأقليات ومعاقبتها، سواء ارتكبت على يد مسؤولين في الدولة أو منظمات خاصة أو أفراد.
كما يجب على الدولة أن تضمن تساوي الجميع في الاحتكام إلى القضاء ومفوضي حقوق الإنسان أو أمناء المظالم، لتفادي قيام الأفراد بإحقاق العدالة بأنفسهم واللجوء إلى العنف لتسوية خلافاتهم.
2- مكافحة التعصب تستدعي التعليم، لأن القوانين ضرورية لكنها ليست كافية لمواجهة التعصب في المواقف الفردية، فغالبًا ما يكون التعصب متجذرًا في الجهل والخوف، الخوف من المجهول، ومن الآخر، ومن الثقافات والأمم والديانات الأخرى.
كما يرتبط التعصب ارتباطًا وثيقًا، بحسب الأمم المتحدة، بشعور مفرط بالثقة بالنفس والغرور، سواء كان شخصيًا أو وطنيًا أو دينيًا، وهي مفاهيم تدرس وتعلم في سن مبكرة، لذلك، لا بد من التشديد أكثر من قبل المراكز التعليمية على توفير المزيد من التعليم الأفضل وعلى بذل جهود إضافية لتعليم الأطفال التسامح وحقوق الإنسان وسبل العيش المشترك. ويجب تشجيع الأطفال، سواء في المنزل أم في المدرسة، على التمتع بالانفتاح والفضول.
3- مكافحة التعصب تستدعي النفاذ إلى المعلومات، لأن التعصب يصبح خطيرًا عندما يتم استغلاله لتحقيق الطموحات السياسية والأطماع بالأرض من قبل أحد الأفراد أو مجموعات معينة.
وغالبًا ما يبدأ المحرضون على الكراهية بتحديد عتبة التسامح لدى العامة، وفق ما ذكرته الأمم المتحدة، ثم يطورون حججًا واهية ويتلاعبون بالإحصائيات وبالرأي العام من خلال نشر معلومات مغلوطة وأحكام مسبقة، ولعل الوسيلة الأنجع للحد من نفوذ هؤلاء المحرضين تكمن في تطوير سياسات تولد حرية الصحافة وتعددها وتعززها من أجل السماح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء.
–