الموازنة العامة للدولة الآثار الاقتصادية لتمويل العجز
جريدة عنب بلدي – العدد 38 – الاحد – 11-11-2012
ذكرنا في العدد السابق أن توجهات الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013 يعكس مدى تغير أولويات الحكومة، من خلال التركيز على الإنفاق العام الجاري الذي تجاوزت نسبته 80% من إجمالي اعتمادات الموازنة على حساب الإنفاق الاستثماري الذي لم تصل نسبته إلى 20%من الإجمالي. وبيّنا أيضًا أن هذا التوجه يعكس اهتمام الحكومة ببقائها الحالي وبقاء النظام معها ولم يعد هدفها المستقبل والبناء له.
في هذا العدد سنتابع الحديث عن تمويل عجز الموازنة العامة والآثار الاقتصادية المترتبة على طريقة وسياسة تمويل العجز. فقد صرح وزير المالية محمد جليلاتي – وكما توقعنا في العدد السابق- أن الطرق المحتملة لتمويل العجز تتلخص إبتداءًا بالخيار الأسهل والأكثر ضررًا على الاقتصاد والمجتمع ويتمثل بطباعة العملة الورقية، والخيار الثاني يتمثل في الاقتراض الداخلي من خلال إصدار سندات الخزينة، أما الخيار الثالث والأخير فهو اللجوء إلى الاقتراض من الخارج لاسيما الاقتراض من «الشريك» الروسي أو «الصديق» الصيني.
وقد تقوم الحكومة بالاعتماد على طريقة واحدة فقط من هذه الطرق لتمويل العجز أو أنها ستلجأ إلى مزيج من الطرق الثلاث بنسب متفاوته تتعلق بمقدرة الحكومة في الحصول على التمويل، ويبدو أن هذا الخيار هو الذي سيتم اعتماده.
فإذا ما قررت الحكومة اللجوء إلى الاقتراض الداخلي – وهو الخيار الأفضل لتمويل العجز وهو المعتمد في كثر من الدول المتقدمة وغيرها بشرط ألا تتجاوز نسبة الدين الداخلي 60% من الناتج المحلي الإجمالي- لكن، هل هذا الخيار ممكن ومتاح أمام الحكومة؟ المستثمر دائمًا يبحث عن الربح ويعتمد على عنصر المخاطرة أيضًا في اتخاذ قرار الاستثمار. ففي وضع بلد غير مستقر ومع نظام يخوض حربًا ضد شعبه، فإن ذلك لن يشجع أحدًا على الاكتتاب في هكذا سندات، خاصةً مع إيمان معظم السوريين بأن هذه الأموال تستخدم في قتلهم وأن مصير النظام إلى السقوط مما يعني استثمارًا خاسرًا ومخاطرةً عاليةً.
الخيار الثاني – وهو خيار مرجح- هو قيام الحكومة بالاقتراض من المصرف المركزي عن طريق الإصدار النقدي أو طباعة النقود كما كانت الحكومات السابقة المتعاقبة تفعل في كثير من الأحيان على مدى عقود. وتكمن المخاطر والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك بزيادة في الكتلة النقدية للعرض النقدي غير متكافئة مع الزيادة في عرض السلع والمنتجات والخدمات، ونصبح بذلك أمام حالة «نقود كثيرة تطارد سلعًا قليلة» مما يحدث ويسبب مزيدًا من الارتفاع في الأسعار، ومزيدًا من التدهور في القوى الشرائية لليرة السورية التي خسرت أكثر من نصف قيمتها منذ بدء الثورة في 15 مارس 2011.
أمّا الملاذ الأخير للنظام والحكومة فهو رهن البلد بيد روسيا والصين لمزيد من التحكم في مصير الاقتصاد السوري عن طريق الاستدانة من هذه الدول. فمخاطر الاستدانة الخارجية هنا مقارنة بالاقتراض من المصرف المركزي لاتتمثل بالآثار التضخمية وإنما في البُعد السياسي وما يترتب على المال السياسي من تبعات مستقبلية، خاصةً في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ سوريا.
لذلك يتوجب هنا على أطياف المعارضة جميعها تذكير كل من الصين وروسيا وأي دولة أخرى: أن أي قروض ممنوحة للنظام تعتبر في حكم الديون المعدومة غير القابلة للاسترجاع لأنها تستخدم في قتل الشعب السوري وتدمير بلدها لا من أجل تحقيق تنمية اقتصادية تدفع القروض من خلال عوائد التنمية وثمارها، وأن الشعب بعد انتصار ثورته وأن النظام الجديد بعد إسقاط نظام الأسد لن يعترف بأي قروض منحت لنظام الأسد لقتل شعبه ولن يسدد هذه القروض.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :