عنب بلدي – علي درويش
شهدت محافظة إدلب شمال غربي سوريا عدة تطورات تتعلق بمستقبل المنطقة وعلاقة الحليفين الضامنين للنظام والمعارضة، الروس والأتراك، التي أنذرت بوجود خلاف بين البلدين حول آلية تطبيق الاتفاقيات في سوريا.
التصعيد الأخير عبر قصف قوات النظام وروسيا مناطق سيطرة المعارضة، وخاصة منازل المدنيين موقعًا ضحايا بينهم، سبقه سحب الأتراك نقطة المراقبة في مورك وأجزاء من نقطة شير مغار شمالي، وتسيير دوريات منفردة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية (M4) من قبل الأتراك.
وغاب الروس عن تسيير ثلاث دوريات متتالية في 15 من أيلول و1 و8 من تشرين الأول الماضيين.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، رجح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، انسحاب الأتراك من نقاط المراقبة الأربع الموجودة في مناطق سيطرة النظام ضمن جدول زمني.
واعتبر السفير الروسي ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر يفيموف، في حديث لصحيفة “الوطن” المحلية، في 9 من تشرين الثاني الحالي، أن سحب الجيش التركي نقاط مراقبته من مناطق سيطرة النظام أحد بنود اتفاق “موسكو” الموقّع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 5 من آذار الماضي.
واستهدف صاروخ “أرض- أرض” مصدره قوات النظام الأطراف الغربية من مدينة إدلب، الجمعة الماضي، تبعته خمس غارات بالطيران الروسي- السوري.
كما قُتل نتيجة القصف على أريحا منذ 27 من تشرين الأول الماضي تسعة مدنيين بينهم طفلان، وجُرح 16 آخرون بينهم خمس نساء وطفلان، كما استهدف القصف الأهالي في المناطق الزراعية خلال قطف الزيتون، وقُتل وجُرح نتيجته مدنيون، حسب “الدفاع المدني السوري”.
قصف المدنيين ضغط على الأتراك ومرتبط بعوامل
قال رئيس دائرة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، في حديث إلى عنب بلدي، إنه بات من الواضح وجود خلاف على أرضية كانت مشتركة بين الروس والأتراك.
والقصف الروسي المتكرر عبارة عن رسائل وضغوط على الجانب التركي سببها عدم تطبيق اتفاق “M4″، وتمثل رد الفعل التركي بسحب النقاط كي لا تكون محاصرة في حال حدوث عملية عسكرية، ودعم جميع خطوط التماس بأسلحة جديدة ووضع نقاط جديدة للمدفعية، أي أن الأتراك يعطون رسالة غير مباشرة للروس أنهم جاهزون أيضًا، و”العملية عبارة عن رسائل بين الطرفين”.
كما أن استهداف المدنيين يضغط على الأتراك من جهة أنه يخلق هشاشة أمنية ويؤجج الوضع الأمني ضدهم، إذ يستهدف الروس، بالإضافة إلى خطوط الدفاع، البنى التحتية.
وهو أسلوب حرب يتبعه الروس لمحاربة تركيا من الداخل والخارج عن طريق استهدافها عسكريًا وبنفس الوقت استهداف نقاط مدنية، فالمدنيون هم على يقين أن الوجود التركي يحميهم، لكن مع القصف يتداول المدنيون أن الوجود التركي لا يؤمّن الحماية لهم وأنه أصبح عالة عليهم، ما قد يزيد التصعيد على الجانب التركي، وربما نشهد توترات أو عمليات ضد الجانب التركي، حسب شعبان.
ووثق فريق “منسقو استجابة سوريا” مقتل 25 مدنيًا، نتيجة 323 استهدافًا من النظام وروسيا بالطيران الحربي والمدفعية وراجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة لمناطق سيطرة فصائل المعارضة، في الفترة بين 1 من تشرين الأول الماضي و8 من تشرين الثاني الحالي.
وتتعرض مناطق سيطرة المعارضة، خاصة جبل الزاوية ومدينة أريحا جنوبي إدلب، لقصف يومي، حسبما رصد مراسلو عنب بلدي.
وشنت طائرتان روسيتان 13 غارة جوية استهدفت أطراف قرية سرجة بجبل الزاوية، في 7 من تشرين الثاني الحالي، حسب “الدفاع المدني”.
ويرتبط التصعيد الروسي “عادة” على منطقة شمال غربي سوريا بعدة عوامل، بحسب ما نشره الباحث عباس شريفة عبر قناته في “تلجرام”، هي:
1. التصعيد للضغط على تركيا في ملفات متعلقة بليبيا وإقليم كاراباخ، وهذا مستبعد حاليًا بسبب حالة الهدوء التي سادت الملف الليبي، والاتفاق الأخير بين أرمينيا وأذربيجان الذي رعته روسيا، إلا أن الباحث نوار شعبان لا يرى وجود ارتباط بين الملفات، حسب حديث سابق إلى عنب بلدي.
2. وقد يأتي التصعيد الروسي في سياق الضغط قبل الاستحقاقات السياسية التي ترسم روسيا مساراتها، مثل مؤتمر “سوتشي” ومؤتمر “عودة اللاجئين“، الذي عُقد مؤخرًا في دمشق.
3. وغالبا يأتي التصعيد الروسي قبيل جولات المفاوضات بين اللجان الروسية والتركية بما يخص اتفاقات “خفض التصعيد” في إدلب، كنوع من الضغط لتحصيل مكاسب تفاوضية من خلال الضغط والتصعيد الميداني .
كيف سيتعامل الأتراك في حال شن عملية عسكرية
عادة قبل بدء النظام حملة عسكرية، يبدأ التمهيد العشوائي للنظام وروسيا، يتبعه قصف من الطائرات المروحية بالبراميل، ثم التمهيد بالطيران الحربي الدقيق، الذي يستهدف المقرات والنقاط والخطوط الأخرى، ومع بداية الحملة تقطع طرق الإمداد بالقصف المكثف والاستطلاع في الجو، حسب حديث سابق لقائد عسكري ميداني في “الجبهة الوطنية للتحرير” إلى عنب بلدي.
ويدعي الروس عدم تطبيق الاتفاقات من قبل تركيا بين الطرفين، أبرزها فتح طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4) وتأمينه، وهو ما يتخذه الروس دائمًا ذريعة لقصف مناطق سيطرة المعارضة والتهديد بشن عمليات عسكرية.
وتؤكد روسيا على الدوام أن مسؤولية القضاء على من تسميهم “الإرهابيين” تقع على الأتراك، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حديثه مع قناة “العربية“، في أيلول الماضي، بقوله “من الضروري فقط استهداف مواقع الإرهابيين والقضاء على بؤرتهم الوحيدة المتبقية في الأراضي السورية، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجانب التركي”.
ورحج الباحث نوار شعبان، في حديثه إلى عنب بلدي، تصعيد القصف من قبل النظام وروسيا للضغط على الجانب التركي، مستبعدًا شن عملية عسكرية كبيرة للنظام على مناطق المعارضة، نتيجة الوجود العسكري التركي المكثف في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب.
وفي حال شن عملية عسكرية سيصعّد الأتراك بعدة محاور، في إدلب وغرب الفرات، وإذا استهدف عنصر تركي واحد يجب أن يرد الأتراك، بسبب الضغط الكبير على الجيش التركي بعدة محاور والضغوط على أردوغان، حسب الباحث نوار شعبان.
وبحسب دراسة لمعهد “دراسات الحرب” الأمريكي في نيسان الماضي، فإن القوات المسلحة التركية نشرت قرابة 20 ألف مقاتل في إدلب بالفترة بين 1 من شباط و31 من آذار الماضيين.
وقال المعهد، إن المقاتلين هم من القوات الخاصة التركية ذات الخبرة، إلى جانب الوحدات المدرعة والمشاة المعروفة أيضًا باسم “الكوماندوز”، والوحدات التي شاركت في العمليات التركية السابقة في عفرين، بما في ذلك لواء “الكوماندوز الخامس” المتخصص في العمليات الشبه العسكرية والحروب الجبلية.
وأشار المعهد إلى أن تركيا نشرت قواتها على خطوط الجبهة مع النظام السوري، غربي الطريق الدولي حلب- اللاذقية، الأمر الذي دفع بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الموافقة على اتفاق مع تركيا.
وأنشأ الجيش التركي بعد اتفاق “موسكو” عدة نقاط عسكرية، خاصة في جبل الزاوية، آخرها النقطة العسكرية في قوقفين، التي نقل إليها عتاد وعناصر نقطة مورك وجزء من نقطة شير مغار.