نور الدين رمضان | علي درويش | صالح ملص | ديانا رحيمة
– أنا بكرا مو جاي.. لو معي سيارة كنت رحت.
– شو هالعشر دقائق.. خلص خلونا نروح عالبيت.
– أحسن شي وقت أخدوهم على سوتشي.. أخدوا شي خمسة آلاف بني آدم، ومشان شو.. مشان يصفقوا!
– أنا أي دعوة لأي مؤتمر تاني ما رح شارك.
– بالعكس تمامًا الموجودين بالبلد لو يصحّلهم (يتاح لهم) بيطلعوا بكرا.
كانت هذه عبارات من محادثة ساخرة بين مترجمة ومشاركين في مؤتمر “دمشق للاجئين”، الذي عُقد في دمشق بدعوة روسيا في 11 و12 من تشرين الثاني الحالي.
وتعبّر هذه المحادثة القصيرة التي سُربت من بث مباشر لقناة “روسيا اليوم” عبر “يوتيوب” مدته نحو عشر ساعات، عن النتائج المتوقعة من المؤتمر الذي غابت عنه الدول الفاعلة في الملف السوري أو أخرى تستقبل لاجئين (باستثناء لبنان والعراق)، وحضرته دول معظمها مصدر للاجئين، ولم يكن لها أي دور فاعل في الملف السوري خلال السنوات الماضية.
ويأتي المؤتمر الذي رعته روسيا بالتزامن مع احتفالها بخمس سنوات من التدخل العسكري إلى جانب النظام في سوريا، ومع عودة التوتر العسكري في شمالي سوريا بعد نحو ستة أشهر من الهدوء، بينما يصارع السوريون أزمة معيشية خانقة للحصول على خبز يومهم.
ودُرس توقيت المؤتمر مع التحضير لانتخابات مقبلة في سوريا بعد أقل من عام، ترفضها الأمم المتحدة، وفي وقت كان العالم مشغولًا بسباق الانتخابات إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف أهداف روسيا والنظام السوري من المؤتمر، وإمكانية عودة اللاجئين السوريين من ناحية قانونية ومعيشية وسياسية، وما إذا كانوا يريدون العودة حقًا، إضافة إلى أسباب أخرى تفقد المؤتمر أهميته.
أهداف روسية هل تتحقق؟
صدر الإعلان الأول عن المؤتمر من موسكو، وليس من دمشق، وهو ما يؤكد وقوف الروس وراءه، ما يفتح باب التساؤل حول ما يريدونه من فتح ملف إعادة اللاجئين في وقت لا تزال البنية التحتية في سوريا غير قادرة على استقبالهم، ودون وجود ضمانات وسياقات أمنية واقتصادية لاحتواء عودة محتملة.
الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر قال لعنب بلدي، إن الطرح الروسي للمؤتمر يأتي بهدف تصعيد أو تنشيط النقاش الدولي على الأقل في مسألة عودة اللاجئين السوريين، وربما جس نبض المجتمع الدولي حول القضايا التي ترغب روسيا بتحقيقها.
وقلّل جبر من أن تكون للمؤتمر تداعيات وتأثير كبير على عودة اللاجئين، إذ يضاف إلى محاولات موسكو السابقة التي لم تكن مجدية بالفعل.
وكانت وزارة الدفاع الروسية دعت إلى عقد مؤتمر “للاجئين السوريين” تحت رعاية روسية، لأول مرة في 5 من أيلول عام 2018، ووصفته بـ”الحدث التاريخي”، وأكدت ضرورة مشاركة الدول المعنية والأمم المتحدة فيه.
ووضعت موسكو مقترحات للمؤتمر قدمتها للولايات المتحدة، في 21 من تموز 2018، خلال قمة “هلسنكي” بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حول تنظيم العمل لعودة اللاجئين السوريين، وتشكيل مجموعة مشتركة لتمويل إعادة إعمار البنية التحتية السورية.
وتضمنت المقترحات “وضع خطة مشتركة لعودة اللاجئين إلى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها قبل النزاع، وخاصة عودة اللاجئين من لبنان والأردن، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة روسية- أمريكية- أردنية، برعاية مركز عمان للمراقبة، وكذلك تشكيل مجموعة مماثلة لها في لبنان”.
وإثرها التقت المجموعة المصغرة للدول السبع (المؤلفة من ألمانيا والمملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والأردن والمملكة المتحدة)، وأصدرت بيانًا يؤكد أنه لا يوجد حل في سوريا قبل إيجاد حل سياسي دائم على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254″.
ولم ينعقد المؤتمر رغم المحاولات الروسية الساعية لانعقاده، والحصول على التمويل لإعادة الإعمار من قبل الدول المانحة.
وبحسب رائد جبر، من الواضح أن المؤتمر لن يؤدي إلى نتائج حول مسألة عودة اللاجئين السوريين، لأنها مشروع كبير، يحتاج إلى رعاية من الأمم المتحدة أولًا، والاتفاق مع الأطراف المؤثرة، وعلى رأسها تركيا (التي لم تدعَ إلى المؤتمر) باعتبارها الحاضن الأكبر للاجئين السوريين، ثانيًا، إضافة إلى ترتيبات واسعة النطاق، ومن دون مشروع دولي لا يمكن الحديث عن عودة اللاجئين.
لذلك يبدو أن هناك استثمارًا سياسيًا بالدرجة الأولى، يقوم، بحسب رائد جبر، على نقطتين: الأولى تصعيد النقاش حول موضوع اللاجئين، وبهذا التوقيت تحديدًا لأن أوروبا منقسمة حول هذا الموضوع، والولايات المتحدة غائبة بفعل الانتخابات، وبالتالي يمكن أن تلتقط روسيا مكاسب معينة، فضلًا عن حشد أكبر قطاع ممكن من الدول الإقليمية والمنظمات الدولية، التي حضرت بالفعل.
والنقطة الثانية هي دفع الأمور نحو إطلاق النقاش الدولي على الأقل حول مسألة إعادة الإعمار، لأنه من الواضح أنه من دون وجود بنى تحتية وإعادة تأهيل قطاعات واسعة لا يمكن الحديث عن عودة جماعية للاجئين.
وترى روسيا أن المؤتمر يمكن أن يشكل مدخلًا مناسبًا لإعادة طرح هذه القضايا بشكل موسع، لذلك تزامن مع إعلان وزارة الدفاع الروسية تخصيص مليار دولار لدعم بعض قطاعات البنى التحتية والقطاعات الصناعية، وليس من قبل وزارة المالية أو الحكومة الروسية بشكل رسمي، بالتزامن مع طرح إيران تأسيس صندوق دولي لعودة اللاجئين.
تعويم روسي..
النظام مرتاح ولا يريد إعادة اللاجئين
أوضح الدكتور في الإعلام والباحث السياسي السوري نصر اليوسف، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام لم يكن مستعدًا لإعادة اللاجئين، وهو مرتاح للوضع الحالي بعد إخراج ملايين السوريين من أرضهم.
واستدل اليوسف على وجهة نظره بتصريحات صدرت عن كثير من ممثلي النظام، وعلى رأسهم الأسد، الذي وصف وضع مناطق سيطرته بالمريح، وأن المجتمع أصبح متجانسًا.
واعتبر الدكتور نصر اليوسف تأييد الأسد للمؤتمر محاولة لـ”ذر الرماد في العيون والمتاجرة، لأن النظام على قناعة أن أحدًا لن يعود، وهو المطلوب بالنسبة له”.
وأكد مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، أن “النظام غير مكترث بعودة اللاجئين، بل على العكس يتمنى عدم عودتهم باعتبارهم أصواتًا معارضة في المجتمع”.
ويقف الروس وراء هذه المتاجرة، بحسب الدكتور نصر اليوسف، فهم يريدون أن يعيدوا المهجرين لأسباب سياسية تتمثل بإعادة تعويم وتدوير النظام، وتقديمه للمجتمع الدولي على أنه نظام شرعي، خاصة قبيل الانتخابات المزمع إجراؤها في العام المقبل، فإذا كان عدد السوريين خارج سوريا كبيرًا، لا يستطيعون أن يصدروا رواية فوز بشار الأسد بالانتخابات بالأغلبية.
ومهما كانت نسبة المشاركة من قبل السكان في مناطق سيطرة النظام، فلن تكون شرعية من الناحية التمثيلية، أما إذا أعيد المهجرون فهذا يسهم ويسهل على روسيا مهمة تعويم النظام، وإعادة تدويره.
أما الأسباب الاقتصادية، فمع عودة الأهالي سيبدؤون بعمليات إصلاح للمنازل واستصلاح أراضيهم وترميم مصانعهم، وبالتالي ستدور عجلة الاقتصاد، وهذا سيخفف على روسيا الحمل المعنوي، فموسكو لا تستطيع أن تقدم للسوريين ما يكفيهم في ظروف الفقر الشديد والنقص في مستلزمات الحياة وغلاء الأسعار.
لكن عملية إعادة الإعمار مكلفة، وتقدرها الأمم المتحدة بـ 400 مليار دولار، ومنظمات أخرى تقدرها بـ 600 مليار دولار، وإذا لم تقدم دول مانحة دعمًا بسخاء، فلن تكفي إعادة المهجرين لإعمار سوريا، خاصة في ظروف عدم رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية.
عوامل تفقد المؤتمر أهميته
رغم التخطيط المسبق والدعوات التي أُرسلت إلى معظم دول العالم، باستثناء تركيا، توجد عوامل أفقدت “مؤتمر اللاجئين” أهميته:
أولًا: دول الشرق تطالب بعودة لاجئين معظمهم في الغرب
من أبرز العوامل التي أفقدت المؤتمر أهميته غياب الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين، موضوع المؤتمر، عن المشاركة الفاعلة، وإذا استثنينا لبنان والعراق، فمعظم الدول التي شاركت في المؤتمر لا تستضيف لاجئين سوريين، بل أغلبيتها من الدول المصدرة للاجئين، مثل باكستان وفنزويلا والبرازيل والصومال والفلبين والجزائر وإيران والهند وكوريا الشمالية، بحسب ما رصدته عنب بلدي من تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وإضافة إلى عدم استضافة معظم الدول المشاركة في المؤتمر لاجئين، فمعظم الدول أيضًا غير فاعلة بالملف السوري، كالأرجنتين وكوبا وكولومبيا.
ثانيًا: مقاطعة ورفض غربي
رفض الاتحاد الأوروبي المشاركة في المؤتمر، رغم تلقي عدد من أعضائه دعوات لحضوره، وشدد وزير خارجية التكتل الأوروبي، جوزيب بوريل، على أن “الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”.
واستدلّ بوريل بعمليات العودة “المحدودة” التي سُجلت خلال الفترة الماضية كدليل “يعكس العقبات الكثيرة والتهديدات أمام عودة اللاجئين والنازحين”، وبينها “التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري”.
وذكر الاتحاد في بيان أنه في حين أن قرار العودة يجب أن يكون دائمًا قرارًا فرديًا، لا تصلح الظروف في سوريا، في الوقت الحالي، لتشجيع العودة الطوعية على نطاق واسع، في ظروف آمنة وكرامة تتماشى مع القانون الدولي.
إلى جانب رفض الاتحاد الأوروبي، الذي يستقبل مئات آلاف اللاجئين السوريين والذي يلعب أيضًا دورًا فاعلًا في الملف السوري، دعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة دولية للمؤتمر الروسي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي جرى عبر الإنترنت، في 27 من تشرين الأول الماضي.
وقال نائب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، إنه “من غير المناسب تمامًا أن تشرف موسكو، التي تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، على عودة اللاجئين”، محذرًا من أن سوريا ليست مستعدة لعودة اللاجئين “على نطاق واسع”، وأن التدفق قد يتسبب في عدم الاستقرار.
واختتم موقف واشنطن بيان للخارجية الأمريكية، في 13 من تشرين الثاني الحالي، قالت فيه إن المؤتمر لم يكن محاولة صادقة لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى سوريا، ويظهر عدم وجود دعم لهذا المؤتمر خارج المجموعة الضيقة من حلفاء النظام، ما يشير إلى أنه كان مجرد “عروض مسرحية”.
أما كندا، التي تستقبل عشرات آلاف السوريين أيضًا، فذكر حساب “Canada and Syria” التابع للحكومة الكندية، في تغريدة عبر “تويتر”، أن كندا لن تحضر مؤتمر “اللاجئين” الذي تستضيفه كل من روسيا وسوريا في دمشق.
وتتطابق الرؤية الغربية الرسمية مع مواقف منظمات حقوقية بارزة، تحذّر من أن توقّف المعارك في مناطق عدة لا يعني أن سوريا باتت مهيأة لعودة اللاجئين في ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية، والانتهاكات الحقوقية الصارخة التي تشهدها البلاد.
ثالثًا: أوضاع معيشية غير مناسبة ومستقبل مجهول
بالتزامن مع عقد مؤتمر “اللاجئين” في قصر “المؤتمرات”، يقف مئات السوريين على طوابير أمام أفران الخبز، ومحطات الوقود، لتأمين موادهم الأساسية التي ارتفع سعرها مع انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، دون زيادة في الرواتب والأجور، التي يبلغ متوسطها 149 ألف ليرة سورية (60 دولارًا أمريكيًا) في الشهر، وتبدأ من 37 ألف ليرة، بحسب موقع “SalaryExplore“.
وقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن تسعة ملايين و300 ألف يحصلون على الغذاء الكافي في سوريا، التي تتصدر قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، التي وردت في تقرير له في شباط الماضي.
يضاف إلى ذلك مستقبل مجهول للاقتصاد السوري مع تشديد العقوبات الأمريكية، وقلة موارد النظام السوري.
رابعًا: استقبال في المخيمات
جاء في البيان الختامي للمؤتمر أن الحكومة السورية ستواصل جهودها لتأمين عودة اللاجئين من الخارج، وتأمين حياة كريمة لهم، وأنها على استعداد لتوفير عيش كريم لهم.
لكن تصريحًا يناقض ما جاء في البيان، جاء على لسان محافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، قال فيه إنه يمكن استقبال اللاجئين السوريين ضمن تجمعات، إذا رُفعت العقوبات عن سوريا.
وأضاف إبراهيم أن العائدين لن يعودوا إلى مناطقهم مباشرة، إذ يتوفر لدى المحافظة عدة وحدات تجمع، مثل الوحدات في حرجلة وعدرا (وهي مخيمات استخدمت في وقت سابق للخارجين من مناطق التسويات في دمشق وريفها)، ما يعكس عدم الجاهزية لاستقبال عائدين من الخارج.
خامسًا: الأسد يكتفي بحضور عبر الفيديو
على الرغم من الاحتفاء بالمسؤولين الوافدين إلى سوريا للمشاركة في المؤتمر، اكتفى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بمخاطبة الحاضرين عبر الفيديو، رغم أن مكان انعقاد المؤتمر لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مقر إقامته في دمشق.
ويعطي حضور رئيس الدولة للمؤتمرات التي تعقد على أرض بلده أهمية كبيرة للمؤتمر، لا سيما أن هذا المؤتمر يتعلق بملايين اللاجئين من أبناء البلد.
سادسًا: عودة مأجورة للشباب
عشية انعقاد المؤتمر، وفي 8 من تشرين الثاني الحالي، أصدر الأسد مرسومًا يقضي بتعديل بعض مواد قانون خدمة العلم، ببنود تشير إلى إمكانية الحصول على مزيد من القطع الأجنبي من دفع البدل.
ولا يشمل المرسوم السوريين المقيمين في الداخل السوري، لكنه منح جميع السوريين في الخارج ممن أقاموا أكثر من سنة الاستفادة من ذلك تشجيعًا لهم على العودة.
لكن المرسوم قسم اللاجئين الراغبين بالعودة إلى شرائح مالية، إذ يجب عليهم دفع مبالغ تبدأ بثلاثة آلاف دولار وتنتهي بعشرة آلاف، بحسب مدة بقائهم في الخارج.
ويعد المرسوم مصدر دخل لأموال يحتاج إليها النظام بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها والتي زادتها العقوبات الغربية، بحسب ما قاله المحلل السياسي حسن النيفي لعنب بلدي، ولذلك رفع إمكانية دفع البدل لتشمل جميع المغتربين بشرط تجاوز مدة الإقامة في الخارج سنة واحدة.
“العودة تبدأ برحيل الأسد”
تصورات لاجئين سوريين عن العودة
يعتبر العامل الرئيس في تحديد قرار اللاجئين برغبتهم في العودة إلى سوريا من عدمها هو عامل الأمان والسلامة، بحسب دراسة مسحية أعدتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عام 2019.
وأوضحت تقارير حقوقية صادرة خلال العام الحالي عن منظمات سورية، أن الملاحقات الأمنية للاجئين عائدين إلى سوريا ما زالت مستمرة، إذ اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري أكثر من 2000 لاجئ ضمن حالات الاعتقال التعسفي خارج نطاق القضاء، بالإضافة إلى أكثر من 20 حالة قتل تحت التعذيب داخل مراكز الاعتقال، بينهم أطفال، وذلك بعد عودتهم إلى سوريا.
ووفقًا للعوامل الاقتصادية السيئة التي تعيشها سوريا، والوضع الأمني غير المستقر في أغلب المدن السورية، تُناقض هذه الوقائع تصريحات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأخيرة في مؤتمر “عودة اللاجئين”، عن أن “الأغلبية الساحقة من السوريين باتوا اليوم راغبين في العودة”.
وأطلق معارضون وهيئات قانونية وناشطون سوريون، في 11 من تشرين الثاني الحالي، حملة تحدد شروطًا لبدء عودة اللاجئين الطوعية إلى سوريا، في مقدمتها رحيل رئيس النظام، بشار الأسد.
ووقّع على بيان انطلاق الحملة التي حملت اسم “العودة تبدأ برحيل الأسد“، أكثر من 33 منظمة وهيئة سورية، أكدوا فيها بالإضافة إلى شرط رحيل الأسد، على ضرورة وقف قصف قوات النظام للشمال السوري، وإنجاز الانتقال السياسي، والإفراج عن المعتقلين، وتوفير البيئة الآمنة، والبدء بإعادة الإعمار، كشروط أخرى للعودة الطوعية والكريمة للاجئين.
ونشر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عبر “فيس بوك” و”تويتر” منشورات ردوا فيها على “ادعاءات” النظام بوجود أمان في البلاد، ونشروا عبر وسم “العودة تبدأ برحيل الأسد” نصوصًا وصورًا ومقاطع مسجلة تعود لمعتقلين ما زالوا داخل مراكز الاعتقال، دلالة على عدم وجود ضمانات حقيقية لدى النظام بتأمين بيئة آمنة لأي لاجئ معارض لسياسة الحكم في سوريا حين يعود إلى منطقته الأصلية.
ومن بين تلك التسجيلات القديمة التي رصدت عنب بلدي إعادة نشرها في “فيس بوك“، التسجيل الشهير للضابط في قوات النظام عصام زهر الدين، الذي وجه تحذيرًا مباشرًا للاجئين قبل مقتله، بالقول إن النظام لن يسامح من يعود، وأضاف “نصيحة من هالدقن لا ترجعوا”.
الانتباه إلى أصوات الناس العاديين
اعتبر الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، في حديث إلى عنب بلدي، أن أصوات الناس العاديين مهمة جدًا، لتوضيح الموقف الشعبي من مسألة عودة اللاجئين، خاصة أن تقارير المنظمات الحقوقية السورية المعنية أتت بعد انتشار تلك الحملة، لتدعم المطالب الشعبية.
وتكمن ضرورة مثل هذه الحملات الشعبية عبر الفضاء الإلكتروني، بحسب ما أوضحه العمري، في التأكيد لبلدان اللجوء السوري وخاصة في أوروبا على رفض اللاجئين القاطع لأي إعادة جبرية، لأن هناك سياسيين وحكومات يمينية أوروبية تحاول بدء عملية تطبيع مع النظام السوري لإعادة اللاجئين السوريين، مثل الدنمارك والسويد، بتصنيفها بعض مناطق سوريا على أنها “آمنة”، وهو ما قد يؤدي إلى تعارض التزامات هذه الدول بالقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية.
وهو ما أشار إليه مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، في حديث إلى عنب بلدي، إذ اعتبر أن مؤتمر “عودة اللاجئين” رسالة مدروسة من الروس، تهدف إلى تشكيل ضغط على الحكومات الأوروبية، نتيجة وجود حكومات وأحزاب يمينية “متطرفة”، تطالب بإعادة اللاجئين إلى بعض المناطق التي تعتبرها آمنة.
وحاولت السلطات في عدد من الدول الأوروبية ضبط عدد من المنظمات والمجموعات المنتمية لليمين المتطرف، الذي يرفض وجود أجانب على الأرضي الأوروبية، إذ تعرض سوريون لاعتداءات في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة من قبل متطرفين.
بموجب اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين بوضع اللاجئين، المادة رقم “33” تحت بند “حظر الطرد أو الرد”، “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية”. |
“هذه الحملات توجه رسالة صارمة وواسعة النطاق إلى هذه الدول بأن إعادة السوريين أمر غير ممكن”، بحسب ما قاله منصور العمري.
وحتى التوصل إلى حل سياسي عن طريق الأمم المتحدة لا يجب أن يعني إعادة اللاجئين، وفق ما نوه إليه العمري، فجميع القوى العسكرية المتنازعة في سوريا ترتكب “جرائم الحرب” والانتهاكات بحق المدنيين، وتستهدف الناشطين وعاملي المنظمات والصحفيين، وتقمع الناس.
وهذه الحملة توصل رسالة إلى الإعلام العربي والعالمي وإلى مراكز الأبحاث، مفادها أن “السوريين خارج سوريا عمومًا لن يعودوا”، وكل ما تحدث به الأسد عن رغبتهم في العودة هو محض أكاذيب.
وسلط بعض الإعلام العربي والدولي وصُحف أجنبية الضوء على الحملة، مثل صحيفة “لاكروا” الفرنسية التي أشارت بشكل مباشر إلى الحملة في تغطيتها لانعقاد مؤتمر “عودة اللاجئين”.
ويأسف العمري على بعض الصحف الأجنبية مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”، إذ نقلت تصريحات الأسد ولم تنقل صوت سوريين من خلال الحملة الشعبية، ولا حتى بيان منظمات المجتمع المدني السورية، “رغم أن لديها مكاتب في بيروت، ومراسلوها أصدقاء ومتابعون للشأن السوري وللسوريين المعارضين عن قرب، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي”.
“تطفيش” لا تشجيع!
يطرح حديث النظام السوري والبيان الختامي للمؤتمر أسئلة قانونية حول التعامل مع لاجئين كانوا عادوا في وقت سابق، وعن الخدمات التي وفرتها لهم حكومتهم.
وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، إن النظام السوري في الأساس”لا يهتم بالحفاظ على السوريين الموجودين الآن في مناطق سيطرته، حتى يطالب المغتربين بالرجوع”، مضيفًا أن الاعتقالات المستمرة تدفع سوريين آخرين إلى الهجرة.
ويرى عبد الغنى أن النظام فعليًا لا يريد عودة اللاجئين للتخفيف من الثقل الاقتصادي على كاهله، ويعتبر أغلب من خرجوا من سوريا معارضين له، فيستمر بسياسة “التطفيش” والتهجير والتشريد عبر الاستمرار بسياسة الاعتقالات المستمرة، فضلًا عن ذلك لم يعد السوريون النازحون داخليًا الموجودون في مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام، على الرغم من ادعاء النظام بأنها آمنة، فكيف يريد من المغتربين أن يعودوا.
ماذا يجب أن يوفر النظام السوري؟
وأضاف فضل عبد الغني أن اللاجئين الذين عادوا، تعرضوا لعمليات الاعتقال والاختفاء القسري، ومنهم من أعيد تجنيده قسريًا في جيش النظام السوري، ومنهم من تعرض للمضايقات ولمصادرة أمواله، إذ سجلت “الشبكة” 700 حالة اختفاء قسري بحق لاجئين عادوا خلال العامين الماضيين.
ويمثل اللاجئون الذين عادوا إلى سوريا أقل من 7% من اللاجئين حول العالم، و6% من بينهم عادوا من الأردن ولبنان، أي أن 1% من إجمالي اللاجئين حول العالم فقط عادوا إلى مناطق سيطرة النظام، مرجعًا ذلك إلى انعدام الثقة بالنظام السوري.
وتحدت مدير “الشبكة السورية” عن شروط يجب أن يوفرها النظام لتحقيق العودة، وهي إيقاف عمليات الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري، وإطلاق سراح المختفين قسريًا، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، إضافة إلى الفصل بين السلطات بما يحقق استقلال السلطة القضائية، وأن يكون الاعتقال بشكل قانوني وفق مذكرة قضائية، وإلغاء كل القوانين التعسفية التي تصادَر عبرها الأراضي، وإيقاف عمليات التجنيد الإجباري.
ماذا يريد اللاجئون قبل العودة؟
دعا الأسد اللاجئين في بداية المؤتمر إلى العودة قائلًا “نحن نعمل بجد من أجل عودة كل لاجئ يريد العودة والمساعدة في إعادة إعمار البلاد”، لكن السؤال المطروح هل يريد اللاجئون العودة فعلًا؟ وماذا يريدون أن يتوفر في سوريا قبل العودة؟
تواصلت عنب بلدي عبر مراسلات إلكترونية، ومكالمات هاتفية، مع لاجئين مقيمين في عدة دول للإجابة عن السؤالين السابقين:
وفي تسجيلات مصوّرة لعنب بلدي، رفض لاجئون في تركيا وألمانيا المؤتمر ومخرجاته، وقال بعضهم إن سبب لجوئهم هو النظام السوري، وهو لا يزال موجودًا إلى اليوم، بينما تساءل آخرون عن كيفية العودة مع غياب الخدمات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :