عنب بلدي – زينب مصري
“أنا كمواطن لا يهمني الاقتصاد بمفاهيمه العلمية، ولا تهمني السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومات، يهمني أن أعيش وأؤمّن قوتي اليومي ومتطلبات حياتي الأساسية بشكل كريم في مجتمع كريم”.
يعتقد عبد القادر أبو ضياء، نازح إلى مدينة إدلب، متزوج ولديه طفلة واحدة، أن الوضع المعيشي في الفترة ما قبل اعتماد تداول الليرة التركية في مناطق الشمال السوري كان “أفضل” من الوضع بعد اعتمادها، على الرغم من أن وضعه المعيشي يُعتبر “جيدًا” مقارنة ببقية النازحين في المنطقة، لقلة عدد أفراد أسرته.
“الناس توسمت خيرًا باستبدال العملات، لكن حتى لو كان الأمر إيجابيًا بالفعل من الناحية الاقتصادية، اتضح أن نتائج الاستبدال على المواطنين سلبية”، قال عبد القادر لعنب بلدي، محتجًا على ارتفاع الأسعار بعد تدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية.
وأضاف عبد القادر أن “عبارة ارتفاع أسعار، تكفي لإحداث قلق نفسي عند المواطن”، بغض النظر عن الدخل الذي يتلقاه، إذ لا يوجد توازن بين المصروف الشخصي للأسرة في الشمال، وخاصة الأسر النازحة، ومدخولها الشهري، خاصة عند ربط الأمر بأسعار صرف الليرة التركية.
ويرى عبد القادر أن تسعير المواد بالليرة التركية أمر جيد، يضبط إلى حد ما موضوع التلاعب بالأسعار، “خاصة عند التجار الجشعين”، لكن غياب دور الرقابة التموينية إلى حد ما ينعكس بشكل سلبي على ضبط الأسعار بشكل جيد.
وشهدت الليرة التركية تدهورًا، وانخفضت قيمتها لمستويات قياسية غير مسبوقة خلال الأسابيع الماضية، ووصل سعر صرف الدولار إلى 8.51 ليرة تركية، كأعلى سعر في تاريخ الليرة، في 6 من تشرين الثاني الحالي، قبل أن تعود لتتحسن قيمتها عقب استبدال حاكم المصرف المركزي التركي، واستقالة وزير الخزانة والمالية التركي، بيرات البيرق، وتصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي، في 14 من تشرين الثاني الحالي، 7.67 ليرة تركية للشراء و7.68 للمبيع، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الليرة التركية والعملات الأجنبية.
ولم يحل استبدال العملة التركية بالعملة السورية في مناطق الشمال الغربي السوري إشكالية التباين في أسعار المنتجات الغذائية وغير الغذائية وعدم ثباتها عند حد معين، وذلك لأن تسعير تلك المنتجات مرهون بسعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة التركية.
وأكد خالد الحسين، وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة إدلب، أن استبدال العملة في الشمال أدى إلى تفاوت كبير بالأسعار وتضاربها من محل تجاري إلى آخر.
وقال لعنب بلدي، إن الفروقات في الأسعار غير منضبطة، مشيرًا إلى غياب الرقابة التموينية أو الاقتصادية.
وأضاف خالد أن معظم النازحين في مناطق الشمال الغربي كانوا يعتمدون في موردهم المالي بشكل أساسي على الزراعة، لغياب الموارد الصناعية في تلك المناطق.
وخسر النازحون مصدر دخلهم، بالإضافة إلى معاناتهم من ارتفاع إيجارات المنازل التي “تُستغل كتجارة بسبب ارتفاع أعداد النازحين”، ما يشكل عليهم ضغطًا اقتصاديًا إلى جانب اصطدامهم بشكل شبه يومي بتغير الأسعار، ويخفض من قدرتهم الشرائية.
ظاهر التسعير بالعملة التركية والأساس الدولار
للوقوف على أسباب عدم ضبط البائعين أسعار المنتجات في المحلات التجارية، استطلعت عنب بلدي آراء مجموعة من الباعة في مدينة إدلب، وأكدوا تضرر تجارتهم من تقلبات سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار.
صاحب محل “الرحمن” في مدينة إدلب رواد سعيد، أوضح أن المنتجات في المحلات تظهر على أنها مسعّرة بالليرة التركية، لكن الأساس في التسعير هو الدولار الأمريكي.
“لدي ورقة أسجل عليها الأسعار بالدولار عندما أشتريها من تاجر الجملة”، قال رواد لعنب بلدي، مشيرًا إلى أنه يشتري المواد بالدولار وخاصة المواد الغذائية بكل أشكالها والمعلبات والسمن ومواد أخرى.
وأضاف رواد أن تسعير المواد يكون بحسب سعر الليرة التركية اليومي أمام الدولار، وبما أن الليرة التركية تمر خلال هذه الفترة بظروف “مكركبة” بين ارتفاع وانخفاض، يضطر البائعون للتعامل مع تسعيرالمنتجات بنفس الطريقة المتبعة في فترة ما قبل اعتماد الليرة التركية.
وأوضح رواد أن البائعين يتعرضون لانتقادات مواطنين يعتبرون الباعة “استغلاليين”، قائلًا إنه لا ينكر وجود بعض الباعة الاستغلاليين، الذين لا يخفضون الأسعار عند انخفاض سعر صرف الدولار.
كما أوضح أنهم كباعة يشعرون “بوجع الناس ومعاناة النزوح”، ومدركون لقلة فرص العمل وعدم تكافؤ الدخل مع المصاريف، “لكن في النهاية الباعة أيضًا من عامة الناس، ولديهم أطفال، ويتأثرون بارتفاع أسعار المنتجات كالبقية”، بحسب تعبيره.
وتحدث رواد عن الخسارة التي يتعرض لها البائعون، مبيّنًا أن سعر تنكة السمن، على سبيل المثال، 16 دولارًا، وهو سعر ثابت، وعندما كان سعر الدولار حوالي سبع ليرات تركية، كان سعر التنكة يعادل تقريبًا 100 ليرة تركية، وهو يبيعها بـ110 ليرات، فيكون هامش ربحه دولارًا واحدًا أو نصف دولار.
بينما إذا أبقى على السعر بالليرة التركية ولم يرفع سعرها بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، سيكون سعر التنكة أقل من 16 دولارًا، وسيصبح تقريبًا 14 أو 15 دولارًا، ما يعني أنه كبائع قد خسر.
أين الدور الرقابي؟
تشارك وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في مدينة إدلب، عبر معرفاتها الرسمية على الإنترنت، مقاطع مصوّرة للجان تموينية تجول على المحلات التجارية في مدن المحافظة، لضبط الأسعار، وضبط التعامل بالليرة التركية، ومراقبة صلاحية المنتجات، وإجراء الضبوط التموينية بحق المخالفين.
وكان مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد، محمد دعبول، أوضح، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أنه من الصعب وضع تسعيرة موحدة لجميع المواد، لوجود مواد مستوردة يتحكم بها سعر صرف الدولار، ومواد منتجة محليًا، ومواد منتجة محليًا بمواد مستوردة.
وقال إن الحكومة قسمت المواد التموينية إلى أربعة أقسام، أبرزها قسم استراتيجي وهو ضروري كالخبز والوقود والأدوية البشرية، وقسم أساسي كالخبز والأرز والشاي والخضار، ووضعت تسعيرة موحدة لمادتي الخبز والوقود.
وكانت حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة” العاملتان في الشمال الغربي السوري اعتمدتا، في حزيران الماضي، تداول العملة التركية بدل العملة السورية، بعد تراجع الأخيرة إلى مستويات قياسية (وصل سعر صرف الدولار في 8 من حزيران الماضي إلى 3000 ليرة).
أسهمت في إعداد هذه المادة مراسلة عنب بلدي في مدينة إدلب شادية التعتاع