بعد ثلاثة أعوام على طرد التنظيم.. ما حال الرقة؟

  • 2020/11/15
  • 9:20 ص

نفق لتنظيم "الدولة الإسلامية" في مدرسة في الرقة - 2018 (حسام العمر)

الرقة – حسام العمر

“مدينة أشباح” كانت صفة الرقة قبل ثلاثة أعوام، حين عاد طاهر إليها بعد أن أجبرته الحرب على مغادرة المدينة التي أمطرتها آلاف القنابل والصواريخ طوال 166 يومًا من المعارك.

على ضفة “الفرات” الشرقية توالت سيطرة الخصوم منذ عام 2013، من سيطرة فصائل المعارضة والفصائل الإسلامية في آذار من ذلك العام حتى سيادة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها مع نهايته، ثم انتزاعها من أرض “الخلافة” بقوة “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في تشرين الأول من عام 2017.

ما عانته الرقة من دمار لم يسمح لابنها طاهر السالم بتمييز أحيائها وشوارعها، كما قال لعنب بلدي، إذ ملأت السيارات المحترقة والأنقاض أزقتها وأغرقت بناياتها، وانتشرت على أرضها الألغام، “كنت أمنع الأطفال من الخروج، وكنا شديدي الحذر في كل تحركاتنا. سمعنا مئات القصص عن أناس فقدوا حياتهم أو تعرضوا للإصابة بسبب الألغام التي كانت تقلق كل العائدين”.

مستوى الدمار والخطر دفع عائلة طاهر للتفكير بالنزوح من جديد إلى الريف الغربي، إلا أن الشاب الثلاثيني فضل البقاء، “مشاهد الدمار أغلبها اختفت، رغم وجود بعضها، لكن الأمور أصبحت جيدة أو مختلفة عن حال الرقة فور تحريرها”.

“بركان” و”غضب الفرات”.. لم يبقيا حجرًا على حجر

مع نهاية عام 2014، وبعد أن صدمت “وحشية” التنظيم العالم، خاصة مع نشره سلسلة من عمليات الإعدام المصورة لرهائن أجانب، شُكّل “التحالف الدولي” لهزيمته في سوريا والعراق، في حين أعلنت فصائل من المعارضة السورية وفصائل كردية تأسيس غرفة عمليات مشتركة سُميت “بركان الفرات”.

وضم تحالف الفصائل المشكّل حديثًا كلًا من “لواء التوحيد” القطاع الشرقي، و”لواء ثوار الرقة”، و”لواء الجهاد في سبيل الله”، و”كتائب شمس الشمال”، و”لواء أمناء الرقة”، و”سرايا جرابلس”، و”جيش القصاص”، و”جبهة الأكراد”، و”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، و”وحدات حماية المرأة” (الكردية).

شكّل دخول القوات المتحالفة مدينتي عين عيسى وتل أبيض، منتصف عام 2015، نقطة الانطلاق الرئيسة لتضييق الخناق على التنظيم في الرقة وريفها، وفي تشرين الأول من ذلك العام، أُعلن عن تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي جمعت فصائل جديدة، مثل “المجلس العسكري السرياني” وقوات “السوتورو” المسيحية، مع بقاء “وحدات حماية الشعب” في المقدمة، وفي 6 من تشرين الثاني من عام 2016 انطلقت عملية “غضب الفرات”.

خلال ستة أشهر، تمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على بلدات وقرى حول الرقة، واستعادت مساحات واسعة من محيطها، قبل بدء الهجوم المباشر على المدينة المعزولة في 6 من حزيران عام 2017.

تحولت المعارك بعد ذلك إلى نمط حرب الشوارع والقتال المباشر بين تنظيم “الدولة” و30 ألف مقاتل من “قسد”، مع غطاء جوي من قبل “التحالف الدولي”.

آلاف القتلى والمفقودين، ما بين مقاتلين ومدنيين، فقدوا حياتهم بسبب القصف الكثيف، بعد أن منعت قوات التنظيم سكان المدينة من الفرار، ونشرت الألغام في الشوارع والمباني.

6039 غارة جوية لم ينتهِ عد قتلاها بعد، مع انتشال أكثر من ستة آلاف جثة من المقابر الجماعية المتوزعة في أنحاء المدينة، سبقت إعلان “قسد” الرقة “خالية” من قوات التنظيم في 17 من تشرين الأول عام 2017، ونقلها “مجلس الرقة المدني” من ناحية عين عيسى بعد ستة أشهر على تشكيله، لتبدأ مرحلة رفع الركام.

ثلاثة أعوام لإزالة الأنقاض والألغام

في أنحاء المدينة، أحصت قوات “الأمن الداخلي” وفرقة “نزع هندسة الألغام”، التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، الشق المدني من “قسد”، ثمانية آلاف لغم.

عرقلت الألغام عودة الأهالي إلى منازلهم، الذين عانوا أيضًا من مخاوف ارتبطت بتجاوزات “قسد” و”الخلايا الناشطة” للتنظيم، ومع دمار 40% من مساكن المدينة البالغ عددها 151 ألفًا بشكل كامل، ودمار ما تبقى جزئيًا، كانت عودة السكان “بطيئة”.

ولعبت حينها “قسد” على الوتر العشائري، وعملت على جذب واستمالة بعض العشائر العربية وشيوخها، وحاولت الترويج لمشروع “الإدارة الذاتية” الجديد نسبيًا على المجتمع السوري، وتمكنت من استقطاب العديد من أبناء الرقة الذين انتسبوا لها ولأجهزتها الأمنية.

يبلغ تعداد سكان الرقة اليوم أكثر من 400 ألف شخص، بحسب إحصائيات “مجلس الرقة المدني”، وبرأي طاهر فإن “نقص الخبرة” الذي عانت منه المؤسسات الإدارية في المدينة لم يعد حاضرًا، وأصبح العمل على توفير احتياجات المدنيين أفضل، إلى جانب وجود عشرات المنظمات التي قدمت السلال الغذائية والخدمات الصحية، “التي لم يكن بإمكان قسد تقديمها للسكان”، حسبما قال.

وقال أحد الفنيين بمكتب “الخدمات الفنية” في “مجلس الرقة المدني” لعنب بلدي، طالبًا عدم ذكر هويته لأنه لا يملك التصريح للحديث مع الإعلام، إن أعمال إزالة آثار الدمار والمعارك بدأت فور دخول أعضاء المؤسسات إليها، ولكن المدينة ما زالت بانتظار “المزيد من الدعم الدولي” لاستكمال أعمال الترميم المطلوبة لتحولها إلى “مدينة جديدة بنيت على الأنقاض”.

ويقوم مكتب “الخدمات الفنية” بترحيل ألف متر مكعب من الأنقاض يوميًا، وما مقداره 25 ألفًا شهريًا، ما سمح بفتح الطرق الفرعية والرئيسة داخل المدينة وعلى أطرافها، في حين يستفيد من الأنقاض بردم حواف نهر “البليخ” وبعض حفر الطرق، وإنشاء العبارات وإصلاح الجسور التي وصلت نسبة إنجازها إلى 60%، ومن أهمها الجسر القديم الذي يربط مدينة الرقة بريفها الجنوبي وبطريق الرقة – حلب.

وبلغ عدد طلبات الترخيص لإعادة بناء المنازل الشبه المدمرة بالكامل في المدينة 1722 طلبًا، حسب إحصائيات البلدية في الرقة.

“دمار المغول” للبنية التحتية

لم يتصور مدرّس التاريخ أن يرى “دمار المغول”، الذين اجتاحوا بلاد الشام في القرن الـ13 ، أمام عينيه، كما وصف ما عاشته مدينته لعنب بلدي.

أكثر ما أحزن حسين جاويش هو “دمار المدارس”، التي ما زال معظمها بانتظار الترميم، بعد ترميم 90 منها بشكل كامل، وترميم 210 بشكل جزئي فقط، من أصل 394 مدرسة في المدينة، تضم بمجملها 119 ألف طالب وطالبة، “الرقة اليوم تحتاج إلى الكثير. رغم حديث البلدية عن مليارات استخدمت لتأهيل المدينة، فإن الواقع على الأرض لا يتناسب مع الأرقام المالية التي تحدثوا عنها”، كما قال المدرّس الأربعيني.

الوضع الاقتصادي “ليس بالمستوى المطلوب”، في حين “سئم” السكان من تأجيل طلباتهم، على حد تعبير حسين، مشيرًا إلى بقاء “كثير” من أحياء المدينة بلا كهرباء، وبعضها بلا ماء، في حين اتجهت “قسد” لـ”غرس أفكارها” ضمن المناهج التعليمية، بحجة نسف الفكر “المتطرف” الذي فرضه التنظيم.

وكانت شبكة الكهرباء مدمرة بشكل كامل بعد المعارك، ومع عودتها التدريجية ما زالت 40% من الأحياء السكنية غير مخدمة بها.

أما على صعيد القطاع الصحي في الرقة فتتحدث “لجنة الصحة” في “مجلس الرقة المدني” عن استعادة المدينة العديد من الخبرات الطبية التي غادرت بعد سيطرة التنظيم، إذ تضم ثلاثة مستشفيات عامة، هي “الوطني” ومستشفى “الأمراض النسائية والتوليد والأطفال” ومستشفى “الهلال”، إضافة إلى ستة مستشفيات خاصة. وافتتح 27 مركزًا صحيًا ومستوصفًا موزعة على أحياء المدينة وقراها.

ومع عمل سكان المدينة على النهوض بها من جديد إلا أن مشاكلها الأمنية لم تنتهِ بعد، إذ وقعت “قسد” بعد تقدم القوات التركية بعملية “نبع السلام”، في تشرين الأول من عام 2019، اتفاقًا مع النظام السوري برعاية روسية ينص على انتشار قوات النظام على خطوط المواجهة مع الجيش التركي والفصائل المتحالفة معه.

وتعلن القوات ذات القيادة الكردية بين الحين والآخر القبض على “خلايا للتنظيم” أو “خلايا مرتبطة بالنظام السوري”، “تحاول زعزعة الاستقرار”، ويتهم مقاتلوها من قبل الأهالي بالفساد والقمع أحيانًا .

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا