المغالطات المنطقية (4)
حمص – طريف العتيق
سوف نكمل في هذا المقال الحديث عن المغالطات المنطقيّة الشائعة في النقاشات، وهي واحدة من أكثر أدوات التضليل المنطقي، لنستكمل الحديث لاحقًا إن شاء الله عن بعض الأدوات الأخرى.
• مغالطة «وأنت أيضًا»:
هذه المغالطة كثيرًا ما نسمعها على ألسنة الشبيحة الإعلاميين للنظام، وفيها يعتمد المغالط على وجود ما وجّه إليه من النقد في طرف آخر، قد يكون الطرف المحاور أو طرفًا آخر.
فمثلًا تسأل المذيعة أحد أبواق النظام عن الفساد المستشري في كيان الدولة، أو عن استخدام العنف لقمع متظاهرين سلميين، فيرد البوق قائلًا: هذا أمر موجود في كل دول العالم، أمريكا نفسها تعاني من الفساد والرشاوي في مؤسساتها الحكومية، ثم في كل دول العالم يحق للدولة استخدام القوة للدفاع عن نفسها، ألم تفعل ذلك فرنسا لضبط شغب الفرنسيين السود.
أو إذا سئل عن الدور الروسي والإيراني في إدارة القرار السوري، يجيب بأن على المذيعة أن تسأل «مجلس اسطنبول» عن الدور التركي والأمريكي فيه!
وكما نلاحظ في هذه المغالطة يعترف المغالط بالخطأ الموجود عنده، بل ويبحث له عن مبررات، فهل إذا كانت أمريكا تعاني من فساد مالي فهذا يبرر للنظام كونه فاسد ماليًا،
أو كون استخدام العنف أمر مباح لمجرد وجود دول قامت بذلك.
الفساد والعنف غير مبرر من كل الأطراف، لكن المغالط يهرب من إدانة نفسه عن طريق إدانة الآخرين.
• مغالطة «اللعب على المشاعر»:
الفورة العاطفية ليست ضامنًا للحقيقة، بل العكس ربما هو الصحيح، فكثيرًا ما تشكل مشاعر الغضب أو الفرح غشاوة تمنع العقل من إقرار مكان الصواب.
وهذا مشاهد في التلفزيون الرسمي، يعرض التقرير مشاهد للجثث والأشلاء المتناثرة بطريقة فظيعة للغاية، ويعلق قارئ التقرير: هذه هي الحريّة التي يريدون… عن أي حرية يتحدثون.. عن حرية القتل والدماء… الخ
فهنا يلجأ المغالط لاستثارة المشاعر عن طريق الصور المعروضة، لتقرير فكرته عن الحرية، بدلًا من مناقشة الموضوع بطريقة منطقية.
ومن باب النقد الذاتي، فقد نلاحظ أحيانًا اتباع بعض صفحات الثورة على الفيسبوك لنفس المبدأ، فتعرض صور لمذبحة ما، ارتكبت بحق الأطفال والنساء، ويكون التعليق عليها بالدعوة لانتقام طائفي أو الأخذ بالثأر.
لكن لا تعتبر هذه الصور دليلًا على صحة الفكرة المكتوبة، لكنها للأسف تلعب دورًا في إطفاء القدرة العقلية على معرفة الصواب، عن طريق تأجيج المشاعر.
• مغالطة «التعميم المتسرّع»:
وهي واحدة من أكثر المغالطات شيوعًا.
فيلجأ المغالط هنا مثلًا، إلى تعداد بعض «الحقائق» ربما عن بعض شخصيات المعارضة، مثل ذمم ماليّة مشبوهة، أو اتصالات ولقاءات من تحت الطاولة، ثم يخلص إلى نتيجة أن المعارضة فاسدة، وعميلة، وأنها أسوأ من النظام بمئة مرّة.
مثال آخر: يعدد أحدهم بعض الحالات النفسيّة التي شاهدها وتعامل معها من آثار العنف المفرط الذي ينتهجه النظام على الأطفال أو غيرهم، ثم يصل إلى النتيجة قائلًا: لقد دمرت نفسية جيل كامل في سوريا ونحن نحتاج إلى جهود هائلة لترميم هذه الآثار.
مثال آخر: يذكر البعض بعض حالات الزواج الميسر الذي تم إبّان فترة الثورة، ويقول: لقد ساهمت الثورة في تكريس تقاليد اجتماعية جديدة، والخروج من مظاهر الترف والإسراف التي كانت ترافق حفلات الزواج.
ودائمًا السؤال هنا: إلى أي مدى يمكن اعتبار هذه الحالات معبّرة عن الطابع العام للمجتمع؟ إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الشرائح المعروضة ممثلة للطيف الأعم؟
وحقيقة فلا يوجد أي جواب علمي على مثل هذه الأسئلة، لأننا نفتقر إلى لغة الأرقام، والاحصاءات، ومنهجيّة البحث الميداني، لذلك تبقى الأقوال السابقة مجرّد آراء شخصيّة لا يمكن الاعتماد عليها في بناء حقائق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :