عنب بلدي – روزنة
أقدم مجهولون، في 14 من تشرين الأول الماضي، على اغتيال القياديين السابقين في “الجيش السوري الحر”، أدهم الكراد الملقب بـ”أبو قصي”، وأحمد فيصل المحاميد، وثلاثة آخرين كانوا برفقتهما، وجرت العملية بإطلاق نار مباشر، ثم ألقيت قنابل داخل السيارة بعد توقفها في أثناء عودتهم من دمشق إلى محافظة درعا.
اغتيال الكراد ورفاقه، فتح باب التساؤلات مجددًا حول ما ينتظر محافظة درعا، وكيف كان رد الفعل في درعا، وكيف يعيش السوريون فيها، وما وضع المقاتلين في مناطق “التسويات”، وما احتمالات الحسم العسكري من قبل النظام.
طرح برنامج “صدى الشارع” المذاع عبر راديو “روزنة” تساؤلات عدة حول أوضاع السوريين في مناطق “التسويات” بمحافظة درعا، وإلى أين تتجه الأمور في المحافظة، لا سيما بعد الاغتيالات لقياديين عسكريين بارزين.
واستطلع البرنامج آراء عدد من أهالي المحافظات حول ما إذا كانت اتفاقات “المصالحات” و”التسويات” قد منحت الأمن والسلام المجتمعي للأهالي وجنبتهم الاغتيالات في تلك المناطق، وهل أوفى النظام بوعوده، كما استضاف البرنامج اختصاصيين لمناقشة الموضوع.
وأجمع أغلبية أهالي المحافظات أن وضع هذه المناطق سيئ وأنها غير آمنة، وتحدثوا عن الوضع المعيشي الأمني السيئ (اعتقال العائلات، وفرض الإتاوات) ومعاناتهم من نقص الخدمات (كأزمتي الخبز والمحروقات).
وعود النظام بالتحسينات في مناطق “التسويات” إلى أين؟
وعد النظام السوري أهالي مناطق “التسويات” بعد توقيع اتفاق “التسوية” معهم بتأمين الخدمات الأساسية في مناطقهم، والإفراج عن المعتقلين وتوفير السلام والأمن المجتمعي.
وكانت فصائل المعارضة وقعت اتفاق “التسوية” عام 2018 مع القوات الروسية التي ضمنت التزام النظام السوري ببنوده، إذ قضى الاتفاق بترحيل الفصائل المقاتلة الرافضة للاتفاق إلى الشمال السوري “المحرر” والإبقاء على من لا يرغبون بالخروج إلى الشمال.
في اتصال هاتفي مع برنامج “صدى الشارع”، أوضح الصحفي أحمد عبيد، أن الأهالي في مناطق “التسويات” كان لديهم خياران، إما التسوية وإما التهجير، بعيدًا عن “فكرة التنميط” بأن الناس ممن خضعوا لـ”التسويات”، “خانوا الثورة والدماء”.
ولفت إلى أن الغاية من الاتفاق كانت “وقف الدماء والقتال، وتحسين أوضاع الناس ممن بقوا في المنطقة”.
وقال عبيد، إن “مناطق التسويات كانت مقسمة بين أفرع أمنية عدة، وما يجمعها هو تبعيتها وتلقيها الأوامر الخارجية الروسية أو الإيرانية البحتة”.
وضرب الصحفي مثالًا، أن منطقة ريف دمشق “مقسمة بين الأفرع الأمنية”، إذ يسيطر على قسم منها “الأمن العسكري”، بينما تخضع منطقة أخرى لسيطرة “الحرس الجمهوري” وهكذا، وبعد “التسوية” شُكّلت “ميليشيا محلية” وكل ميليشيا تتبع للفرع المسيطر على المنطقة، في حين تشهد تلك القوى صراعًا فيما بينها ما يشكل مشكلة للمدنيين.
وأضاف أنه “لا رقابة موجودة على هذه الميليشيات، فهي متصرفة ولديها سلاح”، وأكد أن “عمليات النهب والخطف والإتاوات المفروضة على الناس ازدادت”، مشيرًا إلى أن الوضع الأمني تراجع عما كان عليه سابقًا إبان سيطرة المعارضة.
أوضاع العقارات في مناطق المصالحات والتغيير الديموغرافي
مع بدء توقيع اتفاقات “التسويات” قبل عامين أو أكثر، بدأ الحديث عن أن النظام السوري يعمل على إحداث التغيير الديموغرافي في هذه المناطق، خاصة في المناطق التي حصل فيها تهجير كامل أو شبه كامل مثل داريا، والزبداني، ووادي بردى، ومناطق أخرى بريف دمشق.
وقال الصحفي أحمد عبيد، إن عمليات بيع العقارات والاستثمار العقاري كانت “ضخمة جدًا” خلال السنوات الثلاث الماضية، وإن عمليات التهجير بريف دمشق التي بدأت منذ 2016 حتى اليوم، تبعتها حركة عقارات ضخمة، بينما لا تزال بعض المناطق مغلقة لا يدخلها أحد.
وتحدث عن القانون رقم “10” الذي يخص هذه المناطق تحديدًا، وضرب مثالاً بمناطق في ريف دمشق، فهناك مناطق تسمى “مشاع” مثل مخيم “خان الشيح” الواقع في الريف الغربي بدمشق، والملكيات فيه قسم منها “وكالات قديمة” وقسم “وضع يد”، وبموجب القانون “10” يمنع على الاشخاص العودة إلى أراضيهم دون وجود إثبات الملكية.
وأشار إلى أن النظام سيطر على مساحات واسعة بريف العاصمة، ولم يحدث بها أي حركة إعمار أو ترميم أو إعادة تأهيل.
ولفت إلى أن الأهالي لمسوا أن هذا التغيير أصبح مشهودًا، ففي مناطق “التسويات” لا يتجاوز عدد سكان المنطقة الأصليين 20% في كامل المنطقة وأن 80% من مختلف المكونات سوريين وغير سوريين، وهم “خليط ضخم جدًا”.
وأكد أن دمشق القديمة أصبحت تضم خليطًا كبيرًا خاصة مع التملك الإيراني الأخير بمحيط المقامات، وهذه مؤشرات على التغيير الديموغرافي في سوريا.
بعد حادثة اغتيال الكراد.. درعا إلى أين؟
قال الصحفي بشر أحمد، إن القيادي أدهم الكراد كان على قائمة فرع الأمن العسكري لاغتيال شخصيات قيادية في الجنوب السوري، لافتًا إلى وجود العديد من الأسماء المخطط اغتيالها.
وحول المسؤول عن تنفيذ الاغتيالات قال أحمد، إنها “ميليشيات أبرمت عقود ارتزاق مع فرع الأمن العسكري”، وإن الفرع أنشأ لواء “القدس”، وهذا الفصيل ينفذ الأعمال “القذرة” التي يخطط لها فرع الأمن العسكري.
وأضاف أنه منذ تسلّم حسام لوقا الملف الأمني في الجنوب السوري، بدأ بتنفيذ استراتيجيته القائمة على الاغتيال وخلق الفوضى في المحافظات الجنوبية الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء.
وعن مستقبل الأوضاع في درعا، قال أحمد، إن استراتيجية النظام في المناطق التي لم تخضع لسيطرته، وهي طفس ومحيطها في المنطقة الغربية، ودرعا البلد، وبصرى الشام في ريف درعا الشرقي، هي ذات الاستراتيجية المتبعة في الصنمين سابقًا، وهي الضغط والتحشيد ثم التهديد بالاقتحام أو عقد “تسوية” جديدة مخالفة لـ”تسوية” 2018، وتسقط فيها كل شروط “التسوية” الروسية، التي تضمن بعض الحقوق لأصحاب الأرض.
و”التسويات” الجديدة التي يفرضها النظام تشمل الاستسلام الكامل، وتجنيد أبناء المنطقة، والانخراط ضمن صفوف النظام.
وتحدث الصحفي أن مقاتلي “الجيش الحر” سابقًا ممن تبقوا في درعا، تبقوا لتمسكهم بأرضهم وأنهم يحاولون المناورة في الهوامش المتاحة كي يبقوا في مناطقهم ولا يهجروا إلى الشمال السوري، مبينًا أنهم يحاولون الحفاظ على المبادئ الأساسية مع عدم الانخراط في قوات النظام، فكان الملجأ الوحيد لهعم هو “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” الروسي.
وبيّن الصحفي أحمد أن بصرى البلد في درعا تابعة لـ”الفيلق الخامس” ومرتبطة بشكل مباشر مع الروس، أما درعا البلد فتحاول البقاء حيادية مع الحفاظ على مبادئ الثورة.
وعن طفس أشار إلى أن الإيرانيين مهتمون بها، ومن تبقى من عناصر الفصائل بها أمامهم مهمة التصدي للوجود الإيراني.
أهالي مناطق “التسويات” بين الخروج أو البقاء
أوضح الصحفي أحمد عبيد أن أهالي مناطق “التسويات” في ريف دمشق والمقيمين في دول اللجوء لا يفكرون بالرجوع إلى سوريا نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، وأما الأشخاص المقيمون داخل مناطق “التسويات” فيحاول كثير منهم الخروج إلى الشمال السوري وخارج الحدود نتيجة الملاحقات الأمنية وزجهم في الخطوط الأولى للمعارك.
وأضاف أن عمليات الخروج من المنطقة كبيرة لكنها صعبة ومكلفة خاصة مع تراجع قيمة الليرة السورية.
أُعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة.
–