بعد ثماني سنوات.. الانطباعات السلبية تخيّم على “الائتلاف”

  • 2020/11/08
  • 8:15 ص

رئيس الائتلاف السابق أنس العبدة في اجتماع مع أعضاء الائتلاف (موقع الائتلاف الرسمي)

عنب بلدي- علي درويش

أتم “الائتلاف الوطني السوري” ثماني سنوات على تأسيسه، مر خلالها بمراحل مؤثرة تمكّن فيها من الحصول على الاعتراف الدولي، ونقاط ضعف تراجع بعدها تأثيره وخيّم عليه غياب النجاعة السياسية.

وعلى مدار السنوات، تبدلت الوجوه التي ترأست الجسم المعارض، وأُنشئت داخله أجهزة ولجان، لتواصل المؤسسة وجودها، لكن دون حضور واسع على الأرض خاصة مع خسارة واسعة للسيطرة العسكرية.

البداية من الدوحة

عُقدت اجتماعات بين مجموعة من السياسيين المعارضين للنظام السوري، وأعضاء من الحراك الثوري في العاصمة القطرية الدوحة، بين 8 و11 من تشرين الثاني 2012، نتج عنها تشكيل “الائتلاف السوري لقوة الثورة والمعارضة السورية”.

وفي 12 من الشهر نفسه، اعترفت دول الخليج العربي بـ”الائتلاف” كممثل شرعي للشعب السوري، وسحبت اعترافها بالنظام الحالي الذي يرأسه بشار الأسد، كما حظي “الائتلاف” باعتراف جامعة الدول العربية بالتمثيل الشرعي للشعب السوري، باستثناء دول الجزائر والعراق ولبنان.

وبقي مقعد سوريا الرسمي فارغًا في القمة العربية منذ 2011 بعد تجميد عضوية دمشق، باستثناء القمة التي انعقدت بالدوحة في آذار 2013، وجلس رئيس “الائتلاف” الأسبق، معاذ الخطيب، على كرسي سوريا في الجامعة.

وبحسب ما نشره “الائتلاف” في موقعه الرسمي، عند تأسيسه، فإنه يهدف إلى تشكيل جسم إداري وتنفيذي لتوحيد دعم القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية و”الجيش الحر”، وإنشاء صندوق دعم الشعب السوري بتنسيق دولي، وإنشاء اللجنة القانونية الوطنية السورية، وتشكيل حكومة انتقالية بعد الحصول على الاعتراف الدولي.

نظرة سلبية تجاه “الائتلاف”.. هل استحقها؟

استطاع “الائتلاف” تحقيق بعض من أهدافه، كتشكيل “الجيش الوطني” بدعم من تركيا، وهو يضم فصائل المعارضة المسلحة، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الاندماج وتوحيد القرار، إضافة إلى عمله التنظيمي في المجالس المحلية التابعة للحكومة “المؤقتة”.

لكنه لم يحقق أي تقدم على صعيد مسألة الانتقال السياسي وتشكيل حكومة انتقالية، لعدة أسباب، أبرزها التعنّت السياسي للنظام السوري المدعوم روسيًا، وهو ما أدى عبر السنوات الماضية إلى إحاطة “الائتلاف” بنظرة سلبية.

السياسي السوري وعضو “الائتلاف” السابق ميشيل كيلو، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “الائتلاف” استحق النظرة السلبية “بجدارة”، لأن أي قيادة أو جهة تمثيلية يجب أن تكون جهة قيادية، والجهة القيادية هي الجهة التي تصدر برامج وخططًا للحراك الذي تمثله، وتقدم له استراتيجيات تتكفل بتوحيده والمحافظة على أهدافه والعمل لتفادي ما قد ينصب له من أفخاخ، إضافة إلى تمهيد طريقه بكل ما هو ضروري للانتصار، و”هذا كله لم تقم به الجهات التمثيلية التي سميت بـ(الائتلاف)، وتولت فعليًا قيادته”.

كما أن “الجهات التمثيلية” لم تكن تمتلك الوعي الضروري لقيادة ثورة، ولم تمتلك الخبرة والمعرفة الضرورية لفهم تعقيدات الوضع الدولي المحيط بسوريا، وفهم تعقيدات الوضع السوري، ومنها عدم وجود علاقات جدية حقيقية بينها وبين الشعب السوري، بحسب كيلو، الذي قال إنه “ليس هناك تقريبًا سوري واحد تلقى خدمة مباشرة من (الائتلاف) كمهجر إلى خارج وطنه، أو كشخص يعيش خارج وطنه بعد أن تم تهجيره”.

وبالتالي، فإن موقف الشعب السوري من “الائتلاف” واقعي، ترتب على الطريقة التي أدار بها “الائتلاف” الصراع مع النظام من جهة، وعلى الطريقة التي بنى بها علاقاته مع الشعب من جهة أخرى.

تقليص المطالب السياسية.. من إسقاط النظام إلى دستور

من الثوابت التي يلتزم بها “الائتلاف” إسقاط “نظام الأسد” بكل رموزه وأركانه، وتفكيك أجهزته الأمنية، ومحاسبة من تورط في جرائم ضد السوريين، بحسب ما نشره على موقعه الرسمي.

لكن عملية الانتقال السياسي في سوريا انحصرت أخيرًا بأعمال اللجنة الدستورية، التي شُكّلت من وفد النظام ووفد معارض واسع التمثيل وآخر عن المجتمع المدني، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2254”.

وينص القرار “2254”، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015، على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.

ويحدد القرار جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويؤكد كذلك دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجري، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.

إلا أن اللجنة الدستورية وبعد سنتين من بدء عملها، لم تحدد جدولًا زمنيًا لأعمالها، على الرغم من عقد ثلاث جلسات، تخللتها عمليات تعطيل ومماطلة وإثارة مشاكل من قبل وفد النظام السوري.

والمشاركون في العملية السياسية من جانب المعارضة، حسب كيلو، ما زالوا يعتقدون أنهم يحققون إنجازات، على الرغم من أنهم منذ 2014 لم يحققوا أي إنجازات على الإطلاق، ولم ينجحوا بحسم أو مناقشة أي قضية لها علاقة بحقوق الشعب السوري، بل أسهموا بالطريقة التي فاوضوا فيها بتغييب القرارات الدولية بالترتيب الذي جاءت به هذه القررات فيما يتعلق بحقوق الشعب السوري، بحسب كيلو.

فالقرارات الدولية تقول إن الحل السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات التنفيذية، بلا وجود للأسد أو رئيس وزرائه، واليوم المعارضة تفاوض “بافتخار شديد” على الدستور، وليس على هيئة حاكمة انتقالية ولا صلاحيات تنفيذية كاملة، علمًا أن الدستور يجب أن يكون من صلاحيات الهيئة الحاكمة التنفيذية بالقرارات الدولية، ما يعني ضياع كل ذلك، بحسب رؤية كيلو.

لكن المتحدث باسم “هيئة التفاوض العليا” (التي ينضوي فيها الائتلاف)، يحيى العريضي، قال لعنب بلدي في حديث سابق، إن الفائدة من اللجنة الدستورية مسألة نسبية حسب الفعل السياسي الحالي، إذ “تحاول (هيئة التفاوض) تثبيت الحق السوري والالتزام بالقرارات الدولية والسعي لتطبيقها، والتجييش بهذا الاتجاه دوليًا بحكم تدويل القضية السورية، والتمترس عند هذا الحق”.

ويقابل ذلك المساعي من قبل النظام وداعميه للتفلت من العملية السياسية ككل، والبقاء على مسألة الحسم العسكري، التي ما زال النظام وداعموه مصرين عليها، بحسب العريضي.

ويعتبر “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أكبر أجسام المعارضة، إذ يمتلك في مناطق سيطرة المعارضة ذراعًا عسكرية متمثلة بـ”الجيش الوطني”، وإدارية متمثلة بالحكومة “المؤقتة”.

عملية سياسية عقيمة.. النظام والروس يحسمون عسكريًا

توقفت العمليات العسكرية للروس والنظام ضد مناطق سيطرة المعارضة، في 5 من آذار الماضي، نتيجة اتفاق “موسكو” الموقع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

ونص الاتفاق على وقف إطلاف النار وإنشاء “ممر آمن” شمال وجنوب طريق حلب- اللاذقية الدولي (M4)، وتسيير دوريات مشتركة، كأبرز البنود.

لكن هذا الاتفاق يتعرض لخروقات تنذر بعودة العمليات العسكرية، وهو ما تكرر على مدار السنوات الماضية.

واعتبر كيلو أن كل ما فعله النظام والروس على المستوى التفاوضي أو العلائقي مع الأمم المتحدة والمعارضة هو عملية سياسية “احتيالية”، لأن بوتين والأسد أعلنا أكثر من مرة أنهما لا يقبلان إلا بالحل العسكري.

ويرى كيلو أن الموقف العام يجب أن يتغير باتجاه ربط العملية السياسية بالحل السياسي، وليس ربط العملية السياسية بفقرة جزئية من الحل السياسي هي اللجنة الدستورية المعطلة والمنعدمة الفاعلية.

وكان الأسد قال في مقابلة مع قناة “زييفردا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية، بداية تشرين الأول الماضي، إن تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بنّاءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، وإنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها “لعبة سياسية”، وأنها ليس ما يركز عليه عموم السوريين، في لقائه مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 من تشرين الأول الماضي.

فالشعب السوري، برأي الأسد، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج إلى تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري.

وهو ما يتقاطع مع رؤية ميشيل كيلو الذي قال، “على ماذا سيتفقون؟ ومتى؟ خاصة بعد أن قال لافروف في دمشق، إن  انتخابات الرئيس التي يجب أن تعقب وضع الدستور مسألة سيادية، لا علاقة لها بالدستور، واللجنة الدستورية ليس لها سقف زمني للتفاوض، ما يترك الباب مفتوحًا للتفاوض إلى ما لا نهاية”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا