سوريا المهددة بخطرين “إيراني” و”كردي متطرف”.. من ينقذها؟
أسامة آغي
لا يحمل عنوان المقال مبالغات سياسية، أو فانتازيا لغوية، ولعل الاستدلال على جزء من هذا العنوان، جاء مع حديث المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، الذي تناول فيه وجود حزب “العمال الكردستاني” (PKK) في سوريا، وأثّر هذا الوجود على مجمل الصراع في هذا البلد، وعلى تنسيق العلاقات الأمريكية- التركية في الوضع السوري، أما الجزء الثاني (الخطر الإيراني) فهو خطر علني موجود في مفاصل الدولة والأرض والثقافة السورية في مناطق النظام، ويهدد لاحقًا الجغرافيا السياسية والبشرية السورية.
جيفري الذي أدلى بتصريحات منذ أيام قليلة، تحدث قائلًا إن بلاده تصنّف حزب “العمال الكردستاني منظمة إرهابية”، مضيفًا “نريد أن نرى أفراده يغادرون سوريا”.
التصنيف الأمريكي لحزب “PKK” ليس جديدًا، والقول بمغادرة أعضاء هذا التنظيم الأراضي السورية دون سياسة أمريكية ملموسة على الأرض، تخصّ هذا الأمر، يمكن تصنيفها على أنها مجرد تصريحات إعلامية، سيما وأن الأمريكيين لا يزالون يقدمون الدعم لهذا التنظيم بصورة مواربة، من خلال نافذة “وحدات الحماية الكردية” (YPG)، التي تهيمن فعليًا على ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ذات المشروع السياسي المسمى “الإدارة الذاتية” في منطقة شمال شرقي سوريا ذات الأغلبية العربية.
اعتراف جيفري بأن وجود حزب “العمال الكردستاني” في الشمال الشرقي لسوريا هو سبب رئيس للتوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وتركيا، هو اعتراف لا يقدّم أو يؤخّر شيئًا في أمر هذا التوتر، ومطالبته بضرورة مغادرة هذا التنظيم الأراضي السورية تحتاج إلى سياسة أمريكية مختلفة عن سياستها الحالية، وتحتاج إلى ما هو أبعد من التصريحات.
إن القول إن وجود حزب “العمال الكردستاني” على الأراضي السورية هو تهديد فعلي لوحدة هذه البلاد، ليس أمرًا يتبع للدعاوى السياسية ضد الحقوق الوطنية السورية للمكوّن الكردي السوري، هذه الحقوق الوطنية يجب أن تشمل كل السوريين بشكل متساوٍ، ولهذا فوجود حزب “العمال الكردستاني” (وهو حزب تقوم عقيدته على بناء فكري يمزج بين القومية والفكر الماركسي الستاليني)، هو وجود مرتبط بمشروع سياسي عابر للحدود، يريد فرض إرادة بناء دولة قومية للكرد الموزعين بين كيانات سياسية عديدة، دون وجود شروط موضوعية وذاتية تخدم بناء هذه الدولة في هذه المرحلة.
إن جيفري يعرف حقائق الديموغرافيا السورية، وتحديدًا في منطقة الجزيرة والفرات، ويعرف أن مساندة بلاده العسكرية لـ”وحدات الحماية الكردية” ستصب في مصلحة البرنامج الانفصالي لحزب “العمال الكردستاني”، فالشق السوري من هذا الحزب والمسمى حزب “الاتحاد الديمقراطي” لم يستطع أن يكون حزبًا وطنيًا سوريًا، ولهذا لا يزال يعاني هذا الحزب من وجود قيادات كردية غير سورية، آتية من خلف الحدود، تقوده، وتخلق شرخًا بين المكون الكردي السوري وبقية السوريين، وفي مقدمتهم الأغلبية العربية الساحقة.
الخطر الإيراني هو الآخر مهدد لوحدة البلاد واستقلالها، باعتباره مشروعًا سياسيًا، يقوم على تحويل المناطق التي يصل إليها ما يسمى “الحرس الثوري الإيراني”، إلى مناطق نفوذ لسلطة “الولي الفقيه” المطلقة. وهذا واضح في سوريا من خلال السيطرة على مفاصل الاقتصاد الوطني، وعملية التشييع الديني، إضافة إلى عمليات التهجير السكاني لسكان البلاد الأصليين، وإسكان أقوام المقاتلين الأجانب القادمين للحرب تحت راية حكام طهران.
إذًا، نحن في سوريا، كشعب وثورة، أمام خطرين حقيقيين كبيرين، الأول هو الخطر الإيراني، والثاني هو الخطر الذي يمثله مشروع حزب “العمال الكردستاني” (PKK) وذراعه السورية “PYD”، هذا المشروع المختبئ خلف ما يسمى “الإدارة الذاتية”، التي هي مقدمة لفصل هذا الجزء السوري عن الأراضي السورية، والقول بوجود الخطرين ضرورة أولى تتطلب خطوات أكبر وأوسع، ولكن ذلك غير كافٍ لمواجهة الخطرين.
إن الخطرين الإيراني والمشروع الانفصالي الكردي، يتطلبان من القوى الوطنية السورية تبني رؤية مختلفة عما لا تزال هذه القوى تتبناه، ونقصد بذلك، البحث عن إطار عمل وطني حقيقي، لا يصطبغ بألوان الأيديولوجيا، أو بالمنافع السياسية القريبة والمؤقتة، بقدر ارتباطه بتثبيت الوطنية على الأرض ممارسة ورؤية.
إن وجود إطار عمل وطني بعيد عن تأثيرات الأجندات الدولية عليه، سيفرض ممارسة سياسية وطنية جديدة من قبل قوى الثورة والمعارضة، تحسب القوى الدولية المنخرطة بالصراع السوري حسابًا لها، بسبب قدرتها على إيقاظ الحماسة الوطنية الثورية لدى الشعب السوري، وتحويل هذة الحماسة إلى برنامج عمل ثوري ووطني، يتصدى للخطرين الداهمين، ويهيئ الدرب أمام إخراج كل القوى الأجنبية من البلاد، وفرض تنفيذ محتوى القرار الدولي “2254”.
إن الخطوات الجارية على الساحة السياسية السورية، من تشكيل أطر سياسية ذات محتوى وطني، لا تزال تعاني من عدم توفر جهد وطني أوسع، يتلاقى حوله أغلب السوريين، فانطلاقة “التحالف العربي الديمقراطي للجزيرة والفرات”، وانطلاقة “المجلس السوري للتغيير” أمثلة.
وكذلك هناك سباق مع الوقت لإطلاق كيانات سياسية أخرى، مثل المبادرة الوطنية لاستعادة القرار والسيادة، وكذلك محاولات لتشكيل تيارات سياسية أخرى، كل هذه الحالات تحتاج ببساطة إلى وضع خارطة طريق وطنية، لإطلاق إطار عمل وطني سوري، يقف على قاعدة الانتقال السياسي من نظام استبدادي إلى نظام تعددي ديمقراطي، ويقف على وضع رؤية ملموسة لكيفية إخراج القوى الأجنبية من سوريا، ولا يكون مرتبطًا بأجندات سياسية إقليمية أو دولية.
إن اتجاه العمل السياسي الذي يريد تغيير نمط الحكم في البلاد، ويريد بناء دولة مدنية ديمقراطية لكل السوريين، هو اتجاه ينبغي أن ينطلق من الإطار الأوسع وطنيًا، ليضم الأطر المناطقية المنسجمة مع هذا الاتجاه، وهذا يتطلب برنامج عمل وطنيًا يتفق عليه السوريون عبر مؤتمر وطني جامع لهم.
إن إزالة الخطرين الداهمين، الكردي الانفصالي العابر للوطنية الذي يمثله وجود “PKK”، والشيعي الإيراني العابر للوطنية السورية، هي مهمة وطنية عاجلة، لا ينبغي انتظار أن تحملها القوى الدولية المنخرطة في الصراع السوري على أنها من مهماتها.
إن مؤسسة المعارضة الرسمية (ائتلاف قوى الثورة والمعارضة) لا تزال غير قادرة على وضع برنامج عمل وطني صرف، يلحظ وضع أسس تغيير هذه المعادلات المتحكمة بالصراع السوري، بسبب بنيتها وطريقة تشكلها في ظروف مختلفة عن ظروف المرحلة الحالية، وهذ يتطلب طرح السؤال الرئيس: من ينقذ سوريا من الخطرين الإيراني والانفصالي الكردي؟ إنه سؤال للعمل وليس لمجرد السؤال، فهل تنفتح قوى المعارضة السياسية السورية على البحث عن جواب ملموس عنه. ربما تحدث المعجزة!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :