عنب بلدي – خولة حفظي
“استيقظ طفلي منذ أول يوم دراسي متلهفًا مصرًا على ارتداء ثيابه المدرسية، كان فرحًا بحقيبته وأغراضه الدراسية الجديدة، لكن مدرسته خطفت فرحته بتوزيع كتب قديمة محلولة على أيدي تلاميذ السنة الماضية”.
تروي بدور الخالد وهي أم لطفل في الصف الأول الابتدائي، “اضطررت لشراء نسخة كتب جديدة لطفلي بمبلغ 6500 ليرة سورية، فالطفل في الصف الأول يجب أن يكتب بدايات الحروف بيديه لا أن يضطر لمحو الكتاب لتكرار الكتابة عليه”.
تشكو بدور مما قامت به وزارة التربية السورية من توزيع الكتب المدرسية القديمة على طلاب العام الحالي في مدرسة ابنها الحكومية، دون استثناء.
الحصار الاقتصادي مبرر الحكومة
في 2 من تشرين الأول الماضي، قال مدير تربية دمشق، سليمان اليونس، إن “الحصار الاقتصادي الجائر والإجراءات القسرية الأحادية الجانب على سوريا كان لها تأثيرها على القطاع التربوي، حيث واجهت طباعة الكتب المدرسية العديد من المعوقات”، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وأوضح أن مدارس دمشق وزعت في البداية نصف كمية الكتب المدرسية للعام الحالي بنسخ جديدة، والنصف الآخر كان من الكتب المستعملة المدوّرة من السنوات الماضية، وذلك لتكون الكتب بحوزة جميع الطلاب، مشيرًا إلى إمكانية استبدال عدد من الكتب المستعملة أو المهترئة.
وأضاف اليونس أن وزارة التربية طلبت من لجنة الكتاب بالمدارس استبدال أي كتاب تالف أو غير صالح، عند الإمكان.
المشكلة متكررة منذ العام الماضي
تحدثت رؤى العبد الله (اسم مستعار لضرورة أمنية) أنها عانت منذ العام الماضي من توزيع الكتاب المدرسي القديم على طفليها في المدرسة.
وأرجعت سبب تقصير أحد طفليها في تحصيله الدراسي، وخروجه إلى الصف الثاني الابتدائي دون إتقان مبادئ القراءة، إلى رداءة الكتاب المدرسي.
وقالت رؤى، “الحلول جاهزة على الكتاب، ويكتفي طفلي بتظليل الخط… مسألة المحو مزقت الكتاب فابتعدنا عنها”، على حد تعبيرها.
وتابعت، “في العام الحالي تكررت نفس المشكلة، ولا أستطيع تأمين نسخ كتب مدرسية جديدة لأطفالي”.
ويعتبر شراء المستلزمات المدرسية من الأمور التي ترهق السوريين، خصوصًا مع ارتفاع أسعار المواد و تدهور قيمة الليرة السورية.
ويتعايش السوريون مع أزمات رئيسة، هي ارتفاع الأسعار، وأزمة الوقود والخبز، وأزمة في النقل سببتها أزمة الوقود، وأزمة الحصول على المازوت الذي لم يوزع حتى إعداد التقرير في جميع أنحاء العاصمة دمشق.
ويعيش تحت خط الفقر 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
ويبلغ متوسط الأجور في سوريا 149 ألف ليرة سورية (60 دولارًا أمريكيًا) في الشهر، وتبدأ من 37 ألف ليرة، بحسب موقع “SalaryExplor”
مناشدات لمراعاة وضع طلاب الصف الأول
فرح الأسعد إحدى المعلمات العاملات في مدرسة حكومية بدمشق، وضحت لعنب بلدي خطورة استخدام الكتاب المستعمل، “لا يصح استخدام الكتاب المحلول مسبقًا لعدة أسباب، منها أنه يعلّم الطالب الاتكال على الغير في حل وظائفه، ويبعده عن أخذ زمام المبادرة في حل الواجب المدرسي لوحده”.
وأضافت، “رفعت إدارة المدرسة الشكوى لمديرية التربية تطلب منحنا كتبًا جديدة للطلاب لكن لم نجد استجابة، والوعود لا تعدو مجرد موافقات خطية”.
وتابعت فرح، “المشكلة الكبرى تتمثل باعتبار أن الطالب في الصف الأول يتعلم مبادئ الكتابة، ويخط حروفه الأولى بعد إتمام حروف منقطة في الكتب، وبوجود الحل انتفت هذه المهارة لدى الطالب”.
وأشارت إلى أن الكتب المستعملة تفقد الطالب مهارة التعلم، وتسهم في تأخره عن أقرانه واتكاله على الحلول الجاهزة، مبينة أن بعض الأهالي اشتروا نسخًا جديدة لأبنائهم، بينما لم يستطع الجميع الحصول على الكتاب الجديد لأبنائهم نظرًا إلى ارتفاع الأسعار والأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.
نسخة الكتب أضعاف العام الماضي
وكان للكتب المدرسية نصيب من ارتفاع الأسعار الذي طغى على عدة مواد في مناطق سيطرة النظام السوري.
وارتفعت أسعار نسخ الكتب المدرسية والمطبوعة من “المؤسسة العامة للطباعة” التابعة لحكومة النظام السوري في العام الحالي.
وقال مدير “المؤسسة العامة للطباعة” في وزارة التربية، زهير سليمان، في 14 من تموز الماضي، إن “أسعار الكتب المدرسية ارتفعت إلى الضعف عن العام الماضي”، وفقًا لما نقلته إذاعة “شام إف إم“.
وعزا سليمان الارتفاع إلى أن كل مواد تصنيع الكتاب مستوردة، ما عدا اليد العاملة هي فقط محلية.
وبيّن أن سعر نسخة الكتب المدرسية كان العام الماضي 7000 ليرة سورية، أما في العام الحالي فوصل سعر النسخة إلى 12 ألف ليرة.
وبحسب التكلفة الحقيقية، من المفترض أن يكون سعر النسخة الواحدة 40 ألفًا، لكنّ هناك توجهًا بإلزامية دعم أسعار الكتب، ولذلك لا يجوز بيعها إلا عن طريق المنافذ التابعة لـ”المؤسسة العامة للطباعة”، على حد تعبير مدير المؤسسة.
ضياع مستقبل جيل كامل
المرشدة الطلابية بيان الجاسم أوضحت لعنب بلدي خطورة توزيع الكتب المستعملة على نفسية الطالب، وقالت، “يبدأ الطالب عامه الدراسي متحمسًا متلهفًا للتعلم واكتساب مهارات جديدة مع أقرانه، لكن مع توزيع الكتب المحلولة مسبقًا يتولد لدى الطالب رد فعل سلبي يجعله يبتعد عن جو الدراسة”.
ولم تستبعد بيان أن يسهم توزيع الكتب المستعملة في تقصير الطالب بتحصيله الدراسي ورفضه الذهاب إلى المدرسة، لافتة إلى ضرورة تلافي المشكلة “التي تهدد جيلًا كاملًا كما تدفعه للعزوف عن التعلم وضياع مستقبله”.