حوار: أسامة آغي
تعد عملية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان عملية مهمة في حاضر ومستقبل سوريا، إذ إنها من الممكن أن تلعب دورًا كبيرًا في عملية محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والتعذيب والاعتقالات بحق المدنيين السوريين.
وتعد “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” واحدة من المؤسسات التي توثق هذه الانتهاكات في عدة مناطق سورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة على هذه المناطق، سواء كانت قوات النظام السوري أم قوات المعارضة أم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ولا تعد عملية التوثيق بحد ذاتها أمرًا سهلًا، إذ إنها تخضع لسلسلة من الإجراءات حتى يتم التأكد من المعلومات الواردة والمُراد توثيقها.
وللحديث عن أهمية التوثيق وطريقته، والانتهاكات في أكثر من منطقة سورية، التقت عنب بلدي بمؤسس ورئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني.
مصادر متعددة للمعلومات
أُسست “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في حزيران 2011، وتعرف عن نفسها بكونها “منظمة غير ربحية ومستقلة”.
ويتضمن الموقع الرسمي للشبكة تقارير شهرية عن عدد الضحايا المدنيين في مناطق النزاع، وتقارير مفصلة عن الاعتقالات وأخرى عن التعذيب.
كما يشمل الموقع الأسلحة المستخدمة بالحرب في سوريا، والاعتداءات على المرافق المدنية، والنزوح والتشريد القسري، والجرحى والمرضى.
ويمكن الوصول بسهولة إلى هذه التقارير، إذ إن تبويباتها موجودة على الصفحة الرئيسة للموقع الرسمي.
ولكن إعداد هذه التقارير ليس أمرًا سهلًا، خاصة مع تضارب المعلومات الواردة من سوريا، ومحاولة أطراف النزاع إثبات صحة وجهة نظرها عبر استغلال أرقام الضحايا، تبرز صعوبة التأكد من دقة الأرقام الواردة لأي جهة تعمل في توثيق الانتهاكات ضد المدنيين في سوريا.
وقال فضل عبد الغني لعنب بلدي، إن مصادر المعلومات التي ترد إلى الشبكة، هي مصادر متعددة متعلقة بمواضيع الانتهاكات، وتختلف بين انتهاك وآخر، معتبرًا أن موقع الشبكة الإلكتروني يُظهر منهجية النشر، وأن لكل تقرير منهجيته.
وأضاف عبد الغني، الحاصل على ماجستير في القانون الدولي من جامعة “دي مونتفورت” في المملكة المتحدة، “بشكل عام نعتمد على المصادر الأولية للحدث نفسه، ونحاول أن نذهب إلى مكان الحدث، فإذا لم نستطع نتحدث مع الناس المتضررين بشكل مباشر من الذين شاهدوه أو الناجين منه”.
ويشرح عبد الغني أن الشبكة تعمل على مقاطعة معلوماتها والروايات التي تصل إليها عن الحدث، بالاعتماد على أكثر من شخص، لمنع حصول أي خلل أو مبالغة، وتكون هذه المعلومات معززة بالصور أو التسجيلات المصوّرة.
ويرى عبد الغني أن “عملية التوثيق هي عملية معقدة ومركّبة”، والغاية من ذلك الوصول إلى أكبر قدر ممكن من دقّة المعلومات.
شبكة داخلية للمعلومات
وحول عملية الحصول على المعلومات المتعلقة بالانتهاكات التي تجري في سوريا، قال فضل عبد الغني، الذي عمل كاستشاري لجلسات عديدة في مفاوضات السلام السورية بجنيف، “لدينا شبكة علاقات محلية خاصة بالشبكة، وهذا طبيعي باعتبار أن الانتهاكات تقع في سوريا”.
ونفى عبد الغني أن تكون لجهات إقليمية أو دولية نشاطات مشتركة مع “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بعملية التوثيق، موضحًا أن هذه العلاقات هي مع منظمات وهي عبارة عن شراكات وليست علاقات عمل لتوثيق الانتهاكات.
ووفقًا للموقع الرسمي للشبكة، تعد الأخيرة “مصدرًا موثوقًا للمعلومات بالنسبة للأمم المتحدة”.
وأوضح عبد الغني علاقة الشبكة مع المنظمات والشركات، وقال لعنب بلدي، إن هذه العلاقات “تساعد الشبكة في نشر تقاريرها، وتساعد في عقد مؤتمرات مشتركة أو وضع تقارير مشتركة”.
كما نفى الحصول على المعلومات مقابل دفع مبالغ للناجين أو الشهود، وقال “إنه يمكن أن يُفهم أننا ندفع كي يقول الناجي أو الشاهد معلومات محددة نريدها، لذلك لا ندفع، بل نسجّل ما يقوله الناجي والشاهد”.
تسجيل انتهاكات كل الأطراف
وحول طبيعة التوثيق الذي تجريه الشبكة، أشار عبد الغني إلى أن عملية التسجيل يومية، وبالتالي يمكن عقد مقارنة بين أحجام الانتهاكات لدى كل طرف لمعرفة نسبها، وبالتالي يمكن إجراء مقارنات حول هذه الجهة أو تلك، من حيث ارتكابها لجرائم “التعذيب والاعتقال التعسفي والقتل”.
وأكد فضل عبد الغني أن نسب الجرائم المرتكبة من قبل هذا الطرف أو ذاك أمر من الضروري ذكره، وهذا يساعد برأيه على معرفة حجم العنف الذي يمارس.
مخيم “الهول” كارثة مستمرة
يقع مخيم “الهول” جنوبي مدينة الحسكة، شرقي سوريا، وأُنشئ في تسعينيات القرن الـ20 لاستيعاب لاجئين عراقيين، قبل أن يتحول إلى مخيم للاجئين سوريين، كما يضم عائلات عناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويقع المخيم حاليًا تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” التي أعادت فتحه في عام 2016 لاستقبال النازحين الفارين من المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وحول الانتهاكات التي تجري في المخيم، بيّن فضل عبد الغني أن الشبكة “أصدرت تقريرًا موسعًا عن مخيم الهول، وما يحدث فيه، لكن (الإدارة الذاتية) تماطل في حلّ الانتهاكات بحق المحتجزين فيه”، بحسب تعبيره.
واتهم عبد الغني “الإدارة الذاتية” بالفشل في إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها، واصفًا إياها بـ”غير القادرة على عمل أي شيء، فهي فاشلة في إدارة المنطقة، وبالتالي فاشلة في إدارة الوضع بمخيم الهول”.
وأكد عبد الغني أنه لا تزال هناك انتهاكات كبيرة لحقوق الانسان، منها احتجاز عشرات الآلاف من الأشخاص، إذ لا يزال هناك بين 50 إلى 60 ألف سوري محتجز في المخيم، ومن أُطلق سراحهم لا يتجاوز عددهم المئات، معتبرًا أن احتجاز الناس في المخيم “غير قانوني”.
وسبق “لمجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) أن كشف عن نيته السماح لجميع النازحين السوريين بالخروج من مخيم “الهول” في محافظة الحسكة، إضافة إلى إصدار عفو عام عن المعتقلين.
وقالت رئيسة الهيئة التنفيذية في “مسد”، إلهام أحمد، في 4 من تشرين الأول الماضي، إن “مسد” عقد اتفاقًا مع “الإدارة الذاتية” يتضمن إخراج جميع السوريين من مخيم “الهول”.
وأضافت أن قرار النازحين السوريين البقاء في “الهول” لن يكون من مسؤولية “الإدارة الذاتية”، أي إنهم لن يكونوا “محتجزين”، مشيرة إلى أن المخيم سيبقى للاجئين الأجانب فقط إلى حين معالجة ملفهم بطريقة أخرى.
ونفت أحمد وجود أي مصلحة لـ”الإدارة الذاتية” في بقاء السوريين وغيرهم بالمخيم، الذي يشكل “عبئًا ثقيلًا على عاتقها” بحسب تعبيرها.
ويقدّر عدد سكان مخيم “الهول” بنحو 70 ألفًا، معظمهم من النازحين ومن عائلات المقاتلين في تنظيم “الدولة”، بينهم نحو 3500 طفل لا يملكون وثائق ولادة.
وتتهم الأمم المتحدة “الإدارة الذاتية”، التي تدير أوضاع المخيم، باحتجاز السكان فيه، خاصة عوائل المقاتلين الأجانب الذين ترفض بلدانهم استردادهم، وتصف الأوضاع الإنسانية داخله بـ”المروعة”.
ويسعى كثير من المحتجزين في المخيم للفرار من ظروفه السيئة، وتُرتكب بحقهم انتهاكات عنصرية، تحت مسمى (عوائل داعش)، بحسب عبد الغني، وكذلك هناك غياب لخدمات أساسية في “الهول” مثل الصرف الصحي.
وتساءل عبد الغني عن إنفاق موارد النفط والغاز والزراعة، معتبرًا أن “الإدارة الذاتية” لا تنفق على المواضيع المدنية، متهمًا إياها بأنها “مجرد سلطة عسكرية”.
ويتعجب عبد الغني من سلوك هذه الإدارة وردود فعلها نحو تقارير شبكته أو غيرها فيقول: “بدلاً من الاعتراف بالانتهاكات وتصحيح الوضع، تلجأ (الإدارة الذاتية) إلى الإنكار وإلى شن الهجوم الكلامي والتهديدات بحق واضعي التقارير التي تخص انتهاكاتهم لحقوق الإنسان”، بحسب تعبيره.
وسبق لرئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مسد”، إلهام أحمد، أن قالت في تصريحات صحفية في تشرين الأول الماضي، إن “الإدارة الذاتية” أنفقت “مبالغ باهظة” لتأمين الاحتياجات اليومية للمخيم، إضافة إلى وجود “مشاكل يومية من حالات اغتيال واغتصاب وغيرها”.
كما أكدت أحمد حينها أن “المجلس التشريعي في الإدارة الذاتية” يدرس إصدار عفو عام عن المعتقلين وفق ضوابط أصولية وقانونية محددة.
–