أعاد الزلزال الذي ضرب ولاية إزمير التركية أخبار الزلازل إلى واجهة شاشات القنوات التركية، وتصدر قائمة الأخبار “الأكثر تداولًا” في مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تخوف من احتمالية حدوث زلازل مشابهة في المنطقة.
هذا التخوف ربما ينبع من عدم جهوزية العمران في تركيا لهزات أرضية، فعلى سبيل المثال، إن وقع زلزال على درجات عالية على مقياس “ريختر” في ولاية اسطنبول، فقد تكون النتائج كارثية، خاصة أن هذه الولاية معظم أبنيتها مضت عقود على عمرانها.
وفي 30 من تشرين الأول الماضي، ضرب زلزال بلغت قوته 6.6 درجات على مقياس “ريختر” ولاية إزمير غربي تركيا.
وأعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD) وفاة 79 شخصًا في الزلزال، إلى حين ساعة كتابة الخبر.
وتسبب الزلزال بدمار ستة مبانٍ بالكامل، بالإضافة إلى خسائر كبيرة لحقت بتسعة مبانٍ، وخسائر متوسطة تعرض لها 260 مبنى.
وزار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 31 من تشرين الأول الماضي، إزمير لمتابعة عمليات البحث والإنقاذ، وصرح أن الحكومة خصصت 24 مليون ليرة تركية للمنطقة المنكوبة، وستستمر بتوجيه الأموال حسب الحاجة.
عوامل تسهم في تساقط الأبنية
تتعدد الأبنية في طرق بنائها، فمنها ذات الهيكلية المترابطة التي تدوم أكثر في وجه الزلازل، وأخرى حجرية وهي أكثر عرضة للانهيار، وغيرها.
ويوضح المهندس المعماري الاستشاري محمد مظهر شربجي، في حديث إلى عنب بلدي، أن متانة البناء تتعلق بالترابط بين الأعمدة والسقف والأساسات، مشيرًا إلى أن الأبنية الحجرية (كما في حلب) تنهار عند أول أذية تصيب المبنى، لأنها تعتمد على تراص الحجر ببعضه أكثر من ارتباطه بهيكلية مكونة من أساسات وجسور.
وإذا كان تصميم البناء غير مدروس بشكل صحيح فقد يتعرض للانهيار في الزلازل، بسبب خلل فني ما (كنقص حديد)، كما أن المخالفات أو الغش من قبل القائمين على العمران قد تؤدي إلى ذات النتائج، كما الأبنية التي تنهار كل فترة في مصر.
قِدم الأبنية له أثر على متانتها أيضًا، فلكل بناية عمر، بحسب شربجي، الذي أوضح أن الأبنية “البيتونية” عمرها الافتراضي نحو 50 عامًا، لافتًا إلى أن الأبنية القديمة التي لم تجرِ عليها دراسات تخص الزلازل تكون عرضة للانهيار أيضًا.
وبطبيعة الحال، مهما جرت مراعاة الأسس الهندسية والعلمية في إنشاء الأبنية، فإن لها حدًا أعلى للصمود في وجه الزلازل.
وأوضح شربجي أن من درجة 5.5 إلى ست درجات على مقياس “ريختر” تبدأ الأبنية بالانهيار بشكل جزئي، ومن 6.5 إلى سبع درجات تنهار الأبنية كليًا، وفي الثماني درجات وما فوق تتشقق الأرض وتدمر البنى التحتية والجسور والأنفاق.
وتعد الأبنية العالية أكثر عرضة للانهيار من المنخفضة، حتى لو كانت مدروسة بشكل كامل في تخطيطها، بحسب شربجي، موضحًا أنه إذا كان لدينا بناءان مدروسان زلزاليًا، أحدهما منخفض والآخر مرتفع، فإن الأخير أكثر عرضة للانهيار.
بين التقليدي والمبتكر.. تقنيات عمرانية للحد من الكارثة
هناك دراسات هندسية خاصة للأبنية فيما يتعلق بحوادث الزلازل، فإذا حوت الأبنية جدرانًا مسلحة (بيتون) فإنها تجعل البناء يصمد أمام الزلازل إلى حد ما.
وأشار شربجي إلى أن هناك اشتراطات هندسية تحكم طريقة تشييد المباني في العالم، فإما تكون هذه الاشتراطات بحدودها الدنيا، في مناطق لا تنشط فيها الزلازل، وإما في حدودها العليا بالمناطق الزلزالية، بمعنى أن الأبنية تُدرس بشكل كامل لتصبح مهيأة لمقاومة الزلازل (كما اليابان).
بدوره، أوضح المهندس المدني بشار طه المقيم في تركيا، أن بعض الدول، كاليابان، تتبع في عمرانها نظام “المخمدات” للزلازل، وله نوعان، الأول في أسفل البناء، وآخر يثبت في أعلاه، وهدفهما تقليل سعة الاهتزاز الناتجة عن الزلازل، عن طريق تطبيق قوة مقاومة لجهة اهتزاز البناء في أثناء الزلزال، وبالتالي تخفيف إمكانية اتساع الحركة في الطوابق المرتفعة وفي المبنى بشكل عام.
ففي النوع الأول تثبت العوازل في أسفل أساسات البناء، وتعتمد التقنية هذه غالبًا في الأبنية العامة، كالمدارس ودوائر الدولة. وأشار المهندس المدني إلى أن هذه العوازل تطبقها الحكومة التركية في العديد من الدوائر العامة، مبينًا أن تكلفة هذه العوازل باهظة، لذا يصعب تطبيقها في كل بناء على حدة.
أما النوع الثاني من العوازل، فيثبت في الطوابق الأخيرة من الأبنية، وقال المهندس المدني إن هذا النوع من العوازل هو الأنسب للأبنية الشاهقة (ناطحات السحاب)، ويؤدي ذات وظيفة النوع الأول.
–