عنب بلدي – خاص
بعد مبادرات ومحاولات أجرتها فصائل المعارضة لتشكيل جسم عسكري موحد في مناطق سيطرة المعارضة، أعقبتها محاولات وضغط تركي، نجح بعضها في تشكيل تجمعات عسكرية تحت مسميات مختلفة، إلا أنها كانت عمليات توحيد وليست اندماجًا، وهو ما يفتح بابًا سهلًا لفشلها لاحقًا، وعدم انضباطها.
على الرغم من وجود كثير من التجارب على مستوى التنظيم العسكري، فشلت جميعها لأسباب كثيرة، منها “هيئة الأركان الأولى” و”الثانية”، وكثير من التجمعات وغرف العمليات، حسب حديث القيادي في “الجيش الوطني”، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، لعنب بلدي.
وتسعى “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ الأكبر في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، و”فيلق الشام”، و”الجبهة الوطنية للتحرير”، لتشكيل مجلس عسكري موحد لإدارة العمليات العسكرية في محافظة إدلب وجزء من أرياف اللاذقية وحلب الغربي وحماة الشمالي، الخاضعة لسيطرة المعارضة.
ويعتبر المجلس العسكري مرحلة أعلى من التنسيق والإدارة الموجودة حاليًا في غرفة عمليات “الفتح المبين”، التي تضم “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية” و”جيش العزة”، لكنه لا يصل إلى مرحلة الدمج والانصهار، وبالتالي اختفاء أسماء التشكيلات الداخلة في المجلس العسكري الموحد، وظهور اسم جديد.
حاولت عنب بلدي الوصول إلى معلومات تفصيلية عن التشكيل، لكن لم تلقَ ردًا من المكتب الإعلامي لـ”الجبهة الوطنية”، بينما اعتذر مسؤول التواصل في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، عن عدم التصريح وفق توجيهات بعدم التصريح حاليًا عن تشكيل المجلس العسكري الموحد حتى تنتهي مراحل الاتفاق بين الفصائل.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، تضم قيادة المجلس العسكري الموحد ممثلين، هم النقيب عناد درويش الملقب بـ”أبو المنذر” من “أحرار الشام”، و”أبو حسن 600” من “هيئة تحرير الشام”، ومحمد حوراني من “فيلق الشام”.
العمل على الأرض يحكم النجاح والفشل
أوضح النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أنه لا يمكن الحكم على فشل أو نجاح المجلس العسكري إلا من خلال العمل على الأرض، مشيرًا إلى أن الأساس في فشل أغلب المشاريع هو التعصب للفصائلية، وتقديم مصالح الفصيل.
وقال عبد الرزاق، “لا أفهم جدية بناء جسم عسكري قوي قادر على حماية الأرض والثورة، إلا بغياب التسميات وبناء مؤسسة عسكرية وفق معايير الجيوش”، وعدا ذلك فالأمر هو تكتيك لمرحلة من المراحل.
ولفكرة توحيد الجهود العسكرية في إطار تنظيمي واحد انعكاسات على تحسين الاستجابة للمخاطر العسكرية، في حال كان هناك تفاهم وتناغم بين مكونات المجلس، وتولت قيادة عسكرية صاحبة كفاءة تنظيم تحركاته على الأرض، حسب حديث مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، لعنب بلدي.
واستبعد سرميني أن يحصل دمج وصهر بين فصائل المجلس العسكري إلا في حال القناعة التامة لمختلف التشكيلات بأن تعمل ضمن كيان واحد، بالإضافة إلى توحيد الموارد المالية واللوجستية وحصرها بيد قيادة متفق عليها.
ويعتبر “جيش الفتح” أبرز التشكيلات العسكرية التي نتجت من توحيد عدة فصائل عسكرية في 24 من آذار 2015، وكان له دور كبير في سيطرة المعارضة على محافظة إدلب، عام 2015، ومعارك فك الحصار عن مدينة حلب في 2016.
إضافة إلى “الجبهة الوطنية للتحرير” التي شُكّلت، في أيار 2018، من 11 فصيلًا من قوات المعارضة، أبرزها “فيلق الشام” و”حركة أحرار الشام” و”لواء صقور الجبل”.
وتنضوي “الجبهة الوطنية” ضمن “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، الذي شُكّل في كانون الأول 2017، ويتبع لقيادة الأركان في “الحكومة السورية المؤقتة”.
“تحرير الشام”.. استغلال للمجلس أم توحيد جهود
الباحث عبد الوهاب عاصي، قال عبر قناته في “تلجرام”، إن “تحرير الشام” تحاول أن تستثمر المجلس العسكري في قضيتين أساسيتين، الأولى هي استخدامه كمناورة لتفادي الضغوط التي قد تتلقاها من تركيا لحلها، إذ يمكن أن تقدم المجلس على أنه كيان جديد، لكن في ذات الوقت تبقى هي صاحبة الكلمة العليا فيه.
والقضية الثانية، سعي “تحرير الشام” إلى استثمار المجلس في شرعنة الدور السياسي لتصبح مقبولة دوليًا، باعتبار أن المجلس لن يكون باسم “تحرير الشام”، فهي ستعلن لاحقًا عن تمثيل سياسي لفصائل إدلب.
ويرى الباحث محمد سرميني أن المجلس العسكري على الأرجح وسيلة من وسائل تكريس “تحرير الشام” هيمنتها في إدلب على حساب الفصائل الأخرى، التي سيضعف نفوذها وثقلها العسكري، خاصة مع وجود جناح داخل “أحرار الشام” يؤيد التماهي الكامل مع رؤية “تحرير الشام” بما يخص عمل المجلس العسكري.
وهذا الجناح، حسب سرميني، بات يلقى دعمًا من “تحرير الشام”، واستأثر بتمثيل “أحرار الشام” ضمن المجلس العسكري، أي يمكن القول إن “تحرير الشام أصبح لها ضمن المجلس العسكري صوتان مقابل صوت واحد للجبهة الوطنية للتحرير”.
وشهدت “حركة أحرار الشام” انقسامًا داخليًا بين مؤيد للقائد العام، جابر علي باشا، وحسن صوفان الذي عاد اسمه لقيادة الحركة بعد رفض قائد الجناح العسكري “أبو المنذر” قرار القيادة بفصله، وتسمية صوفان قائدًا للحركة، وهو ما اعتبره الباشا انقلابًا على قيادة الحركة.
واُتهمت “تحرير الشام” بدعمها “أبو المنذر” وصوفان على حساب القيادة العامة، إلا أن “تحرير الشام” نفت دعمها أي جناح ضد الآخر.
وفكرة تشكيل المجلس العسكري الموحد، بحسب ما قاله الباحث عباس شريفة في حديث سابق إلى عنب بلدي، تعود للقيادي حسن صوفان، بينما دعا إليها “مجلس الشورى” في إدلب رسميًا في أيار الماضي.