بسام الأحمد
يصادف العام 2020 الذكرى الـ46 لواحد من أكبر مشاريع التغيير الديموغرافي في سوريا قبل عام 2011، وهو ما اصطلح على تسميته بمشروع “الحزام العربي”، الذي نفّذ تحديدًا بالمناطق الشمالية الشرقية من البلاد، التي عُرفت بتنوعها القومي والديني منذ مئات السنين.
إذ أصدرت “القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي” في عام 1974 القرار رقم “521” المتضمن البدء بتنفيذ المشروع، الذي تم بموجبه استقدام آلاف الأسر العربية ممن غمرت بحيرة “الأسد” أراضيهم، لغرض توطينهم في قرى نموذجية بنيت على أراضٍ تم الاستيلاء عليها بموجب قوانين “الإصلاح الزراعي”، الصادرة في زمن الوحدة بين سوريا ومصر، كما شملت الخطة غير المعلنة ترحيل الكرد المقيمين في قرى تدخل بنطاق هذا “الحزام” إلى مناطق أخرى خارجه، بهدف فصل الكرد السوريين عن كرد العراق وتركيا، وهو ما نبهت إليه منظمات حقوقية دولية، منها منظمة “هيومن رايتس ووتش“.
وبالنظر إلى المقاربات التي أنتجها النزاع السوري حول قضايا التملّك والاستيلاء، يُلاحظ اعتمادها التركيز على الانتهاكات التي وقعت بحق ملكيات السوريين بعد العام 2011، رغم أن أحد أسباب الانتفاضة والنزاع لاحقًا، هو وجود قضايا عالقة لم يتم حلها أو البتّ فيها من قبل الحكومات السوريات المتعاقبة، خاصة تلك المتعلقة بالكرد السوريين ومناطقهم في سوريا.
لقد وُضعت أولى لبنات التغيير الديموغرافي في القسم الشمالي من محافظة الحسكة، وغرب منطقة تل أبيض بمحافظة الرقة، ومنطقة عفرين بمحافظة حلب، بمرحلة قيام “الجمهورية العربية المتحدة” بين سوريا ومصر، وإعلان قانون “الإصلاح الزراعي” رقم “161” لعام 1958، الذي حدد سقف الملكية وصادر المساحات الزائدة عنه في عموم سوريا، إلا أنّ طريقة تطبيقه في المناطق ذات الأغلبية الكردية ارتبطت بدوافع وغايات سياسية بدت جلية في السنوات والمشاريع التي أعقبت صدوره.
إذ تم الاستيلاء بشكل تعسفي على أملاك الملاكين الكرد بنسبة أكبر من بقية المكونات، ومنحها لعشائر عربية، في أثناء تنفيذ مشروع “الحزام العربي”، الذي امتدّ على مساحات شاسعة من الأراضي السورية الملاصقة للحدود التركية، بطول بلغ نحو 300 كيلومتر (بدءًا من منطقة المالكية/ ديريك حتى الحدود الإدارية مع محافظة الرقة، غرب منطقة رأس العين/ سري كانيه) وبعرض وصل إلى 23 كيلومترًا، وبموجبه تم استقدام حوالي أربعة آلاف أسرة من أبناء العشائر العربية في ريفي حلب والرقة، من قرى غُمرت أراضيها بالمياه التي اجتمعت خلف سد “الفرات”، ليبدؤوا “حياة جديدة في حوض الفرات”، وفقًا لتعبير الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح السد.
وما زاد الأمور تعقيدًا كان إجراء الحكومة السورية إحصاء استثنائيًا للسكان في محافظة الحسكة عام 1962، جرد عشرات آلاف الكرد السوريين من جنسياتهم، وهو ما أدى إلى استحالة إثبات ملكية الأراضي للملاك الذين جُردوا من جنسيتهم، إلى جانب عدم حصول الفلاحين المجردين من الجنسية على أراضٍ تم توزيعها بموجب قانون “الإصلاح الزراعي” رقم “161” وتعديلاته اللاحقة.
ويشكل تطبيق مشروع “الحزام العربي” خرقًا واضحًا للدستور السوري، إذ تنص المادة “15” من الدستور الدائم لعام 1973، وهو الدستور الذي تم في ظله تنفيذ الجزء الأكبر من المشروع، على حظر انتزاع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل، كما أنه يخالف مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وفقاً للمادة “25” من الدستور ذاته.
ونظرًا لما يحمله موضوع رد الممتلكات والحفاظ على حقوق الملكيات العقارية من أهمية في مسار الحل السياسي، والعدالة الانتقالية، وعودة اللاجئين والنازحين، سيكون من الضروري وضع قضية مشروع “الحزام العربي” وغيره من المشاريع التمييزية على جدول أعمال اللجنة الدستورية، والمفاوضات السياسية، واقتراح حلول منصفة لجميع الضحايا دون استثناء، مع ضمان إعادة الممتلكات المسلوبة إلى أصحابها الأصليين في جميع المناطق السورية، والوقوف بوجه إحداث مشاريع تمييزية أخرى بحق الكرد وبقية مكونات الشعب السوري في أي منطقة سورية كانت، حاليًا وفي المستقبل.
–