فن معاصر.. على ظهر لاجئ سوري
نبيل محمد
صفقة غريبة من نوعها يجريها فنان عالمي مع لاجئ هارب من بلاده (سوريا)، يحلم بتأشيرة يخرج باستخدامها من لبنان، ذلك المكان المؤقت الذي يضم مئات آلاف الحالمين بتأشيرة أوروبية. سيسلّم اللاجئ ظهره للفنان الذي يريد أن ينحت وشمَ لوحة عليه، ويعرضه في متاحف عالمية، مقابل منحه التأشيرة إلى بلجيكا. صفقة مليئة بالخاسرين على صعد كثيرة، باستثناء القائمين على الفيلم الذي قدمها، وهو “الرجل الذي باع ظهره” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، التي دخلت فيه مهرجان “فينيسيا” الأخير بقوّة، لتحصد جائزة أفضل ممثل للسوري يحيى مهايني، وجائزة أديبو كينج للإدماج.
شطحة من شطحات الفن المعاصر التي لا تبدو غريبة، بل وقد تكررت في أكثر من مكان، بمعنى أن مخرجة الفيلم لم تكوّن هذه الصورة في خيالها، إنما استحضرتها من الواقع، لتركّبها ضمن قالب مليء بالنقائض والمفارقات، فقد يبدو استخدام الجسد لعرض فني تجاري، قضية ليست بحاجة إلى اهتمام وقراءة أخلاقية معمّقة، فعارضات وعارضو الأزياء يملؤون دور العرض في العالم، إنما الوضع مختلف هنا، إنه استخدام كامل للجسد، من منطلق استغلال حاجة هذا الجسد إلى الهجرة بحثًا عن الحياة، وتسخيره ليعرض منتجًا فنيًا معاصرًا يحاكي قضية اللاجئين بشكل ما، فالوشم الذي ينحته الفنان على ظهر اللاجئ تعلوه كلمة “visa”.
ترميز واضح المعالم وفج في بعض الأحيان، إلى مدى تحويل قضية اللاجئين إلى سلعة تجارية عابرة للحدود، تستخدم في الفن والسياسة والاقتصاد، فكما يستخدم الفنان “جيفري غودفرا” لوحته على ظهر اللاجئ “سام علي”، ويعرضه في المتاحف، بل وفي مزاد علني يصل فيه سعر اللوحة (الظهر) إلى خمسة ملايين يورو، هناك مزادات أخرى لقضايا اللاجئين، بين من يهدد باستخدامهم كموجة بشرية عاصفة تملأ المدن الأوروبية إن لم يتم الاتفاق حول قضايا سياسية معينة، ودفع مبالغ تعوّض احتضانهم، ومن يبرر تحت عنوان استضافتهم كل أزمات بلاده وحرائقها وتفجيراتها بل والقمامة المنتشرة في شوارعها، ومن يستعرض بمدى قدرته على دمج اللاجئين في بلده، محوّلًا الدمج إلى قضية انتصار على فقر وضعف اللاجئ، وعدم قدرته على تقرير مصيره.
يبحث الفيلم، الذي يحمل فكرة وقضية غاية بالأهمية والاستثنائية، عن حوامل أخرى تنهض بالحكاية، أو تعرضها بطريقة أكثر حيوية وسينمائية، فيأتي بالقصص الجانبية الواقعية التي تساعده على الاستمرار مدة ساعتين إلا ربعًا، فنجد قصة حب تركها اللاجئ خلف ظهره، فعادت من جديد ترتئي أمامه بعد أن تحول إلى عمل فني، وعائلته التي ما زالت في سوريا تبحث عن رد يمكن أن يقيها نظرات الأقارب والجيران حول ما فعله الابن ليحصل على التأشيرة. نجد كل هذه الحكايات المرافقة ضعيفة نسبيًا غير قادرة على مواكبة القصة الأساسية، بينما يقع الفيلم في مغبّة المآلات، ويطرح على نفسه سؤالًا: حسنًا وقد تم عرض اللاجئ في المتحف، وبيعه، وتقديم شكل مفعم بالاستهلاك للفن المعاصر، وقمة في الانحطاط الأخلاقي الإنساني. ماذا بعد؟ كيف سيتم حل هذه المشكلة؟ هل نبحث عن حرية الضحية وخلاصها مما حل فيها؟ أم نبشّر بخلود الجناة؟
يذهب الفيلم إلى مكان تجاري أيضًا، خاصة في محاولته ختام الحكاية، تلك التي ليست بحاجة إلى إغلاق أبواب وستائر بهذا الإحكام، فتحضر في النهاية قضية العودة إلى الوطن كشرط من شروط الحصول على الحرية، بل والغوص في وحل هذا الوطن المدمَّر، واستخدام الرايات السوداء والإرهاب واللحى الطويلة، الاستخدام الذي لا بد أن له مكان مدروس يقوّي قدم الفيلم على السجادات الحمر في المهرجانات العالمية، وأصابع القائمين عليه على مجسمات الجوائز.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :