بعد توسيع رقعة الدمار.. المخطط التنظيمي للقابون لا يعبأ بحقوق الأهالي

  • 2020/10/31
  • 5:43 م
المخطط التنظيمي لحي القابون بدمشق، تعديل عنب بلدي، 2020.

المخطط التنظيمي لحي القابون بدمشق، تعديل عنب بلدي، 2020.

“لقد قاوم منزلنا جميع أنواع القصف الذي تعرض له حي القابون على يد قوات النظام السوري، وظل قائمًا في مكانه ككثير من المنازل لحين خروجنا من الحي، لكن النظام كان قد أخد قرارًا بهدم كل المنطقة وتغيير ملامحها بهدف تنفيذ مخططه”، بهذه الكلمات وصف سامي (اسم مستعار) من أهالي القابون ما حلّ بمنزله الذي وصلت إليه أخبار تفجيره بعد صموده طوال سنوات الحرب، وقد سُوّيت المنازل المحيطة به بالأرض، واختفت جميع المعالم.

وقال سامي لعنب بلدي، “عند دخول الجيش إلى القابون، حرق كثيرًا من المنازل، وكان لمنزلنا نصيب من ذلك، إذ طالت الحرائق إحدى غرفه، وبعد أربعة أشهر من خروجنا من المنطقة، تمكّن والدي من دخول الحي برفقة بعض الأهالي، وكانت البيوت التي لم تُدمّر جراء القصف لا يزال معظمها قائمًا بما في ذلك منزلنا”.

وأضاف، “لكن وبعد نحو أسبوع من الزيارة، أرسل لنا أحد الأصدقاء صورة تظهر دمارًا كبيرًا، وعلّق (هنا كانت حارتكم)، لقد لغّم النظام جميع البيوت التي كانت قائمة وفجرها وقام بتجريفها”.

“كانت المرة الأولى التي أرى فيها دموع والدي هي عندما شاهد منزله مهدمًا ولم يبتقَّ منه شيء، وقد تحول (شقا عمره) وحارته وماضيه ومستقبله إلى تراب”، تابع الشاب الدمشقي.

خراب متعمّد طال حي القابون بدمشق، منذ سيطرة النظام عليه منتصف عام 2017، من خلال عشرات التفجيرات التي استهدفت ما تبقى من المنازل والأبنية بمناطق متفرقة منه، تمهيدًا لتنفيذ المخطط التنظيمي الذي أعلنت عنه حكومة النظام، ولاقى استياء كبيرًا من الأهالي واعتراضًا على تنفيذه.

ورغم الضبابية المحيطة بموعد البدء بتنفيذ المخطط، الذي بقي حتى الآن حبرًا على ورق، يعتقد سامي أن النظام لن يتراجع عن تنفيذه، نظرًا لأهمية الموقع الاستراتيجي الذي تتحلى به المنطقة، وأنه قد يستمر بالمماطلة سنوات عدة حتى يصبح قادرًا على ذلك، مشيرًا إلى أن جهات مقربة من النظام تعمد حاليًا إلى شراء الأراضي من الأهالي بأرخص الأسعار عبر وسطاء من تجار الحي.    

وستتعقد الأمور أكثر مع طول أمد تنفيذ المخطط، إذ سيصبح من الصعوبة بمكان تعويض المالكين عن أراضيهم وعقاراتهم التي خسروها، مع وفاة بعضهم وانتقال ملكياتهم إلى عشرات الورثة الذين تشتت شملهم بين الدول، بينما تعرض آخرون للاعتقال والاختفاء القسري، وفقًا لسامي.                                  

سيطر النظام على حي القابون بدمشق في أيار من عام 2017، بعد “تسوية” أفضت إلى تهجير قسم كبير من أهالي الحي إلى الشمال السوري ومناطق أخرى في دمشق واعتقال آخرين، وذلك في أعقاب قصف استهدف الحي لسنوات، وأدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا ودمار واسع.

وعملت حكومة النظام على تهيئة منطقة القابون لمخططات تنظيمية، إضافة إلى مناطق أخرى في محيط دمشق، من خلال تفجير وإزالة الأبنية في الحي، ومنها أبنية طابقية يصل ارتفاعها إلى 15 طابقًا.

وأعلنت حكومة النظام مرات عدة عن عمليات تفجير في مناطق القابون وجوبر لما تقول إنها “أنفاق ومخلفات المسلحين”.

توسيع رقعة الدمار

تظهر صور خرائط “جوجل” مساحات الدمار الكبيرة في حي القابون، نتيجة ما تعرض له من قصف ومعارك.

لقطة لحي القابون من خرائط “جوجل” بتاريخ 6 من أيار 2017.

وتبدو الزيادة الواضحة في نسبة الدمار بالحي بعد تهجير الأهالي بسبب عمليات هدم وتفجير الأبنية المتعمدة من قبل النظام، التي طالت بالأخص المساحات المتضمنة بالمخطط التنظيمي المقترح.

لقطة لحي القابون من خرائط “جوجل”، بتاريخ 2 من تموز 2017.

لقطة لحي القابون من خرائط “جوجل” بتاريخ 30 من أيلول 2019.

لا سكن بديلًا لسكان القابون

وكانت محافظة دمشق وافقت، في 25 من حزيران الماضي، على إعلان المخطط التنظيمي لمنطقة القابون والمصور التنظيمي لمخيم “اليرموك” في دمشق خارج إطار القانون رقم “10”. 

وأكدت المحافظة أن المخطط سيطرح للعموم لتلقي الاعتراضات من أصحاب الحقوق وأهالي المنطقة، وستدرس الاعتراضات وتجري معالجتها وتعديل الدراسة وفقها، وذلك قبل إحالة المخطط النهائي إلى وزارة الاشغال العامة والإسكان من أجل تصديقه وإصدار مرسوم تنظيمي للمنطقتين وفق أحكام القانون رقم “23” لعام 2015، الذي ينص على “تنظيم عملية تهيئة الأرض للبناء، وفق المخطط التنظيمي العام والمخطط التنظيمي التفصيلي في المخططات التنظيمية المصدقة كافة بأحد الأسلوبين التاليين، التقسيم من قبل المالك، والتنظيم من قبل الجهة الإدارية”.

وفي 6 من تموز الماضي، أعلن مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق، معمر دكاك، أن أهالي القابون ومخيم “اليرموك” لن يحصلوا على سكن بديل نتيجة تنظيم المنطقتين، وفق المرسوم التشريعي رقم “5” لعام 1982، مشيرًا إلى أنه ستكون لهم أسهم تنظيمية.

وينص المرسوم على وضع وزارة الإسكان والمرافق أسس التخطيط العمراني، بهدف تلبية متطلبات التجمعات السكانية ضمن الإمكانيات المتوفرة.

وأرجع دكاك سبب عدم منح السكن البديل إلى العبء المالي الكبير الذي وقع على محافظة دمشق، من دفع بدل الإيجار للسكان الذين تم إجلاؤهم، وعدم تمكنها من تأمين التمويل اللازم لتشييد السكن البديل، في إشارة إلى مشكلة السكن البديل في تنظيم “ماروتا سيتي”، الذي لا يزال متعثرًا بعد ثماني سنوات من الإعلان عنه.

أكد مدير مديرية التنظيم والتخطيط العمراني في دمشق، إبراهيم دياب، في 14 من أيلول الماضي، تلقي نحو 2800 اعتراض من الأهالي على المخطط التنظيمي لمخيم “اليرموك”، لافتًا إلى ورود كتاب بالموافقة على “التريث” بإجراءات الدراسة والتصديق من قبل رئاسة مجلس الوزراء، بحسب ما نقلته صحيفة البعثالحكومية.

وأضاف دياب أن منطقة اليرموك لا تزال حاليًا قيد الدراسة والمناقشة مع الجهات المعنية، “بما يسهم بعودة الأهالي إلى منازلهم”.

وحدد المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، ثلاثة شروط للسماح لأهالي مخيم “اليرموك” بالعودة إلى منازلهم.

وقال عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق سمير جزائرلي، في 5 من تشرين الأول الحالي، إن المحافظة “اتفقت على تسهيل عودة الأهالي، الذين هجّرهم الإرهاب، إلى مخيم اليرموك ضمن شروط ثلاثة، وهي السلامة الإنشائية، وإثبات الملكية، والحصول على الموافقات اللازمة”، وفقًا لما نشرته صحيفةالوطن“.

أذون لأهالي القابون للعودة إلى منازلهم

حسين البغدادي من أهالي القابون، يستبعد من جهته إمكانية تنفيذ المخطط التنظيمي المقترح للمنطقة، وهو يرى بأن النظام عاجز عن أي فعل تجاه عمليات الاستملاك، والمشاريع التي اقترحها بهذا الصدد، نظرًا إلى ما يعانيه من ضعف وضغوط اقتصادية.

وأشار حسين، في حديثه إلى عنب بلدي، إلى أنه ومنذ بدء انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) لا يوجد أي تحديث بما يخص تنفيذ المخطط التنظيمي للقابون.

وقد بدأ بعض أهالي الحي القاطنين في دمشق بالعودة إلى منازلهم، وذلك بعد حصولهم على أذون للسكن فيها، للتخلص من دفع الإيجارات المرتفعة، وفقًا لحسين.

ولفت إلى أنه وبعد أن كانت منطقة القابون محاصرة ويُمنع دخول السيارات إليها، بدأ النظام بإعطاء أذون للمدنيين للدخول بسياراتهم والسكن في بيوتهم، نتيجة ما يتعرض له من ضغوط من قبل الأهالي.

واعتبر حسين أن تراخي النظام عائد لعجزه عن القيام بأي خطوة تجاه تنفيذ المشاريع التي اقترحها، معتبرًا أن إيقاف تنفيذ المخطط التنظيمي لمخيم “اليرموك” لم يكن استجابة لاعتراضات الأهالي، وإنما لضعف النظام والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بموجب قانون “قيصر”.

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية واسعة ومشددة، (كما وصفتها)، على النظام السوري بموجب قانون “قيصر”، في 17 من حزيران الماضي، وينص القانون على تجميد مساعدات إعادة الإعمار، وفرض عقوبات على النظام السوري وشركات متعاونة معه ما لم يحاكم مرتكبو الانتهاكات، كما يستهدف أيضًا كيانات روسية وإيرانية تدعم أو تتعاون مع النظام السوري.

 

منازل متضررة في منطقة القابون بدمشق – 24 من كانون الثاني 2019 (عدسة شاب دمشقي)

نهب الحديد من الأبنية

الإعلامي من حي القابون قصي عبد الباري، أكد من جانبه عدم بدء النظام بأي خطوات تجاه تنفيذ المخطط التنظيمي في القابون، مشيرًا إلى أن ما يحدث على الأرض هو عمليات ترحيل للأنقاض، ونهب للحديد الموجود بالأبنية المدمرة، عن طريق آليات حديثة تم إدخالها إلى الحي تعمل على طحن “البيتون”، لاستخراج الحديد الموجود داخله كالأسقف والدعائم الرئيسة.

وأوضح قصي، في حديثه إلى عنب بلدي، أن الحديد المستخرج يُباع لمعامل تعود ملكيتها لرجل الأعمال محمد حمشو، في منطقة عدرا الصناعية قرب دمشق، من أجل إعادة تصنيعها.

واعتبر أن أكثر المستفيدين من إصدار المخطط هم “أذناب النظام” من أعضاء وفد المصالحة، الذين يقومون بشراء الأراضي لمصلحة رجلي الأعمال محمد حمشو، وسامر الفوز، اللذين تشتد المنافسة بينهما على تسلّم ملف “إعادة الإعمار”.

ولفت إلى أن هؤلاء يستغلون الظروف الصعبة التي يمر بها الأهالي، ويشترون منهم الأراضي بأثمان بخسة، خاصة من تقع أملاكهم ضمن المناطق التي ستتحول إلى مساحات خضراء بحسب المخطط، إلا أن حالات البيع لا تزال قليلة، وفقًا لقصي. 

وقد اعترض الآلاف من أهالي القابون على المخطط المقترح، إذ يطالب المالكون بالحصول على بيوت ضمن التنظيم تتناسب مع مساحة أراضيهم الأصلية، كما أن كثيرين منهم خسروا منازلهم جراء القصف وتحولت إلى أراضٍ بلا أبنية، وبموجب المخطط ستتحول مناطق كبيرة إلى مساحات خضراء، فضلًا عن توسيع رقعة الدمار في الحي بحجة المخطط وهدم الأبنية الصالحة للسكن.

وأشار قصي إلى أن بعض المناطق المبينة في الصورة التالية تم هدمها بنسبة 60% جراء القصف الناجم عن الحرب.

صورة تظهر حجم الدمار الحاصل جراء القصف والمعارك التي تعرض لها حي القابون بدمشق، الإعلامي قصي عبد الباري، 2020.

أما المناطق المتبقية فقد تم هدمها بعد عمليات التهجير القسري، وهي “منطقة البعلة، العارضية، الحارات الملاصقة للأوتوستراد الدولي بعمق 150 تقريبًا، بناء الأوقاف المؤلف من عدة أبنية بعلو تسعة طوابق، بناء العبود المؤلف من 15 طابقًا، منطقة مشروع علوان، حي تشرين بالكامل، الأبنية المجاورة للمسجد الكبير من منطقة تحت النهر وصولًا إلى الأوتوستراد، الأبنية الملاصقة لبناء الأوقاف”.

حصلت عنب بلدي على صور المخطط التنظيمي الذي طرحته محافظة دمشق لحي القابون.

وتظهر الصور تفصيلات المخطط وأماكن توزع الأبنية السكنية والاستثمارية، إضافة إلى نسبة المناطق الخضراء (حدائق).

واللافت في المخطط هو حفاظه على كلية الشرطة، والأبراج السكنية القائمة شرق الكلية، ومقبرة القابون، والأبراج السكنية القائمة شرق جامع “الغفران”.

في حين اقتصر التخطيط على المنطقة الواقعة من أوتوستراد حمص جنوبًا، وحتى طريق الوحدات الخاصة شمالًا، ومن طريق مساكن برزة غربًا حتى طريق مؤسسة الكهرباء شرقًا.

ولاقى المخطط استياء من أهالي القابون، لأن عقاراتهم ستتحول إلى أسهم توزع كل حسب ملكيته.

وقال مدير مديرية التنظيم والتخطيط العمراني في دمشق، إبراهيم دياب، في 28 من آب الماضي، إنهم تلقوا 2050 اعتراضًا على  مخطط حي “القابون السكني”.

انتقادات هندسية للمخطط المقترح

تواصلت عنب بلدي مع مهندسَين في القابون (فضلا عدم الكشف عن اسميهما لوجودهما في دمشق)، وأعربا عن استيائهما من المخطط، شارحين بشيء من التفصيل مآخذهما عليه، وهي كالتالي:

  1. لم يتم تنفيذ المخطط من قبل جهة احترافية، كما أن طريقة الرسم والإخراج بدائية لا تتناسب مع أهمية المشروع وحجم المنطقة وحقوق الناس.
  2. يجب أن تكون المداخل مدروسة بشكل أفضل ليتم الدخول والخروج منه وإليه بسهولة وانسيابية، من خلال الأوتوستراد الرئيس، أو من ناحية الأحياء المجاورة، ويجب أن يكون هناك مخرج مباشر إلى الأوتوستراد لا مدخل فقط، ويفضل أن يكون هنالك أكثر من مدخل ومخرج وإلى الاتجاهين وليس باتجاه المدينة فقط.
  3. تم الإبقاء على المداخل القديمة، وهي لا تؤدي الغرض المطلوب للانسيابية والحركة، خاصة أن المخطط تتم إعادة تصحيحه كليًا.
  4. يجب توفر طرق رئيسة داخلية مستمرة بالاتجاهين الطولي والعرضي لتأمين الحركة السريعة للدخول والخروج من الحي، مع وجود طرق داخلية تخدم مباني الحي، دون أن يكون لها استمرارية، من أجل تأمين السلامة والأمان (عدم إمكانية قيادة السيارات بسرعات عالية)، هذه الأمور غير مدروسة وغير ملحوظة بالمخطط الحالي.
  5. فيما يخص توزيع الكتل السكنية يفضل ألا تكون متوازية، وإنما بشكل يسمح بإعطاء الخصوصية، وتأمين الإضاءة والتهوية المناسبين.
  6. يجب أن تكون نسبة الاستثمار عالية لتأمين حقوق السكان بشكل أفضل، خصوصًا أنهم قد تضرروا بشكل كبير، جراء فقدان منازلهم وممتلكاتهم، وتعرضهم للتهجير لفترات طويلة، ولا نعتقد أن الدراسة الحالية تحقق ذلك.
  7. يجب على المشروع أن يراعي خصوصية وطابع الحي، والحفاظ عليها ما أمكن، خاصة أنه ممتد بالتاريخ، وهذا لم يلاحظ في المشروع.
  8. يجب توفر دراسة حول العدد المتوقع للقاطنين، وتأمين الخدمات المناسبة لهم من مدارس، ومستوصفات، ودور عبادة، وخدمات نقل، وغيرها.
  9. فيما يخص الحدائق يجب استثمارها بشكل أفضل من حيث كون هناك حدائق مركزية وحدائق أحياء، وألا تتوفر في الحدائق المركزية خدمات وعوامل ترفيهية أكثر من حدائق الأحياء لما في ذلك من فائدة لسكان الحي.
  10. يفضل أن يراعي المخطط التنظيمي الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة.
  11. عند وجود حاجة إلى تخطيط المدن، عادة ما تتم الاستعانة ببيوت الخبرة المختصة، أو طرح مسابقة للحصول على أكثر من اقتراح. 

المخطط التنظيمي المقترح لحي القابون بدمشق، تعديل عنب بلدي، 2020.

كيفية توزيع الأسهم 

المهندس منير اجنيد، رئيس فرقة حزبية سابق، وأحد أبناء الحي، كان قد أوضح في منشور له طرق إثبات الملكية، وتوزيع الأسهم على الأهالي في حال تنفيذ المخطط التنظيمي المقترح.

وأشار إلى أنه وبعد تصديق المخطط التنظيمي للقابون، وطلب المحافظة، يتقدم المالكون بأوراق إثبات ملكيتهم إليها خلال فترة تحددها لاحقًا، إذ سيتم توزيع الأسهم بالمقاسم الجديدة على المالكين في المنطقة، دون الأخذ بالاعتبار إلى ماذا ستتحول المنطقة بالنسبة للمالك، إذ سيكون الجميع سواسية في توزيع الأسهم، بحسب تعبيره. 

انتقادات حقوقية لتنفيذ المخطط 

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، تحدث لعنب بلدي عن الآثار التي يمكن أن يتركها تنفيذ المخطط التنظيمي للقابون على الأهالي، واستعادة ملكياتهم العقارية.

وبيّن أن مجرد طرح فكرة تخطيط أو إعادة إعمار مدينة أو منطقة دون وجود أهلها يعزز عملية التغيير الديموغرافي التي حصلت ويجعلها نهائية، كما يحول دون عودة اللاجئين والنازحين من الأهالي.

ولفت إلى أنه ليس متاحًا أمام جميع أهالي القابون تقديم اعتراضاتهم على المخطط التنظيمي المقترح، إذ إن معظمهم مهجرون ونازحون، حتى إن بعض العائلات هاجرت عن بكرة أبيها ولم يبقَ لها أي أقارب في المنطقة. 

ومن جانب آخر، يواجه كثيرون منهم صعوبات في إثبات الملكية لعدم توفر المستندات الثبوتية بصيغة “الطابو الأخضر” المقيدة لدى السجل العقاري، خاصة في المناطق العشوائية وغير المنظمة، فعندما تكون هذه الوثائق عبارة عن “حكم محكمة” وأصحابها غير موجودين في المنطقة، يمكن التلاعب عبر الفساد بتزوير هذه الوثائق، أو استصدار أخرى، أو حتى إلغائها.

وعلاوة على ذلك، فإن العائلة حتى لو تمكنت من إثبات ملكيتها، فإنها ستحصل على صكوك بأسهم لا توازي قيمة العقار الجديد بعد انتهاء التنظيم، ولن تتمكن من الحصول على عقار متكامل في الأبنية الحديثة الناشئة، وأكثر ما يمكن أن تجنيه هو أن تبيع حصتها في الأسهم، بثمن زهيد على الأغلب، ومن ثم المغادرة، وهو ما سيرسخ التغيير الديموغرافي الذي حصل في المنطقة.

وإضافة إلى ما سبق، سيغلق تنفيذ المخطط الباب أمام عودة اللاجئين والنازحين من أهالي الحي، الذين لن يتبقى لهم مكان لكي يعودوا إليه، فحتى إن نجحوا بإثبات ملكياتهم والحصول على أسهم داخل المخطط الجديد، ستكون قيمة هذه الأسهم الفعلية بعد انتهاء تنفيذ المشروع متدنية ولن تسمح لهم بشراء ذات العقار، أو العودة للسكن في نفس المكان، وهو ما يجعل التهجير والنزوح فعلًا نهائيًا.

الدمار في حي القابون (موقع خطوة)

طرق تعويض الأهالي

وعن كيفية إعادة الحقوق لأصحابها بالمرحلة المقبلة، اعتبر العبد الله أنه دون وجود برنامج وطني لاستعادة حقوق الناس وممتلكاتها، سيكون من الصعب التعامل مع كل منطقة أو حالة على حدة.

إذ يجب أن يدرس هذا البرنامج، ويأخذ بعين الاعتبار، جميع شرائح المالكين، سواء أكان لديهم “طابو أخضر”، أو “حكم محكمة”، أو كانوا “مالكين بالتقادم”، أو من أصحاب الإيجارات القديمة، أو من لديهم عقارات “أميرية” كما هي الحال في بعض المناطق الزراعية، وكذلك أن يقوم بمسح كل الشرائح المتضررة جراء عمليات التدمير والتهجير وسلب الممتلكات التي حصلت خلال سنوات الحرب، وأن يسمح بتعويضهم تعويضًا فعليًا أي بإعادة أساس الحق، أو تعويضًا ماديًا منصفًا، إضافة إلى معالجة الحالات التي حصلت فيها عمليات احتيال وتزوير كبيع عقار صاحبه مهاجر أو معتقل، وغيرها.

وأوضح أنه دون تحقيق ذلك، سنكون أمام معضلة مرت بها جميع الدول التي شهدت حروبًا ونزاعات مسلحة وثورات وتغييرًا في الأنظمة، مثل غواتيمالا، وصربيا، والبوسنة، وغيرها. 

ويرى العبد الله أن تطبيق هذا البرنامج لن يكون ممكنًا مع بقاء السلطة الحالية على وضعها بسوريا، ودون حصول تغيير سياسي، أو مرحلة انتقالية تؤسس لبرنامج “عدالة انتقالية” يكون “إعادة الممتلكات” جزءًا أساسيًا منه.

دور المنظمات الحقوقية السورية والدولية

يمكن للمنظمات الحقوقية أن تتبع مسارات عدة بالمرحلة الحالية للإسهام في الحفاظ على حقوق الملكيات العقارية وفقًا لمدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، الذي يعتبر أنه رغم كون توثيق الملكيات العقارية وحفظ نسخ عن الأوراق الثبوتية أمرًا مفيدًا، فإنه لن يشكل وحده حلًا للمشكلة، إذ يبقى بإمكان النظام تمرير مراسيم استملاك بشكل قانوني، أو مشاريع مخططات تنظيمية لمناطق عشوائية، ولذلك يجب العمل على توثيق أثر هذه المخططات وغيرها من مشاريع إعادة الإعمار على التغيير الديموغرافي، إذ إن التوثيق لن يحول دون فرض مثل هذه المشاريع التي قد تبدو قانونية في شكلها، لكن أساسها غير عادل.

وأشار إلى أنه في حال عدم أخذ ذلك بعين الاعتبار سنصبح أمام حالة مشابهة لما حصل للشعب الفلسطيني، الذي يملك صك ملكية، لكن الحكومة الإسرائيلية فرضت بناء جدار على أملاك الناس، واستملاك هذه الأراضي، وإخلاء أصحابها بالقوة تحت أسباب أمنية.

أما النصف الآخر من عمل المنظمات فيتمثل بالمناصرة والضغط على مسار المفاوضات الدولية للحل السياسي، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، والمبعوث الأممي، غير بيدرسون، وفريقه، لتضمين اتفاق السلام في سوريا بندًا واضحًا عن استعادة الممتلكات، وإنشاء برنامج وطني في سبيل تحقيق ذلك.

ويرى العبد الله أن الأمر الذي ساعد بإعادة بعض حقوق الملكيات لأهالي البوسنة، كان الإشارة في اتفاق “دايتون” للسلام إلى أنه على الحكومات القادمة تسهيل عودة المدنيين، وإعادة ممتلكاتهم، أو تعويضهم، وقد تم الالتزام بهذا البند من قبل الاتحاد الأوروبي بشكل واضح عندما بدأ بتمويل إعادة الإعمار، إذ كان يشترط على حكومات الدول التي قسمت إليها يوغسلافيا السابقة (وهي سلوفينيا، والبوسنة والهرسك، وصربيا، والجبل الأسود، ومقدونيا، وكرواتيا، وكوسوفو)، أن تُظهر ماذا نفذت من بند إعادة الممتلكات قبل الحصول على الدفعة المقبلة من تمويل إعادة الإعمار.

وفي الوقت الذي يبدي النظام السوري، وحليفته روسيا، استماتة للحصول على بعض أموال إعادة الإعمار، يبدو تأطير ذلك بشروط مسبقة لإعادة حقوق وممتلكات السوريين وربطها بها، هو الأمر الأكثر أهمية الذي يمكن أن تدفع تجاهه المنظمات الحقوقية السورية والدولية، وفقًا للعبد الله.

في ظروف تشابه ما يحصل اليوم في سوريا، من تهجير قسري، وحرمان ملايين السوريين من حق الوصول إلى بيوتهم والعيش فيها بأمان، عاشت البوسنة عام 1992 صراعًا عنيفًا حاصرت فيه صربيا العاصمة البوسنية سراييفو، واحتل الصرب 70% من مساحة البلاد، الأمر الذي أدى إلى تهجير مليون ونصف المليون بوسني، قبل توقيع اتفاقية “دايتون” عام 1995 لينهي جرائم الحرب التي وقعت في أثناء الصراع.

وخلال توقيع الاتفاقية، أصرت الحكومة البوسنية حينها على أن “حق النازحين في العودة جزء لا يتجزأ من الاتفاقية”، مع ضمان استرداد ممتلكاتهم العقارية في المناطق التي هُجّروا منها.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات