درعا – حليم محمد
أشعلت أم محمود موقد الحطب تحت القدر، وأضافت حبات القمح لتصنع مؤونة البرغل، مهمة كانت تخلت عنها قبل سنوات لكنها عادت لها مع صيف العام الثاني بعد سيطرة النظام السوري على محافظتها.
تسعل المرأة الأربعينية وهي تحاول المحافظة على النار مشتعلة لطهو القمح، لكن الدخان المتصاعد من الموقد يدمع عينيها ويؤثر على صحتها لأنها تعاني من حساسية مزمنة في الرئة، “عدنا للوراء عشرات السنين، كانت أمي تعمل على الحطب وتخزن المؤونة من البرغل ودبس البندورة”، كما قالت لعنب بلدي.
مساعدات “ناقصة”
تجد أم محمود نفسها “مجبرة” على العودة لتخزين المؤن الغذائية لتتمكن من إطعام عائلتها، البالغ عددها سبعة أفراد، لا لواقع الغلاء وسوء الأحوال الاقتصادية فحسب، ولكن لانقطاع المعونة التي تلقتها لسنوات خلال الحرب.
قبل تمكن قوات النظام السوري من السيطرة على المنطقة، في تموز عام 2018، نشطت المنظمات الإغاثية التي قدمت مساعداتها للسكان عن طريق إيصالها عبر معبر “الرمثا” الحدودي مع الأردن، الذي لجأت إليه الأمم المتحدة تجاوزًا للبيروقراطية ولعدم عرقلة الجهود الإنسانية، عن طريق تفعيل قرار مجلس الأمن لإيصال المساعدات عبر الحدود دون الحاجة إلى طلب الإذن من الحكومة السورية.
عودة المنطقة إلى سيطرة النظام السوري أوقفت العمل بالقرار الأممي، وعادت المساعدات الإغاثية رهنًا بالقرارات الحكومية، “كنت أتسلّم المعونة كحد أقصى كل شهر ونصف، وكانت السلة غنية برب البندورة والبرغل والمعلبات والزيت والسكر”، حسبما قالت أم محمود، أما الآن فتفصل ستة أشهر ما بين توزيع السلال.
المعونة المقدمة كانت “كافية” لسد احتياجات الأسرة الغذائية، حسب تقدير أم محمود، لكن المساعدات الواصلة الآن لا تشمل المعلبات ولا رب البندورة، في حين أن البرغل المقدم كمياته لا تكفي ونوعيته ليست جيدة، لذلك لجأ أغلب الأهالي وخاصة بالأرياف لتحضير كل من البرغل ورب البندورة.
كيف يجهز البرغل ورب البندورة يدويًا
تجهيز المؤن الغذائية عادة قديمة في درعا، وخاصة لأهمية البرغل في إعداد وجبة “المنسف الحوراني” وما يعرف بـ”المليحي”.
وتشرح أم محمود كيفية صناعة البرغل الذي يبدأ بـ”الصويل”، وهو نقع القمح بالماء لتذوب الأتربة وليطفو القش على السطح، ثم تنشر الحبات الرطبة حتى تجف من أشعة الشمس.
تزيل أم محمود الشوائب من بين حبات القمح، من حبات الشعير أو الحصى الصغير، ثم ترسلها إلى المطحنة لتصبح جاهزة للمؤونة.
صناعة رب البندورة لا تتطلب جهدًا أقل كذلك، كما قالت حنين، المرأة الثلاثينية، لعنب بلدي، وهي تمرس حبات البندورة الحمراء.
غطت حنين شعرها وارتدت القفازات الطبية قبل بدء العمل، وكان تنظيف الحبات الخطوة الأولى، ومن ثم تقطع ويضاف إليها الملح قبل الهرس.
وتعتمد نساء درعا في صناعة رب البندورة على طريقتين، الأولى نشره تحت أشعة الشمس بعد عصره، ويبقى لعدة أيام، والثانية بطهوه على النار حتى يتماسك ويتحول إلى معجون.
حنين تفضل طريقة الطهو، وقالت إن الخطوة الأخيرة هي تخزين المعجون بـ”مرطبانات” حتى يضاف إلى الطعام، مثل وجبات المعكرونة وشوربة البطاطا والفاصولياء.
ماذا عن الأسواق؟
“لا توجد قلة” بتوفر البرغل ورب البندورة في المحال والأسواق، حسبما قالت حنين، مشيرة إلى أن ارتفاع أسعار هذه المواد هو ما يدفع العائلات لتخزينها يدويًا.
يبلغ سعر الكيلوغرام من البرغل في السوق 1200 ليرة سورية (أقل من نصف دولار)، وسعر الكيلو من معجون رب البندورة 1500 ليرة، وهي تعد أسعارًا مرتفعة في المنطقة التي يعاني أهلها من ضعف القدرة الشرائية.
وأعربت الأمم المتحدة عن “قلقها” مرارًا بشأن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية في سوريا، إذ زادت أكثر من الضعف على عام 2019، بنسبة 133%، وفق تقديرات حزيران الماضي الذي شهد الانخفاض الأكبر لقيمة الليرة السورية.
ووفقًا لأحدث بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، في آب الماضي، فإن 32 منظمة إغاثية تنشط في محافظة درعا، منها خمس تتبع للأمم المتحدة، و13 منظمة سورية غير حكومية، وثماني منظمات دولية غير حكومية، وخمس منظمات مجتمع مدني، إضافة إلى “الهلال الأحمر السوري”.