عنب بلدي – صالح ملص
“لم أخرج من الحجر المنزلي طوال إصابتي بفيروس كورونا، ومع ذلك، حين تعافيت من المرض، في أول مظاهرة خرجت فيها تجنبني أصدقائي وابتعدوا عني، لم أنزعج. أعلم أن المرض خطير ولا ألومهم على هذا التصرف”.
هكذا سرد عمر البم (22 عامًا)، وهو مصوّر صحفي في مدينة إدلب، لعنب بلدي، تجربته التي عاشها بعد إصابته بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وعدم تقبل أصدقائه الحديث معه خلال إحدى المظاهرات التي خرجت في المدينة شمالي سوريا في تشرين الأول الماضي، على الرغم من شفائه من المرض.
هناك الكثير من المعتقدات الاجتماعية المنتشرة التي تعتبر بعض الأمراض “مُخجلة” ويتحفظ الأفراد على ذكرها حين يُصابون بها، ومع انتشار فيروس “كورونا” في الأجواء، أضافه بعض الأشخاص إلى قائمة “الأمراض المخجلة”، وبشكل غير إرادي يصدرون صوت الشهقة في كل مرة يسمعون خبر إصابة أحدهم بفيروس “كورونا”، على الرغم من أن العامل النفسي يلعب دورًا مهمًا في مرحلة العلاج.
وبينما ترافق نظرة “البطل” الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة لتشجيعهم معنويًا على التعافي، وزيادة ثقتهم بمناعتهم التي تحارب تلك الأمراض، تُصاحبها في الوقت نفسه “وصمة العار” من قبل بعض الأشخاص، ويكمن هدفها غالبًا في تقييد إمكانية المشاركة في الحياة الاجتماعية الطبيعية لهؤلاء المرضى خاصة إذا كان مرضهم معديًا، وفق دراسة خاصة بـ”المكتبة الوطنية الأمريكية للطب” (PMC)، فتسقط “وصمة العار” على المرض لإبعاد المريض عن علاقاته الاجتماعية بطريقة سلبية، وتؤثر بالنتيجة نفسيًا واجتماعيًا على المريض بشكل سلبي.
أزمة ثقة في الحكومة
الوصمة المرتبطة بفيروس “كورونا” والحجر الصحي في سوريا تعكس إلى حد كبير معتقدات اجتماعية وثقافية، لكنها تنطوي على عدم ثقة متأصلة بين المجتمع في المؤسسات والمراكز الطبية الحكومية، خاصة في إدارة أزمة انتشار الفيروس، وثقافة خوف الأفراد من التوجه إلى المستشفيات الحكومية، وفق ما قاله الباحث الاجتماعي السوري محمد سلوم، في حديثه إلى عنب بلدي، بسبب تردي المؤسسات الطبية والرعاية الصحية في سوريا.
وتكمن الصلة بين الرعاية الصحية الحكومية وعدم التقبل الاجتماعي لمصابي “كورونا”، أو التنمر عليهم في بعض الحالات، في خوف الأفراد من الدخول في تلك المنظومة الصحية المتردية، وهذا الخوف يُترجم لرفض الناس التعامل مع مصاب “كورونا”، وفق ما شرحه الباحث الاجتماعي سلوم.
ويكون الرفض الاجتماعي لشخص مصاب بفيروس “كورونا” لأسباب مقبولة عند الأغلبية، بحيث يكون الشخص المصاب موسومًا بصفة ألصقها به المجتمع، تميزه بشكل سلبي عن بقية أفراد المجتمع.
وهذه التصرفات تعيد إلى ذاكرة الناس “وصمة العار” التي ارتبطت لعقود بمرضى “الإيدز”، وأي مرض هو “ليس جريمة وليس عيبًا حتى نخجل من الإفصاح عنه. الجريمة تكمن بتحويل (كورونا) إلى ذنب يرهق المريض نفسيًا، بالإضافة إلى الإرهاق الجسدي”، وفق ما قاله الباحث سلوم.
ويحمّل الناس المصاب مسؤولية صحية، باعتباره أهمل الإجراءات الوقائية والاحترازية من الفيروس، وذلك يعطي انطباعًا أن هذا الشخص لا يتحمل مسؤولية سلوكه اليومي، ما عرضه للعدوى، ولكن الإصابة بفيروس “كورونا” لا تعني أن الشخص قد أهمل صحته أو أنه غير مسؤول بالمعنى الاجتماعي للمسؤولية، لأن كل شخص معرض للفيروس، على اختلاف الوعي الاجتماعي لدى الفرد، وفق ما ذكره سلوم.
ورجّحت الأمم المتحدة أن يكون تفشي فيروس “كورونا” في سوريا “أكبر بكثير من الحالات المؤكدة”.
وخلال اجتماع افتراضي لمجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في سوريا، في 27 من تشرين الأول الماضي، قال الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة، مارك لولوك، إن “حالات كوفيد- 19 التي جرى تأكيدها في سوريا كانت في الغالب نتيجة انتقال مجتمعي”، مشيرًا إلى صعوبة إمكانية تتبع 92% من الإصابات المؤكدة رسميًا.
وأكد أن “مرافق الرعاية الصحية في بعض المناطق غير قادرة على استيعاب جميع الحالات المشتبه بإصابتها، ما يضطرها إلى تعليق العمليات الجراحية أو تكييف الأجنحة لاستيعاب المزيد من المرضى”.
وأعرب عن قلق خاص بشأن المناطق المكتظة بالسكان، مثل المراكز الحضرية في دمشق وحولها وحلب وحمص، ومخيمات النزوح المزدحمة والمستوطنات والملاجئ الجماعية في شمال شرقي وغربي سوريا، حيث ازداد عدد الإصابات ستة أضعاف خلال أيلول الماضي.
أثر وصف المرض بـ”العار” على الأطفال
نفى عضو اللجنة الاستشارية لمكافحة الفيروس في سوريا، الدكتور نبوغ العوا، في 25 من تشرين الأول الماضي، أن تكون الأرقام المعلنة متطابقة مع الإصابات بين صفوف الطلاب في المدارس، لافتًا إلى أن التعامل مع الفيروس يكون “كأمر مخجل”، و”هذا الاستهتار سيؤدي إلى كارثة وبائية”.
وعندما يتعامل الناس مع مرض ما بأنه “عار” أمام الأطفال فهذا يؤثر على رؤيتهم للمريض ذاته، بحسب ما أوضحه الباحث سلوم، ويجري التعامل مع الطفل المريض من قبل الأطفال على أنه شخص سيئ، بحسب تصنيفهم البسيط للأشخاص، وهذا يؤثر على علاقتهم مع العائلة في حال كان المريض أحد الوالدين أو الأخ أو الأخت على سبيل المثال، أو مع زملائه من التلاميذ أو أساتذته في المدرسة.
وانتشرت العديد من الحملات التوعوية الصحية والدعم النفسي في أثناء الحجر الصحي بشأن فيروس “كورونا”، لكن لم تلتفت كثير من المنظمات المعنية لتطوير الوعي بعدم وصم مريض “كورونا” بصفات سلبية أو تحميله سبب عدوى غيره.