حمص – عروة المنذر
مع ساعات الصباح الباكر، يتفقد سامر خزان البنزين في دراجته النارية، ويتفحص ضغط العجلات ليتأكد من جاهزيتها لقطع 40 كيلومترًا إلى المدرسة، التي عُيّن بها مؤخرًا في قرية البلان التابعة لمدينة الرستن شمالي حمص، منطلقًا من منزله في أحد أحياء مدينة تلبيسة.
يلبس معلم الصف الثاني الابتدائي سترته الجلدية، ويبدأ بلف اللفحة على وجهه، “أحتاج إلى ليتر من البنزين يوميًا، وراتبي لا يتجاوز 50 ألف ليرة سورية (…) كيف لي أن أتدبر أمري!”، اشتكى سامر في حديثه إلى عنب بلدي.
أصدرت وزارة التربية في حكومة النظام السوري، في آذار الماضي، القرار رقم 1116، الذي عيّنت بموجبه 15 ألف مدرّس من الدرجة الثانية، 1916 منهم في حمص، وكلّفتهم بالتدريس في المناطق النائية قبل السماح لهم بالانتقال إلى مدارس أقرب لأماكن إقامتهم.
سببت تلك التعيينات، التي تزامنت مع أزمة في تأمين المحروقات وارتفاع أسعارها، رفض المدرّسين لتكليفاتهم، وبالتالي نقص الكوادر في المدارس التي بات طلابها مضطرين لتأمين تكلفة المواصلات لمعلميهم.
التدريس من نعمة إلى نقمة
تخلى سامر عن شهادته الجامعية من قسم الرياضيات، التي تؤهله ليصبح موظفًا من الدرجة الأولى، مقابل الحصول على وظيفة حتى لو كانت من الدرجة الثانية، “فرحتُ جدًا حين قرأت اسمي بين الناجحين، لكن سرعان ما تحولت الوظيفة التي حصلت عليها من نعمة إلى نقمة، فتكلفة وصولي إلى المدرسة تتجاوز ألف ليرة يوميًا”.
خلال سيطرة قوات المعارضة على ريف حمص الشمالي، وتعرض مراكز المدن للقصف المكثف من قبل قوات النظام، نزحت عائلات من مدينتي الرستن وتلبيسة إلى القرى الصغيرة الأقل استهدافًا، ما زاد عدد الشعب الصفية في مدارسها.
من غرفة إدارة مدرسة في قرية البلان، علا صوت المدير ناصر في نقاشه مع الكادر التدريسي ومجموعة من أولياء أمور بعض الطلاب في محاولة لإيجاد حل للمشكلة، خاصة مع “عدم تجاوب” المجمع التربوي الذي تتبع له المدرسة.
اتفق أولياء الأمور مع المدرّسين على جمع مبلغ 500 ليرة كل أسبوع من كل طالب في المدرسة، لكن سرعان ما وصل الخبر إلى المجمع التربوي، “لولا معرفتهم الجيدة لي ولفلفة الموضوع لفُصلتُ من عملي وحُولتُ إلى الرقابة والتفتيش”، قال المدير لعنب بلدي.
أهالي الطلاب لم يكونوا جميعًا على استعداد لتحمل تكلفة قدوم الأساتذة رغم حرصهم على تلقي أبنائهم للتعليم، “لدي أربعة أطفال في المدرسة، ولا يمكنني دفع ألفي ليرة أسبوعيًا”، قال “أبو حسام” الذي يعمل بإصلاح الأحذية في قرية البلان، مشيرًا إلى أن الأستاذ موظف حكومي، ومسؤوليته تقع على مديرية التربية.
يعتبر المجمع التربوي في كل منطقة مديرية تربية مصغرة، ويملك مدير المجمع التربوي صلاحيات مدير التربية في قطاعه، ورغم إيقافه لمبادرة تبرعات الأهالي لم يقدم أي حلول بديلة للمدرسة التي لا تتوفر فيها كوادر تعليمية كافية.
انتقل اجتماع الأهالي والإدارة من المدرسة إلى منزل المختار، حيث توصلوا إلى حل آخر، إذ وافق وجهاء القرية وميسورو الحال على تقديم أربعة ليترات من البنزين أسبوعيًا لكل معلم يأتي من خارج قريتهم.
عند نهاية الدوام في المدرسة، يتجه سامر إلى بيت المختار عند مدخل القرية، يفرغ قنينة البنزين في مخزن الوقود، ويأخذ ما يلزمه للعودة إلى يوم دراسي جديد، قبل أن ينطلق بدراجته النارية نحو مدينته.