يترقب السوريون، كغيرهم، تطورات السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، الذي كان دائما عالميا بتداعياته ومستوى الاهتمام بنتائجه، لكنه يحمل هذا العام أهمية استثنائية، نظرا إلى حالة الانقسام غير المسبوق الذي تشهده أميركا ويسري على العالم كله، مع تواري العقلانية وصعود النزعات الشعبوية من اليمين واليسار على السواء. وما يضفي على الموضوع أهمية خاصة، بالنسبة إلى السوريين (وغيرهم)، الفجوة الكبيرة التي تفصل بين مواقف كلا المرشحين تجاه ملفات إقليمية ودولية متعدّدة، سيكون لها تأثيرات وانعكاسات مباشرة وكبيرة على قضيتهم. الانقسامات بين السوريين حول موضوع الانتخابات الرئاسية الأميركية لا تتطابق بالضرورة مع خطوط الانقسام القائمة المعروفة (نظام – معارضة) بل تعد عابرةً لها، فجماعة إيران في النظام السوري، وجزء من المعارضة، يفضلان فوز مرشح الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن. ويسود اعتقاد لدى التيار الإيراني في النظام السوري أن سياسات هذا الأخير ستمثل امتدادا لحقبة الرئيس السابق، أوباما، تجاه إيران، إذ سيعود إلى الالتزام بالاتفاق النووي وبالانفتاح على طهران، ما يعني استعادة الفترة الذهبية في العلاقات الأميركية – الإيرانية (2015 – 2017). وترى المعارضة المنفتحة على فوز بايدن أن منافسه الرئيس ترامب لم يفعل شيئا للقضية السورية سوى أنه باع السوريين كلاما، لا بل أطلق يد روسيا في سورية حتى باتت صاحب القرار الأول فيها. مجيء بايدن، برأيهم، قد يعيد الاهتمام الأميركي بالقضية السورية، إن لم يكن لشيء فمن باب محاولة مسح أو التخفيف من الوصمة التي طبعت جبين حقبة أوباما – بايدن بتركهم سورية تنحدر إلى الوضع الذي صارت عليه اليوم. جزء كبير أيضا من السوريين الأكراد يتمنون فوز بايدن، لأنه، برأيهم، سيضع حدّا لتطلعات تركيا الإقليمية، وسيكف يدها التي أطلقها ترامب، ويعيد الألق إلى التحالف الأميركي – الكردي الذي أسّسه أوباما. ويعتقد الأكراد عموما أن بايدن، لو كان رئيسا، لربما أيد استفتاء شمال العراق على الاستقلال عام 2017، فهو صاحب مشروع الفدرلة هناك، وقد يدفع باتجاه فدرلةٍ أيضا في سورية، ولما سمح لتركيا بإطلاق عمليتي غصن الزيتون في عفرين (فبراير/ شباط 2018) وعملية نبع السلام في رأس العين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019).
أما جماعة روسيا في النظام السوري، والجزء الأكبر من المعارضة المحسوبة على بعض دول الخليج وتركيا، فيفضلون ترامب. ويرجّح التيار الروسي داخل النظام السوري أن يدفع ترامب بعلاقاته مع موسكو إلى مستوياتٍ كبيرة من التعاون في ولايته الثانية، إذ يرجح أن ينسحب من مناطق شمال شرق البلاد الغنية بثرواته الطبيعية، ويطلق يد روسيا لحسم الوضع فيها لصالح النظام. أما جماعات المعارضة (القريبة إلى بعض دول الخليج) فيعتبرون أن مشكلتهم الرئيسية هي إيران، وأن استمرار ترامب في منصبه سيعني إنهاء طموحاتها الإقليمية مرة واحدة وإلى الأبد. جماعات المعارضة الأقرب إلى تركيا تتمنى، هي الأخرى، استمرار ترامب، للسبب نفسه، ولأن ترامب يبدو أكثر تفهما للموقف التركي، وداعما له، خصوصا في إدلب، حيث لعب الموقف الأميركي دورا حاسما (إلى جانب عوامل أخرى طبعا) في منع الروس من شن هجوم كبير لإخراج فصائل المعارضة من منطقة “خفض التصعيد” الأخيرة.
لكن، في كل هذه الحسابات التي يجريها السوريون، على اختلافهم، حول الانتخابات الأميركية، تغيب عن بالهم فكرة أنها تدور حول التغييرات المحتمل أن تطرأ على علاقة واشنطن بالقوى الفاعلة في المشهد السوري، في حال فوز هذا المرشح أو ذاك، وليس حول سورية تحديدا. إذ لا يبدي ترامب أو بايدن أدنى درجةٍ من الاهتمام بحل الأزمة السورية، حتى أن أحدهما لم يذكر سورية مرة خلال الشهور الأخيرة من الحملة الانتخابية. فهي إذا ليست مادة للنقاش في واشنطن إلا في إطار العلاقة بمربع روسيا – تركيا – إيران – إسرائيل. هناك خلافٌ كبير بين بايدن وترامب، بخصوص العلاقة مع القوى الثلاث الأولى، فترامب يفضل التعامل مع روسيا وتركيا وعزل إيران. أما بايدن فيريد اعتماد إيران، وتحجيم روسيا وتركيا. الاثنان متفقان على أولوية أمن إسرائيل ومصالحها في الساحة السورية. أما السوريون فلا وجود لهم على قائمة اهتمامات الطرفين. يتساءل المرء عندها: لماذا كل هذا الحماس إذا حول معركةٍ لسنا جزءا من حساباتها أصلا؟