كذب الوزير أم لم يكذب.. فإن الحكومة رفعت الدعم!

  • 2020/10/28
  • 12:24 م
عهد مراد

عهد مراد

عهد مراد

إن كان لمجلس الوزراء دور في سوريا، أو لم يكن لديه دور، فإن من له دور أفقر الناس وسرقهم وجوعهم، وجاءت له شماعة “قيصر” لتجعله يتمادى أكثر.

ولكن هل حقًا كذب الوزير؟

من نافلة القول إن المؤسسات التنفيذية في سوريا (دون مقام رئاسة الجمهورية) لم تكن يومًا صاحبة قرار في القضايا المفصلية، وكل ما يفعله الوزراء هو أن يعطوا إيحاء للعالم والناس بأننا في دولة مؤسسات، والشاهد هنا الكذب المتتالي للمسؤولين، الذي حول الحال إلى نمط في الحكومات المتعاقبة.

فلماذا يحب المسؤول السوري الكذب، ولماذا يريد أن يكون كبش المحرقة كل مرة، ولماذا يظهر واثقًا في أثناء الكذب؟

برأيي، لأنه لا يكذب! فإذا كان المنجمون كذبوا وإن صدقوا، فوزراء بلادنا صدقوا وإن كذبوا، فالغالب هو النية، وفي النية أن تقول ما تعرفه أو ما وعدت به فأنت صادق، فإذا أخلفت في وعدك، فإن الكاذب من وعدك، أو من أوحى لك بأن ما تقوله صدق.

وصدقًا، لا أقول هذا من باب التحامل على أصحاب القرار بل من باب التوصيف ومحاولة الفهم، ولكن سؤالًا بسيطًا يحق للإنسان أن يسأله، إذا كان الوزير يعرف أن الدعم سيرفع، فما حاجته بكذبة لا تعيش أكثر من شهر؟ وإذا كان رئيس الوزراء يعرف أن الرواتب سترفع، فما حاجته لأن يقول للإعلام أنه ليس هناك من رفع رواتب قريبًا (تجربة شهيرة سابقة)؟

طبعًا هذا لا يمنع من أن الكثير من المسؤولين يكذبون، ويعملون على تعزيز أكاذيبهم، ولكن لا يمكن أن تكون الأكاذيب من نمط تلك التي تفضح بعد أيام. الكذبات في البلاد هي الكذبات الخالدة، والمقولات الرنانة.

فالكذب يبدأ من إصدار الحكومة الجديدة بيانًا وزاريًا، وكأنها تستطيع أن تعطي أمرًا في حيثية واحدة من هذا البيان. الكذب أن يخرج أي وزير ليتحدث عن نيته باتخاذ إجراءات (أيًا تكن الإجراءات)، لأن نيته ومعرفته، حسب ظني، لا تكفي إطلاقًا ليتخذ قرارًا.

الكذب في أن تقول إن هذا الإجراء أو ذاك لن يؤثر على المواطن.

الكذب أن تقول للشعب إن سوريا انتصرت…

أما الجوهر في الموضوع فهو السؤال، لماذا يترك أصحاب القرار الوزراء يقولون ما لا يعرفون؟

لأنهم ببساطة يعتبرون أن وجود تصريحات مثل هذه هي المنفس الوحيد والمتبقي للشعب. نعم لا بد للشعب أن يشتم وزير النفط ووزير المالية الذي يجوع لشدة انشغاله، لا بد أن يرفع صوته في مناخ من الديمقراطية، فالشعب يتمتع هنا بمطلق الصلاحية بالغضب، بشرط واحد، أن يظل مصدقًا أن سوريا بخير، رغم كل الدمار التي طالها، وأن سوريا الله حاميها، رغم ما حل بها.

وعليه فإن دور الوزير الآن هو أن “يُخدع”، وبسبب هذه الخديعة سوف يكذب، ويصبح الآن دور المواطن أن يغضب من الوزير ويتهمه. إنها عملية تبادل أدوار فظيعة لا يدرك فيها الطرفان أنهما يؤديان دورهما بامتياز.

والطرف الأكثر نجاحًا في تأدية الدور هو وسائل الإعلام والجمهور، فهم على الرغم من سنين الكذب التي مرت، أرادوا الانتباه الآن لـ”كذبة” وزير النفط، وسيشتمون وزير النفط في أثناء تبادلهم الأحاديث على دور الخبز والغاز والمازوت والسكر، سينتقدون الحكومة على وقع انهيار بقايا المنازل وحفر الأساسات من متعهدي الأبنية الجديدة التي ستبنى فوق المقابر الجماعية! أيضًا قد ينسون كل الكذبات السابقة ويصبون جام غضبهم على الكذبة الأخيرة. ولن ننسى الكذبة الأخيرة إلا بكذبة جديدة.

وهنا أقول هذا لأصل إلى خلاصة أننا في حادثة الوزير أمام مشكلتين كبيرتين، ليست بينهما الكذبة ذاتها:

فالمشكلة الأولى أن الوزير لم يكن يكذب حين قال هذا الكلام، ونحن بحاجة إلى وزراء يعرفون، وبالتالي نستطيع محاسبتهم على كذبهم لا أن نشفق عليهم عندما يوضعون في مثل هذه المواقف.

والمشكلة الثانية أننا أمام جزء كبير من رأي عام، يعتبر كلام الوزير كذبة، في حين يعتبر أن عبارة “سوريا بخير” هي صدق!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي