تكثر التساؤلات مؤخرًا عما إذا كان اكتشاف سفن التنقيب التركية لما مقداره 405 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي في حقلين بالبحر الأسود، قد يجلب الأمل في تحسن الاقتصاد بتركيا، لا سيما أن قيمة الليرة التركية انخفضت إلى نحو ثماني ليرات مقابل الدولار الأمريكي الواحد.
في 21 من آب الماضي، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اكتشاف بلاده حقلًا للغاز الطبيعي حمل اسم “تونا 1” في البحر الأسود، يحوي 320 مليار متر مكعب، وتوقع حينها العثور على المزيد.
وفي 17 من تشرين الأول الحالي، أعلن أردوغان عن اكتشاف حقل آخر في البحر الأسود، بسعة 85 مليار متر مكعب.
بهجة تنغّصها الفواتير
تتباين الآراء حول ما ستغدقه هذه الاكتشافات على الاقتصاد التركي، فالبعض يرى أنها لا تكفي لإنهاض الاقتصاد التركي، وآخرون يرون أنها ستؤثر إيجابًا، ولكنها تحتاج إلى وقت.
يرى المحلل الاقتصادي السوري فراس شعبو أن الكميات المعلنة رغم حجمها الكبير فإنها ليست بكثيرة بالنسبة لتركيا، مشيرًا في لقاء مع عنب بلدي إلى أن المكتشفات لا تكفي إلا لخمسة أعوام، مع الأخذ بالحسبان الوقت اللازم لعملية التنقيب والاستخراج.
قد لا تجني تركيا ثمار هذه الاكتشافات بالشكل الأمثل، وفق شعبو، الذي يعزو الأمر إلى جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) ومضاعفاتها عالميًا، والركود الاقتصادي العالمي، فضلًا عن الضغوط الدولية (خليجية وغربية) على تركيا، ودخول الأخيرة في معارك متفرقة بعدة دول، “وبالتالي فاتورة أرباحها من الغاز ستنفق على أمور خلقتها هذه الأزمات”.
وتشهد الليرة التركية تراجعًا ملحوظًا أمام قيمة الدولار الأمريكي، إذ يعادل كل دولار 7.96 ليرة تركية.
وأشار شعبو إلى أن “هذه الاكتشافات لم تكن ذات تأثير كبير (…) إلا إذا تم الإعلان عن اكتشافات كافية لعشرات السنوات”، موضحًا ضرورة استمرار تركيا بالبحث عن مصادر الغاز، لتخفيض تلك الفاتورة وتحسين الحياة في الداخل التركي.
وتستورد تركيا الغاز من روسيا والعراق ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، وقال شعبو إن 25% من إيرادات تركيا تنفق على فواتير استيراد الغاز.
وبحسب معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، تستحوذ فاتورة الطاقة على الحصة الكبرى من إجمالي واردات تركيا التي بلغت 202.7 مليار دولار بقيمة وصلت في 2019 إلى 41.18 مليار دولار.
وكان المدير العام لمجموعة شركات “زورلو” التركية للطاقة، فؤاد جلبجي، قدر زيادة حاجة تركيا إلى الغاز الطبيعي بـ72 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، علمًا أن حاجتها كانت في 2015 لا تتعدى 50 مليار متر مكعب.
مسألة وقت
في حين يرى الخبير الاقتصادي التركي علاء الدين إسماعيل شنكولر، أن استخراج الغاز من البحر المتوسط سينعكس حتمًا بفوائد تؤدي إلى ارتياح في الاقتصاد التركي، ولكن الموضوع بحاجة إلى وقت.
وأشار شنكولر، في لقاء مع عنب بلدي، إلى أن أثر الإعلان عن حقول الغاز معنوي أكثر من مادي في الوقت الحالي، بما أن عملية استخراج الغاز لم تبدأ بعد.
وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، أعلن أن الشعب التركي سيبدأ باستخدام الغاز المحلي في عام 2023 بيوم الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.
وأكد دونماز حينها أنه سيتم الكشف عن آبار جديدة في أقرب وقت بمنطقة حقل الغاز المكتشف، من خلال العمل على مساحة ستة آلاف كيلومتر مربع، موضحًا أن مساحة المنطقة التي اُكتشف فيها الغاز تبلغ 250 كيلومترًا مربعًا.
لكن التاريخ الذي أعلنه وزير الطاقة التركي تفاوتت آراء خبراء الطاقة حياله، من ناحية قابلية تطبيقه في الوقت المحدد، إذ نقلت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية عن متخصصين في مجال الطاقة قولهم، إن بدء الإنتاج من أي كشف للغاز في البحر الأسود قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات، وسيحتاج إلى استثمار مليارات الدولارات لتشييد بنية تحتية للإنتاج والإمدادات.
بينما قال رئيس تحرير موقع “إنيرجي ريبورترز”، جون بولوس، “إذا كان هناك كشف حقيقي وجرى تطويره، فسيستغرق الأمر سنوات للوصول إلى مرحلة الإنتاج”، بحسب ما نقلته “الإندبندنت”.
في حين نقلت وكالة “رويترز” عن مدير شؤون النفط والغاز في “مرصد المتوسط للطاقة” بباريس، صحبة كربوز، أن تركيا قد تمضي قدمًا في قرارات استثمارية بشكل سريع، مضيفًا أن العملية ستمضي بسرعة شديدة من حيث التمويل والوقت والإجراءات.
وقال كربوز، “ربما تكون هناك حاجة لمساعدة من شركات أجنبية من الناحية التقنية، لكني أرى 2023 هدفاً معقولاً”، بحسب “رويترز”.
وتنقل تركيا الغاز عبر خط “السيل التركي” من روسيا بخطي أنابيب يبلغ طول الأول 930 كيلومترًا، ويعبر قاع البحر الأسود، وهو مخصص لنقل الغاز إلى تركيا.
أما الثاني، الذي يبلغ طوله 180 كيلومترًا، فيمر بالأراضي التركية إلى حدودها الغربية، وهو مخصص لنقل الغاز إلى الدول الأوروبية.
هروب من الأعباء الخارجية
يرى المحلل الاقتصادي فراس شعبو، في حديثه إلى عنب بلدي، أن اكتفاء تركيا من الغاز سوف ينعكس على جميع قطاعاتها الاقتصادية.
وقال إن “تركيا تعتمد على الغاز في توليد الكهرباء، وبالتالي ستنخفض تكلفة المواد، وسيتحسن المنتج التركي في السوق، وستنسحب الفوائد على كامل الاقتصاد التركي”، لافتًا إلى أن تركيا كانت تنفق مليارات الدولارات لتمويل عملية استيراد الغاز من جهات خارجية.
كما يعتقد أنه في حال اكتشفت تركيا المزيد من الغاز بشكل كافٍ، “قد يسهم ذلك في قوة تركيا الاستراتيجية وستصبح مركزًا تجاريًا دوليًا، وتتخلص من الضغوط السياسية المتعلقة بروسيا”.
وتعول تركيا على قطاعات السياحة والتجارة الدولية، ففي 2019، كانت إيرادات تركيا من السياحة تقدر بـ35 مليار دولار أمريكي، بينما إيرادات التجارة الخارجية بـ380 مليار دولار، وفق شعبو.
ما مصير الغاز الروسي
يؤكد الخبير الاقتصادي التركي علاء الدين إسماعيل شنكولر، أن تركيا اليوم ليست بغنى عن الغاز الروسي (المورد الأكبر للغاز)، مستدركًا أنه إذا حصلت تركيا على الغاز الكافي لتغطية احتياجاتها على مدى بعيد، يمكن أن تستغني عن الغاز الروسي، وقال “لكن لا أعتقد هذا في الوقت القريب”.
وكانت استوردت تركيا حوالي 24 مليار متر مكعب من الغاز الروسي في عام 2018، لكن هذه الكميات انخفضت إلى حوالي 15.5 مليار متر مكعب في عام 2019، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر في عام 2020، بحسب موقع “رايستاد إنيرجي”.
وعند سؤال شعبو عن اعتزام تركيا بدء إنتاج الغاز المسال قال “أثبتت تركيا أنها قادرة على إنتاج جميع السلع بأقل التكاليف، وأعتقد أنها قادرة على إنتاج الغاز المسال”، مبينًا أن ذلك مرهون بحجم الغاز الذي قد تجده تركيا “فتأسيس مشاريع تسييل الغاز مكلفة جدًا”، وفق قوله.
–