إن حماية الآثار واجب وطني ومسؤولية مشتركة تتحملها الدولة والمجتمع معًا، فهي ثروة وطنية وإنسانية، تعزز الهوية وترسخها، ومعبر نطل منه على ماضي بلادنا، وحضاراته المتعاقبة منذ آلاف السنين.
ولطالما كانت إشكالية السكن في مناطق الحرم الأثري واحدة من القضايا العالقة بين السلطة والمواطن، وهي من المواضيع الإشكالية التي تحتاج إلى معالجة قانونية جذرية وعادلة، تعزز شعور المواطن بالمسؤولية والشراكة في حمايتها.
فمن جهة تقع على عاتق المجالس المحلية، والبلديات، ومديريات الآثار، مهمة حماية الآثار، والحفاظ عليها من التخريب، أو الطمس، أو أعمال التنقيب غير المشروع، أو إجراء تعديلات في المباني الأثرية، أو إزالة بقايا الجدران القديمة، أو إنشاء الأبنية الطابقية في منطقة الحرم الأثري.
ومن جهة أخرى فإن المواطن محروم من حقه في حرية التصرف بملكيته، بالتوسع أو التعديل أو زيادة عدد الطوابق، من دون وجود تعويض عادل لقاء هذا المنع، فالقانون لا ينص على دفع تعويض لأصحاب العقارات الواقعة ضمن الحرم الأثري، نتيجة لحرمانهم من ممارسة حقوقهم القانونية كمالكين.
فقد نص قانون الآثار رقم (222) لعام 1963 صراحة في المادة (6) منه على أن:
ملكية الأرض لا تُكسب صاحبها حق التصرف بالآثار الثابتة أو المنقولة التي قد توجد على سطحها أو باطنها، كما لا تخوله حق التنقيب عن الآثار فيها، ومن جهة أخرى فقد أعطى القانون للسلطات الأثرية، بموجب المادتين (4) و(5) منه، الحق بإجلاء الأفراد وإخلاء الهيئات التي تشغل أبنية تاريخية أو مناطق أثرية تملكها الدولة، ولها في حالات استثنائية يقدرها مجلس الآثار أن تمنح الذين شغلوا هذه الأماكن قبل صدور هذا القانون تعويضًا عن إجلائهم أو عن منشآتهم المستحدثة، وتُقدّر هذا التعويض لجنة خاصة تُؤلّف بمرسوم جمهوري.
كما أعطى القانون للسلطات الأثرية الحق باستملاك أي مبنى تاريخي، أو منطقة أثرية، وذلك وفقًا لأحكام قانون الاستملاك، ويقرر التعويض عن الاستملاك بصرف النظر عن القيمة الأثرية، والفنية، والتاريخية، للأبنية والمناطق المستملكة، ولهذه السلطات أن تستملك المباني أو الأراضي المجاورة أو المضافة إلى الآثار الثابتة المسجلة بقصد تحرير هذه الآثار وإظهار معالمها.
وقد نصت التشريعات الخاصة بالمناطق الأثرية على العديد من المواد الخاصة بحقوق الارتفاق والبناء في هذه المناطق، والتي قيّدت حقوق المالكين والمجاورين لها.
إذ تتضمن حقوق الارتفاق إيجاد حرم غير مبني حول المناطق الأثرية والمباني التاريخية، وتحديد طراز الأبنية الجديدة أو المجددة، وارتفاعاتها، ومواد بنائها، وألوانها، لتكون المنشآت الجديدة منسجمة مع المنشآت القديمة، ويشمل ذلك عدم فتح نوافذ أو شرفات على المباني التاريخية، أو المناطق الأثرية إلا بترخيص من السلطات الأثرية.
ولا يجوز للبلديات أن تمنح رخص البناء والترميم في الأماكن القريبة من المواقع الأثرية والأبنية التاريخية، إلا بعد موافقة السلطات الأثرية، لتضمن إقامة المباني الحديثة على النسق الذي تراه ملائمًا للطابع الأثري.
إذ يهدف المشرّع إلى حماية الآثار ماديًا ومعنويًا من خلال اشتراطه ترك مساحة خالية حول المناطق الأثرية، وتحديده نوعية الأبنية المقامة حول هذه المناطق الأثرية، وتدخله في أدق التفاصيل من حيث ارتفاعها ولونها، لتحافظ على طابعها الأثري.
كما حظر القانون على مالك أحد الآثار الثابتة المسجلة أن يقوم بهدمه، أو نقله كله أو بعضه، أو ترميمه، أو تجديده، أو تغييره على أي وجه بغير ترخيص سابق من السلطات الأثرية، ويكون إجراء الأعمال التي يرخص بها تحت إشراف السلطات الأثرية، وعند مخالفة ذلك تقوم السلطات الأثرية بإعادة البناء التاريخي إلى ما كان عليه، وتستوفى من المخالف نفقة ذلك، فضلًا عن العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون.
ولا يجوز وضع حقوق ارتفاق جديدة على الممتلكات الأثرية والتاريخية الثابتة المسجلة بعد تسجيلها، كما لا يجوز إسناد أي بناء جديد إلى هذه الممتلكات، ويُجبر المخالف على إزالة ما استحدث، وإعادة المكان إلى ما كان عليه على نفقته، وتحت إشراف السلطات الأثرية، أو تقوم هذه السلطات بذلك بنفسها، وتستوفى النفقات اللازمة علاوة على العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون.
ولا يجوز أن تكون الأرض الأثرية المسجلة مستودعًا للأنقاض أو للأقذار، كما لا يجوز أن يقام فيها بناء، أو مقبرة، أو وسائل للري، أو أن يحفر أو يُغرس فيها أو يقطع منها شجر، أو غير ذلك من الأعمال التي يترتب عليها تغير في معالم تلك الأرض دون ترخيص من السلطات الأثرية وإشرافها، ويحظر استعمال أنقاض الأبنية التاريخية المتهدمة، والخرائب الأثرية، أو أخذ أتربة أو أحجار من المناطق الأثرية دون ترخيص رسمي من هذه السلطات، وتمنع إقامة الصناعات الثقيلة والخطرة، والمنشآت الحربية، في حدود نصف كيلومتر من الممتلكات الأثرية والتاريخية الثابتة المسجلة.
وعلى كل شخص طبيعي أو معنوي، يشغل بناء تاريخيًا أو منطقة أثرية، أن يسمح لموظفي الآثار بالدخول للتفتيش عليه، ودراسته، ورسمه، وتصويره.
وفيما يخص المعاملات العقارية الخاصة بالعقارات الأثرية، فقد نص المشرّع في المادة (29) أنه:
إذا أراد مالك أحد الآثار الثابتة المسجلة بيعه أو رهنه، فعليه أن ينص في العقد على أن عقاره مسجل، وأن يخبر السلطات الأثرية بذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ توقيع العقد النهائي، ويعاقب المخالف بمقتضى أحكام هذا القانون.
وإن ما نص عليه قانون الآثار من قواعد متشددة هي قواعد منطقية وضرورية للحفاظ على هذه الكنوز الحضارية وإبراز معالمها، إلا أن الفجوة وتضارب المصالح لا يزال قائمًا بين الحكومة التي وضعت نفسها كجهة مسؤولة عن حماية المواقع الأثرية، والمواطنين الذين يسكنون في هذه المناطق، مع غياب وجود تعويضات عادلة ومتناسبة مع خسارتهم كونهم يحملون وحدهم عبء هذا التضارب، الأمر الذي يعكس حالة من العداء تجاه هذه القوانين، وقلة المسؤولية والوعي تجاه القيمة التاريخية والحضارية لهذه الآثار، وحالة من التكتم الشائعة في المجتمع السوري على الكثير من المواقع الأثرية، الواقعة ضمن الممتلكات الخاصة، وعدم الإفصاح عن وجودها، خوفًا من انعكاساتها عليهم.
كما لم يلزم القانون الدولة التنقيب عن الآثار، وتنظيم البعثات العلمية المختصة لاكتشافها، وإنما على العكس من ذلك، يتم طمس الكثير من هذه المعالم الأثرية من قبل السلطة، لتبقى مخبأة ومغمورة، في الوقت الذي تعد فيه هذه الآثار ثروة وطنية وحضارية إنسانية، وموردًا سياحيًا واقتصاديًا كبيرًا ينعش المدن والقرى السورية، ويحرّك عجلة الاقتصاد الوطني.
–