عنب بلدي – علي درويش
“كل محل ببيع على كيفو”، يصف إبراهيم المحمد، مهجر من ريف إدلب الجنوبي، وضع الغلاء في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا وتفاوت الأسعار بين يوم وآخر، مشيرًا إلى عدم فهم المواطنين آلية البيع والشراء، مع وجود ثلاث عملات تدخل في تسعير المواد بالمنطقة، هي الليرة السورية والليرة التركية والدولار الأمريكي.
وقال إبراهيم لعنب بلدي إن أصحاب المحلات يستسهلون رفع الأسعار بوحدة “الليرة” (في إشارة إلى الليرة التركية)، رغم أنها تعادل 300 ليرة سورية.
وكان إبراهيم يصرف الـ100 دولار لتكفيه مصروف عشرة إلى 15 يومًا، قبل استبدال الليرة التركية بالليرة السورية، لكنها حاليًا بالكاد تكفيه تلك المدة، قائلًا إن “التركي بيطير متل البنزين”، فجرة الغاز قبل أسبوع كانت بـ65 ليرة تركية وحاليًا بـ70 ليرة تركية، أي ارتفع سعرها 1500 ليرة سورية.
وسجلت الليرة السورية سعر صرف 305 ليرات سورية مقابل الليرة التركية للمبيع، و300 للشراء، بينما بلغ سعرها مقابل الدولار 2420 ليرة مقابل الدولار الواحد للمبيع و2390 للشراء، حسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
وكانت حكومتا “الإنقاذ” صاحبة النفوذ في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب، و”المؤقتة” صاحبة النفوذ في بقية مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، أقرتا استبدال الليرة التركية بالليرة السورية في حزيران الماضي، بعد تفاوت أسعار صرفها ووصولها إلى حدود 3000 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.
وأظهر تقرير نشرته منظمة “REACH” نسبة ارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، في مقارنة أجرتها بين شهري آذار وأيلول الماضيين (خلال الأشهر الستة الأخيرة)، واعتمدت على الليرة السورية في المقارنة، وبيّنت أن التكاليف على الشركات الصغيرة والمتوسطة زادت بنسبة 97% وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة بالأصناف الغذائية بنسبة 100%.
كما ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 126%، وأسعار صهاريج المياه 80%، والاتصالات 60%، والوقود (بنزين ومازوت السيارات) 65%، ومواد التنظيف 101%، إضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الشتاء.
تفاوت سعر الصرف مشكلة على جميع الصعد
وقال محمد الدرويش، وهو صاحب محل غذائيات في إدلب، لعنب بلدي، إن أصحاب المتاجر الصغيرة يعانون أيضًا من فرق العملة سواء التركية أم السورية مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما يؤدي إلى عدم ثبات الأسعار.
فمعظم البضاعة في أسواق مناطق المعارضة مستوردة، ويدفع التجار سعر البضائع بالدولار، ثم يحدَّد سعرها بالليرة التركية، عدا بعض المواد المنتجة محليًا كالخضراوات، التي أيضًا تأثرت أسعارها لأسباب أخرى، حسبما رصد مراسل عنب بلدي عبر عدة لقاءات أجراها مع تجار.
ويضع أبو محمود، بائع محروقات على “بسطة” في مدينة الدانا شمالي إدلب، ربحًا يصل في أحسن أحواله إلى 30 قرشًا تركيًا على كل ليتر وقود يبيعه (بنزين ومازوت)، حسب حديثه إلى عنب بلدي.
إلا أنه يتعرض لمساءلة من قبل الأهالي عن سبب ارتفاع أسعار المحروقات، الذي أرجع سببه للشركات الموردة في مناطق سيطرة المعارضة.
الأسعار تخضع للعرض والطلب.. الدعم لمواد محددة
أوضح وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، الدكتور في الاقتصاد عبد الحكيم المصري، في حديثه إلى عنب بلدي، أن الحكومة حافظت على النسب الجمركية بعد استبدال العملة التركية بالسورية، خاصة أن قسمًا كبيرًا من المواد يُستورد بالدولار إلى مناطق سيطرة المعارضة.
وتخضع الأسعار للعرض والطلب، ولا توجد دولة تحدد سعرًا لمادة معينة سوى المواد المدعومة من الدولة، و”الحكومة المؤقتة” تدعم سعر الخبز، ويباع في مناطق سيطرتها بليرة تركية واحدة في أفران المجالس المحلية التابعة لها، كون المادة منتجة في الداخل.
أما المواد المستوردة من قبل التجار فتخضع للعرض والطلب مقابل منع الاحتكار، إذ تستورد المواد من قبل جميع التجار، لتحقيق المنافسة في السوق، بحسب المصري، مشيرًا إلى وجود أشخاص يستغلون الأسعار إلى حد ما، نتيجة عدم ثبات سعر صرف الليرة التركية والسورية، ويستبقون انخفاض قيمة العملة برفع أسعار المواد.
والحكومة أو المجالس المحلية، حسب المصري، تنحصر إجراءاتها في مراقبة الأسعار، والسماح للتجار باستيراد المواد وإدخالها، وتثبيت الرسوم الجمركية، وتخفيضها على بعض المواد الأساسية، وهي مخفضة ولا تؤثر على الأسعار، حسب المصري، والاستمرار بدعم الخبز.
كما أن رسوم المحروقات الجمركية بسيطة، ويمكن أن يطرَح مقترح لتخفيضها أو إلغائها، حسب المصري، مشيرًا إلى أن النفط القادم من مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لا علاقة للحكومة به، ولا تفرض رسومًا عليه، لأن المعابر التي ينقل النفط عن طريقها لا تخضع لإدارة الحكومة.
المحروقات وخسارة الأراضي أثرتا على المنتجات المحلية
لم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد المستوردة، بل طال أيضًا المواد المنتجة محليًا، وعلى رأسها الخضراوات.
وبرر الوزير عبد الحكيم المصري ارتفاع أسعارها، بخسارة أجزاء واسعة من المساحات الزراعية في أرياف حماة الجنوبي وإدلب الشرقي والجنوبي وحلب الغربي، نتيجة سيطرة النظام عليها، عبر حملات عسكرية متتالية منذ نيسان 2019 حتى 5 من آذار الماضي.
وبفقد هذه الأراضي الزراعية انخفض الإنتاج الزراعي في مناطق سيطرة المعارضة، وبالتالي سترتفع الأسعار، بغض النظر عن ارتفاع سعر الصرف أو انخفاضة، حسب المصري.
وأدى تقدم النظام السوري على حساب المعارضة منذ نيسان 2019 إلى خسارة أراضٍ زراعية، ما شكل خطرًا على الأمن الغذائي في مناطق سيطرة المعارضة، مع خسارة نحو ألفين و300 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، وبقاء ألف و500 كيلومتر مربع لمصلحة المعارضة (خسارة نحو 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة).
هذه الأرقام للأراضي الزراعية جزء من مساحة تقدم النظام إليها تقدر بنحو ثلاثة آلاف و140 كيلومترًا مربعًا، منذ 27 من آب 2019، بحسب إحصائية لمركز “نورس للدراسات” في شمال غربي سوريا، أفاد بها عنب بلدي.
ويعتمد الأهالي في مناطق شمالي وشمال غربي سوريا على الأراضي الزراعية بالدرجة الأولى لتحصيل مواردهم الاقتصادية، وما يضاف إليها من بعض الصناعات الصغيرة التي تعتمد على المحاصيل الزراعية، لأنها مناطق زراعية بامتياز، سواء مناطق ريف حماة الشمالي، أو إدلب الملقبة أصلًا بـ”الخضراء”، أو أرياف حلب، بحسب حديث سابق للباحث الاقتصادي خالد تركاوي إلى عنب بلدي.
المحروقات ترتفع ست مرات منذ تموز الماضي
ارتفع سعر المحروقات ست مرات منذ تسعيرها بالليرة التركية في حزيران الماضي، من قبل شركة “وتد” المسيطرة على معظم الحصة السوقية لقطاع المحروقات في إدلب وجزء من ريف حلب الغربي.
كما ارتفعت أسعارها في مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة.
ويؤثر ارتفاع أسعار المحروقات على مختلف القطاعات الأخرى وخاصة الزراعية، إذ أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى ارتفاع أجور النقل وتكلفة سقاية الأراضي الزراعية، حسبما أكد المزارع محمد سالم خضرو لعنب بلدي.
كما يستخدم في تشغيل المنشآت الصناعية في مناطق المعارضة، وبالتالي ارتفاع أسعار كل ما يتعلق بإنتاج هذه المنشآت.
وتعد الزراعة المورد الرئيس لشمالي سوريا، إلى جانب قطاع النقل، في منطقة حدودية كإدلب وحلب، ما يعني وجود قطاعات اقتصادية تستند إلى الزراعة، كبرادات لتخزين المواد الغذائية (خاصة المنتجات الزراعية)، وسيارات نقل البضائع عبر المعابر، حسب الباحث خالد تركاوي.
تبرير مكرر لرفع سعر المحروقات رغم الرقابة
تتأثر أسعار النفط في مناطق المعارضة بأسعار النفط العالمية، إذ تستورد النفط من تركيا عبر شركة واحدة تمد كل المنطقة بالنفط، كما أن الارتفاع الأخير لسعر جرة الغاز كان نتيجة رفع الشركة الموردة للغاز لسعر الجرة، حسب المكتب الإعلامي لشركة “وتد” في حديث إلى عنب بلدي.
وقال مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد بحكومة “الإنقاذ”، محمد زكريا دعبول، في مراسلة إلكترونية لعنب بلدي، إن تسعير المحروقات يجري بإشراف وزارة الاقتصاد عبر الشركات المرخصة في هذا المجال، ويؤخذ بعين الاعتبار جميع التكاليف في سلسلة التزويد بالمشتقات النفطية.
وأي ارتفاع أو انخفاض نسبي لسعر صرف الدولار أمام الليرة التركية سيعدَّل وفقه السعر لدى الوزارة، كما أن أي ارتفاع أو انخفاض في السعر من قبل الشركة الموردة يؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في السعر لديها، وهذا بالنسبة للمشتقات الأوروبية المستوردة من تركيا، أما المازوت “المفلتر” القادم من مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، فسعره يخضع لتذبذبات السوق في مناطق “قسد”، وتغير سعر المشتقات النفطية الأوروبية، حسب محمد دعبول.
إلا أن المحروقات لم تشهد منذ حزيران الماضي أي خفض لأسعارها، بحسب ما رصدته عنب بلدي لنشرات أسعار الشركات، ومحطات الوقود في مناطق المعارضة.
وتخضع شركات المحروقات في مناطق نفوذ “الإنقاذ” لرقابة عبر مديرية التموين في وزارة الاقتصاد، وهناك لجان مختصة بالتنسيق مع “وتد” والرقابة على عمل الشركة من قبل وزارة الاقتصاد، كما أن هناك لجانًا تراقب وتراجع الشركة مع كل رفع أسعار عن سببه، وتناقش الأسعار الجديدة عبر عمليات حسابية تجرى لضبطها، حسب مكتب “وتد” الإعلامي.