عنب بلدي – علي درويش
لم ينتهِ الجدل الذي أُثير في الأيام الأخيرة، حول سحب نقاط المراقبة التركية الموجودة في مناطق سيطرة النظام، إلا بعد توجه رتل سيارات وناقلات من النقطة التركية التاسعة في مورك شمالي حماة، بعد عمليات تفكيك وإفراغ وتحميل محتويات النقطة، ثم نقلها إلى جبل الزاوية جنوبي إدلب.
انسحاب النقطة التاسعة أثار تساؤلًا حول سحب بقية نقاط المراقبة التركية، مع عدم وجود توضيحات من الحكومة التركية حول أسباب سحب النقطة، ومصير النقاط الأخرى.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، قال قيادي عسكري في “الجبهة الوطنية للتحرير” المنضوية ضمن “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، إن الأتراك سيسحبون جميع نقاط المراقبة في مناطق سيطرة النظام، واُتخذ القرار في 15 من تشرين الأول الحالي.
كما رجح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، في حديثه إلى عنب بلدي، انسحاب الأتراك من نقاط المراقبة الأربع الموجودة في مناطق سيطرة النظام ضمن جدول زمني.
بينما نقلت وكالة “رويترز” عن “مصدر مطلع”، أن “القوات المسلحة التركية لا تفكر في إخلاء نقطة مراقبة أخرى في هذه المرحلة”.
وتوجد في مناطق سيطرة قوات النظام أربع نقاط مراقبة تركية، هي مورك شمالي حماة، وشير مغار بجبل شحشبو جنوب غربي إدلب، والصرمان جنوب شرقي إدلب، وتل طوقان شرقي إدلب.
وأُنشئت 12 نقطة مراقبة تركية في منطقة “خفض التصعيد” شمال غربي سوريا، بدءًا من 17 من تشرين الأول 2017، بعد شهر من توصل تركيا وروسيا في “أستانة” لاتفاق يتضمن إنشاء منطقة آمنة منزوعة السلاح.
التأثير العسكري يحتاج إلى وقت ليتضح
نفى المحلل العسكري العقيد زياد حاج عبيد، في لقاء مع عنب بلدي، أن يكون لانسحاب النقاط التركية من ريف حماة تأثير على مناطق سيطرة المعارضة من الناحية العسكرية، مشيرًا إلى أن هناك مفاوضات جرت بين الروس والأتراك الذين لن يسحبوا النقاط “دون مقابل”، حسب تعبيره.
بينما يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، في حديثه إلى عنب بلدي، أن انسحاب الأتراك من نقاط المراقبة في مناطق سيطرة النظام، هو بمثابة التنازل “نوعًا ما” عن السقف التفاوضي الذي اقترحه الأتراك في مفاوضاتهم مع الروس، وهو انسحاب النظام خلف حدود منطقة “خفض التصعيد”.
ويدل سحب النقاط على استعداد تركيا “لمرحلة تصعيد معينة”، يمكن أن تكون من قبل النظام وحليفه الروسي بشن عملية عسكرية، وتتطلب مرحلة التصعيد إعادة توزيع القوات العسكرية في مناطق سيطرة المعارضة.
وتتضح عملية إعادة توزيع القوات (إعادة التموضع) مع سحب جميع نقاط المراقبة التركية في مناطق النظام، ومكان انتشارها الجديد في مناطق سيطرة المعارضة، وعلى أساسها يمكن قياس الأثر الأكبر لتلك الانسحابات، حسب الباحث معن طلاع.
ولخص الباحث أثر انسحاب النقاط العسكرية على العملية السياسية في إدلب باحتمالين، الأول استجابة الأتراك للضغوط الروسية، وبالتالي إعلان نهائي لقضم هذه المناطق من قبل النظام، أي ترسيم حدود جديدة لمنطقة إدلب.
والاحتمال الثاني، أن تسبب إعادة توزيع القوات التركية في مناطق المعارضة وانسحابها من مناطق النظام أثرًا عسكريًا مهمًا، بتقوية خطوط الدفاع المتقدمة في مناطق سيطرة المعارضة، أي خطوط التماس مع قوات النظام.
وفي كلا الاحتمالين، أي اتفاق يبقى قلقًا، لأنه يراعي مبادئ الاتفاق الأمني لأطراف الصراع في سوريا دون وجود خلفية سياسية في الاتفاق.
ونشرت القوات التركية بعد توقيع اتفاق “موسكو”، في 5 من آذار الماضي، عدة نقاط عسكرية في مناطق سيطرة المعارضة، منها نقاط في مناطق استراتيجية، كتل النبي أيوب، والنقطة العسكرية في قرية قوقفين بجبل الزاوية جنوبي إدلب.
وبرأي الباحث معن طلاع، فإن إدلب ستبقى حتى نهاية العام الحالي ومطلع العام المقبل عين الأحداث في سوريا، لذلك يمكن إجراء عدة مفاوضات عسكرية ابتداء، وحتى مفاوضات سياسية ودبلوماسية على مستوى وزارتي الخارجية بين الأتراك والروس، منطلقين من نقطة توسيع اتفاق “أضنة”، بحيث يضمن هذا الاتفاق للروس والنظام حرية الحركة على الطرق البرية، خاصة طريقي “M4″ و M5″” الدوليين، حسب الباحث معن طلاع.
إدلب خط دفاعي للأمن القومي التركي
لسحب الأتراك نقاط مراقبتهم أهداف عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى، وليست أهدافًا سياسية، فعلى المستوى الاستراتيجي، لا تزال إدلب تشكل نقطة دفاع متقدمة للأمن القومي التركي، حسب الباحث معن طلاع.
وتعتبر تركيا “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا خطرًا على أمنها القومي، مع امتلاكها ذراعًا أمنية قوية تنتشر على الحدود المشتركة السورية- التركية.
وبقاء تركيا في هذه المناطق هو ضمان لأمنها القومي، بعدم استحواذ “الإدارة الذاتية” على كامل الحدود السورية- التركية.
وأهداف انسحاب تركيا متعلقة بترتيبات أمنية “بالغة الدقة والحذر”، ستتضح ملامحها في حال تعزيز تموضعها في مناطق سيطرة المعارضة وتمكين خطوطها الأولى، لا سيما جبل الزاوية، لأن انهياره يعني انهيارًا متدحرجًا لبقية المناطق، وذلك يجعل الوصول إلى “باب الهوى” محتملًا.
رفض تركي سابق.. النقاط تعني التمسك باتفاق “سوتشي”
أبقى الأتراك على نقاط مراقبتهم في مناطق سيطرة النظام بعد سيطرة الأخير على أجزاء من ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الشمالي وريف حماة الشمالي، نتيجة الحملات العسكرية المتتالية للنظام مدعومًا بروسيا والميليشيات الإيرانية، منذ نيسان 2019 حتى توقيع اتفاق “موسكو”، في 5 من آذار الماضي، بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، وبدأ سريانه في 6 من الشهر نفسه.
وقال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادي، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن وجود نقاط المراقبة في مناطق سيطرة النظام يعني تمسك الأتراك باتفاق “سوتشي” الذي يثبت الوضع الحالي في إدلب، ما يجعل من الوضع الحالي لمنطقة شمال غربي سوريا انطلاقة للعملية السياسية السلمية، فأي تغيير في هذا الواقع اليوم في المنطقة يهدد العملية السياسية.
كما أن عدم انسحاب النقاط التركية من مناطق سيطرة النظام، يعني عدم إعطاء شرعية للنظام وروسيا بالسيطرة على مناطق جنوبي وشرقي إدلب وريف حلب الغربي، حسب حديث القيادي في “الجيش الوطني”، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، إلى عنب بلدي.
وتستخدم النقاط كورقة ضغط في أي مفاوضات بين روسيا والأتراك، وعسكريًا لها دور في الاستطلاع، ودور كوحدة قتالية إنذارية كونها موجودة في عمق مواقع العدو، حسب النقيب عبد السلام.
وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال لقائه مع قناة “CNN” التركية، في 17 من أيلول الماضي.
وألمح وزير الخارجية التركي خلال لقائه مع قناة “CNN” التركية، إلى إمكانية انتهاء العملية السياسية في إدلب، في حال عدم توصل بلاده إلى اتفاق مع روسيا.
وقال الوزير، “بالنسبة لسوريا، نحن بحاجة إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة إدلب أولًا”.
وأضاف، “يحتاج وقف إطلاق النار في سوريا إلى الاستمرار والتركيز أكثر قليلًا على المفاوضات السياسية”، مشيرًا إلى وجوب وجود هدوء نسبي في المحافظة، لأنه إذا استمرت المعارك، فقد تكون العملية السياسية قد انتهت.
مقترح روسي سابق لسحب الأتراك نقاطهم
نقلت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية، منتصف أيلول الماضي، عن مصدر لم تسمه، أن وفدًا روسيًا قدم خلال اجتماع في مقر وزارة الخارجية التركية بأنقرة، مقترحًا لتخفيض عدد نقاط المراقبة التركية في إدلب، “دون أن يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن”.
وتحدث المصدر عن أنه “تقرر تخفيض عدد القوات التركية الموجودة في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة”، بعد رفض الجانب التركي سحب نقاط المراقبة التركية وإصراره على إبقائها.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصدر روسي، أن موسكو عملت على إقناع أنقرة بتقليص الوجود العسكري في إدلب وسحب الأسلحة الثقيلة، خلال محادثات في أنقرة.
وقال المصدر للصحيفة، إن الوفد الروسي قدم اقتراحه، “لكن الطرفين فشلا في التوصل إلى تفاهم بهذا الشأن، في حين شهد اليوم الثاني من المحادثات نقاشًا تفصيليًا حول آليات سحب جزء من القوات التركية المنتشرة في المنطقة، مع سحب الأسلحة الثقيلة، والإبقاء على نقاط المراقبة التركية”.
ولفت المصدر إلى أن “أنقرة أصرت على الاحتفاظ بكل نقاط المراقبة، لكنها أبدت مرونة في الحديث عن سحب جزء من قواتها مع الأسلحة الثقيلة، والنقاشات ركزت على آليات القيام بذلك لضمان عدم وقوع استفزازات في أثناء عمليات الانسحاب”، لكن لم تعلّق مصادر رسمية تركية أو روسية على هذه المعلومات.
وتخضع محافظة إدلب لاتفاق “موسكو” الموقّع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، في 5 من آذار الماضي، ونص على إنشاء “ممر آمن” على “M4”.
وتضمّن الاتفاق تسيير دوريات مشتركة روسية- تركية على الطريق بين قريتي ترنبة غربي سراقب (شرقي إدلب) وعين حور بريف إدلب الغربي، على أن تكون المناطق الجنوبية لطريق “M4” من الممر الآمن تحت إشراف الروس، وشماله تحت إشراف الأتراك.
لكن فريق “منسقو الاستجابة” وثق 3174 خرقًا لوقف إطلاق النار من قبل قوات النظام وروسيا، أدت إلى مقتل 33 مدنيًا، منذ بدء سريان الاتفاق حتى 16 من تشرين الأول الحالي.
ويشمل خرق الاتفاق استهداف مناطق المعارضة بالقذائف المدفعية والصاروخية، والطائرات المسيّرة والطائرات الحربية الروسية، في عدة مناطق بإدلب وحماة وحلب.