د. أكرم خولاني
رغم مرور عدة أشهر على ظهور فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) وانتشاره بين الناس في مختلف بلدان العالم، ما زال هناك اختلاف بين الحكومات في طريقة التعامل مع تفشي هذه الجائحة، إذ إن إحدى أكثر القضايا التي تثير الجدل منذ ظهور هذا الفيروس هي ما إذا كان أولئك الذين أُصيبوا به يمكن أن يصابوا به مرة أخرى، وما يعنيه ذلك من إمكانية وصول المجتمع إلى ما يسمى “مناعة القطيع”.
هل يمكن أن يصاب الشخص بـ”كورونا المستجد” أكثر من مرة؟
قد تبدو الإجابة النهائية عن هذا السؤال الكبير غير معروفة حتى الآن، إذ إنه لم تنشر دراسة علمية أكاديمية حتى الآن تفيد بإصابة الشخص المتعافي من “كورونا المستجد” مرة أخرى أم لا.
إلا أن تقارير يابانية وصينية كشفت عن أن أشخاصًا أُصيبوا مرة أخرى بفيروس “كورونا المستجد” بعد شفائهم منه لأول مرة وعودة تحاليل “PCR” الخاصة بهذا الفيروس لديهم سلبية.
وأوضحت إحدى الدراسات أن تعافي الشخص من الفيروس واختفاء الأعراض، والحصول على نتيجة سلبية للاختبار لعدم وجود فيروس “كورونا المستجد”، لا يعني أن الجسم خالٍ منه، فقد يكون موجودًا لكن بشكل منخفض بحيث لا يستطيع الاختبار كشفه، وبالتالي فقد تكون الإصابة الثانية هي إعادة تفعيل للإصابة الأولى وليست عدوى جديدة.
التفسير الآخر هو أن فحص “كورونا المستجد” المنتشر حاليًا يؤكد أن الشخص مصاب بهذا الفيروس عند اكتشاف وجود الحمض النووي الريبي (RNA) للفيروس في العينة المأخوذة من الشخص، لكن هذا الحمض المكتشف في الفحص قد يكون مجرد جزء صغير من الحمض النووي الريبي للفيروس، ولا يمتلك القدرة على التسبب بالإصابة، وبالتالي فإن النتائج التي تظهر في هذه الحالة ستكون بالفعل إيجابية غير أنها كاذبة، لأن الشخص في الحقيقة ليس مصابًا، وبالتالي فإن تحاليل الأشخاص الذين أُصيبوا مرة ثانية ربما كانت غير صحيحة أول مرة.
ورغم ذلك، فقد تم توثيق حالتين على الأقل للإصابة بـ”كورونا المستجد” للمرة الثانية بشكل مؤكد:
الحالة الأولى لمريض من هونغ كونغ في الصين، أُصيب أول مرة بالفيروس وكانت إصابته عرضية ثم تعافى وأصبح تحليل (PCR) لديه سلبيًا، ثم أُصيب مرة أخرى بعد 142 يومًا، لكن الإصابة الثانية كانت إصابة خفيفة وغير عرضية.
الحالة الثانية لمريض من نيفادا في أمريكا، أُصيب أول مرة بالفيروس وشفي منه ثم أُصيب مرة ثانية بعدها بـ48 يومًا، وكانت الإصابة الثانية أشد من الأولى وترافقت بالتهاب رئوي.
في كلتا الحالتين تم الكشف عن اختلاف في الحمض النووي الريبي بين فيروس الإصابة الأولى وفيروس الإصابة الثانية، وهذا أكد أن الإصابة الثانية هي إصابة جديدة وليست استمرارًا للإصابة الأولى.
هل يعني ذلك أن الإصابة بـ”كورونا” لا تؤدي إلى تشكيل مناعة ضد هذا الفيروس؟
من المعروف الآن أن هناك مناعة مكتسبة بعد الإصابة بفيروس “كورونا المستجد” تبدأ بعد 1-2 أسبوع من الإصابة، ليرتفع مستواها في الدم تدريجيًا، ثم تبدأ بالانخفاض بعد 60– 90 يومًا من الإصابة، لكن تبقى هناك خلايا ذاكرة في نقي العظم، ويمكن لها أن تتفعل مرة أخرى عند التعرض للفيروس مرة ثانية، وتكون قادرة على حماية المريض من الإصابة مرة ثانية.
ولا تعرف تمامًا مدة المناعة المكتسبة عند المريض بعد الإصابة، ولكن قياسًا على الإصابة بفيروسات “كورونا” الأخرى، مثل سارس، فيُعتقد أن هذه المناعة ستكون مدتها من سنة إلى سنتين وربما ثلاث سنوات.
كيف يمكن تفسير حدوث العدوى لمرة ثانية عند بعض الأشخاص خلال بضعة أشهر؟
قد يكون لسبب أو لآخر هناك مشكلة في تكوين المناعة عند بعض الأشخاص، ما يعني عدم تشكل أجسام مضادة لفيروس “كورونا المستجد”، وبالتالي إمكانية إصابتهم مرة ثانية بالفيروس، ولكن ستكون الإصابة في المرة الثانية أضعف من الأولى، ومع ذلك يمكن أن تكون الإصابة الثانية شديدة، إلا أن هذه الحالات هي حالات نادرة جدًا وليست هي القاعدة.
أخيرًا، لا بد أن نؤكد أن حدوث مناعة مكتسبة عند معظم من يصابون بـ”كورونا المستجد” لا تعني أن الشخص الذي أُصيب أول مرة بالفيروس يمكنه أن يتخلى عن الالتزام بطرق ووسائل الوقاية من العدوى، وإنما عليه أن يتابع بها دون تهاون.
اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن السلالة الجديدة من “كورونا المستجد”