عنب بلدي – داريا
أظهرت معركة «لهيب داريا»، التي انطلقت مطلع الشهر الجاري، تقدمًا في المستوى العسكري لمقاتلي الجيش الحر، إذ أحرزت إنجازات هامة على الأرض واستطاع المقاتلون في غضون أيام استعادة السيطرة على مساحات واسعة والتمركز فيها، رغم تفاوت التسليح لصالح النظام في المعارك المستمرة على جبهات المدينة.
وبعد معارك عنيفة جرت نهاية عام 2012 إثر الحملة التي شنتها قوات الأسد لتحكم قبضتها على المدينة، خسر الجيش الحر خلال شهرها الأول القسم الشمالي في المدينة وبعض أطرافها في المنطقتين الشرقية والغربية وسط أعداد كبيرة من الشهداء.
وينقل النقيب أبو جمال، قائد لواء شهداء الإسلام، لعنب بلدي عثرات الجيش الحر في البداية، التي تمثلت في قلة التنظيم والتفرقة «لم يكن في المدينة جسمٌ جامعٌ لمجموعات الجيش الحر، كانت كتيبة شهداء داريا في طور التأسيس، بينما تعمل حوالي 54 مجموعة وحدها دون ترابط مع البقية» ما انعكس سلبًا على سير المعارك.
ويضيف «عند تقدم إحدى المجموعات أو تراجعها تجبر مجموعة أخرى على الانسحاب خوفًا من الحصار أو قطع طريق الإمداد عنها من قبل قوات الأسد، ما أدى إلى خسارة نقاطٍ مهمة».
وفي آذار من عام 2013 نظّم مقاتلو المدينة هيكلية الشق العسكري بتشكيل لواء شهداء الإسلام المؤلف من عدة كتائب، والمسؤولة بدورها عن مجموعات متخصصة لتأمين طرق إمدادها وتدريبها «كان لهذا التشكيل العسكري دور كبير في تغيير مجرى المعارك وقلب الموازين»، بحسب أبي جمال، الذي يردف أن الأشهر الخمسة الأولى من المعركة أكسبت المقاتلين خبرات قتالية واسعة في التصدي للعدو «ثم تطورت هذه الخبرات وأصبحت منظمة بعد تشكيل اللواء الذي يتولّى قرابة 70% من جبهات المدينة، لتنتقل من الدفاع إلى الهجوم».
وانتقالًا إلى المرحلة الثانية في أيار من العام ذاته، عمد مقاتلو اللواء، بالتنسيق مع الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام بمجموعاته المتواجدة في المدينة، إلى تثبيت نقاط تمركزهم ولم يستطع النظام تحقيق مكاسب عسكرية منذ ذلك الحين. كما خاض الحر عدة معارك في قطاع مسجد العباس واستطاعوا السيطرة على عددٍ من الأبنية.
وفي سبيل تنظيم «أفضل»، شكل الاتحاد الإسلامي ولواء شهداء الإسلام غرفة عمليات مشتركة، نفذت هجمات لتحرير عشرات الأبنية كعملية المجمع وسط المدينة، وعملية بشر الصابرين في الجبهة الشرقية.
آخر العمليات وأوسعها معركة «لهيب داريا» التي انتهت بتحرير منطقة الجمعيات بالكامل وعشرات الكتل من الأبنية بالقرب من طريق المعضمية – داريا وتقدّر بأكثر من 2 كيلومتر مربع، ما جعل مطار المزة العسكري مكشوفًا أمام المقاتلين، بالإضافة إلى قتل 120 عنصرًا على الأقل لقوات الأسد وأسر آخرين واغتنام كمية كبيرة من الذخائر، بحسب تقديرات لواء شهداء الإسلام.
وفي حديثه عن الخبرات العسكرية يقول أبو جعفر الحمصي، قائد عمليات لواء شهداء الإسلام، إن المعارك أعطت المقاتلين مهاراتٍ واسعة إضافة إلى الدورات التدريبية التي نظمها اللواء في المدينة لاستخدام السلاح والمناورة العسكرية وقتال الشوارع، ويضيف «قادة المجموعات في الجيش الحر يضاهون ضباط الرتبة العالية في جيش النظام من ناحية الخبرة القتالية والقدرة على اتخاذ القرار المناسب أثناء المعارك».
وينتمي غالبية المقاتلين إلى المدينة والمناطق المجاورة لها ولم تكن لديهم أي خبرة في حمل السلاح «فمنهم الفلاح والعامل والجامعي حملوا السلاح عندما دعت الضرورة له، وتأقلموا مع ظروف المعركة» وفق أبي جعفر، الذي يشير إلى الاستثمار المتقن للسلاح المتوافر رغم «تواضعه».
ويشير القيادي إلى التكيف للتعامل مع القوة التدميرية لسلاح الأسد الثقيل «بأساليب جديدة للأمان كحفر الخنادق والأنفاق ما جعل البراميل المدمرة والصواريخ دون جدوى»، ويضيف «إن قناعة الثبات عند المقاتلين هي أحد الأسباب التي أدت إلى صمودهم كل هذه الفترة».
ويؤكد أبو مالك قائد إحدى المجموعات أن «معظم المقاتلين في المدينة لم يخضعوا لدورات عسكرية أو تدريبية، اكتسبنا الخبرات من خلال المعارك التي خضناها، كما أن قساوة المعارك وضراوة النظام بقصفه جعلتنا أكثر إصرارًا وتمسكًا بأرضنا».
ويحاول النظام منذ قرابة ثلاثة أعوام اقتحام الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو الحر وتبعد أقل من 10 كيلومترات عن مركز العاصمة دمشق، عبر قصفٍ متواصل من ثكناته العسكرية المحيطة بالمدينة إلى جانب حملات عسكرية متكررة لكنه لم ينجح في ذلك إلى اليوم، فهل ستبقى «عصيةً» حتى سقوطه؟