عبد اللطيف الحمصي – حمص
شهدت مدينة حمص نشوء أسواق بديلة منذ عام 2012 وحتى اليوم، بسبب المعارك في أحياء باباعمرو وحمص القديمة وتضرر أسواقها بما تحويه، ابتداءً من الخضراوات واللحوم والتوابل مرورًا بالألبسة ومستلزمات المنزل وانتهاءً بالإلكترونيات.
وأدت الظروف الأمنية والعسكرية التي شهدتها المدينة إلى توقف وإغلاق حي الدبلان الشهير
بسبب قربه من تلك المعارك، ورافق ذلك تهجير السكان من أحيائهم ليضطر أصحاب المحلات إلى ابتكار حلول لكسب قوت يومهم، فافتتحوا محلات على شكل بسطات مسقوفة بـ «ألواح توتة» تدعى البراكية، وذلك على شكل تجمعات للمحلات فيما سمي بـ «أسواق التنك».
وتنتشر أسواق التنك في كل من أحياء الإنشاءات وكرم الشامي والحمرا، إضافة إلى شارع الفردوس في حي الوعر المحاصر، وشهدت تطورًا ملحوظًا بين عامي 2013 و2015 من حيث البناء والتوسع والمنتجات التي تبيعها.
وبدأت بعض البراكيات العشوائية منتصف عام 2012، إلى أن زاد عددها واضطرت البلدية لتنظيمها في أسواق مجتمعة ومحلات متقاربة، تظهر للغريب على أنها أسواق أصيلة في المدينة وليست مستحدثة بفعل سياسة التهجير، كما بدأت هذه البراكيات ببيع الخضروات والفواكه، وهي الآن تبيع جميع المنتجات من لحوم ومواد منزلية وبقالة وربما أجهزة إلكترونية وصيانة جوالات.
ولم تقتصر البراكيات على أصحاب المحلات في الأسواق المدمرة، بل إن كثيرًا من أصحاب المهن الأخرى اضطروا للعمل فيها للحصول على لقمة عيشهم، ويحدثنا (م. ر) الذي كان يملك مغسلًا للسيارات في أحد أحياء حمص المدمرة «نزحت من بيتي إلى حي كرم الشامي ودُمر مغسل السيارات الذي افتتحته بما جمعته من مال طوال 20 عامًا، واضطررت لافتتاح بسطة كبيرة لأستطيع دفع إيجار البيت الذي أتشاركه مع أخوتي لتحصيل لقمة أولادي».
ويتابع «ليت الأمر توقف عند التهجير وتدمير ما جنيته طوال عمري، لقد عشنا أيام رعب حقيقية في هذا السوق بسبب سقوط قذائف هاون علينا طوال عام كامل حين كانت المعارك مشتعلة بين النظام وثوار حمص القديمة المحاصرين»، موضحًا «كان النظام يقصف أسواق النازحين كلما قصفه الثوار في معاقله، لقد قتل وجرح الكثير أمام عيني».
بدوره ينقل (ب. خ)، الذي يملك بسطة صغيرة للخضراوات ما اعتبره «تسلّط» البلدية على قوت المهجرين، «فرضت علينا البلدية بإيعاز من فروع الأمن في كل حي رسومًا شهرية وشروطًا لاستمرار أشغالنا في البراكيات، لقد بنينا البراكيات بأنفسنا وتكلفنا عليه من مالنا الخاص ثم ندفع الآن أجورًا شهرية عليها، إضافة للإحصاءات والدراسات الأمنية التي تجريها علينا فروع الأمن المختلفة في كل فترة وكأننا نبيع الممنوعات».
وشهدت أغلب الأحياء القديمة والسوق المسقوف وحي القصور (الذي يضم سوق الهال الرئيسي وجورة الشياح الشهير بأسواق الكهرباء والإلكترونيات) وأسواق الخضار في بابا عمرو حالات تهجير وإفراغ للسكان، وبقيت حمص محصورة في ثلاثة أحياء فقط هي: الإنشاءات وكرم الشامي وحي الملعب والغوطة، إضافة لحي الوعر المحاصر، ويحوي كلٌ منها سوقًا مستقلًا نظرًا لصعوبة التنقل بين الأحياء في ظل التشديد الأمني والحواجز.