محمد جمال طحان لعنب بلدي: معارك الثمانينيات أثرت على حضور المثقفين في الثورة السورية
تحاول الأنظمة الديكتاتورية الحد من تحركات المثقفين وأدوارهم في المجتمعات، لعلمهم بمدى التأثير على الشعوب، وهذا ما يشكل خطرًا على هذه الأنظمة، خاصة أن المثقفين يملكون القدرة على رفع الوعي لدى الناس، وشرح مخاطر الأنظمة الديكتاتورية ومحاصرتها للمجتمعات.
ومع سيطرة حافظ الأسد على مقاليد الحكم في سوريا، بعد انقلاب عام 1970، الذي عُرف لاحقًا باسم “الحركة التصحيحية”، بحسب النظام السوري، سار الأسد على نفس المسار، واعتقل عشرات المثقفين السوريين وأودعهم السجون.
ومع تولي بشار الأسد السلطة في عام 2000، أصدر المثقفون السوريون بيانين منفصلين، عُرفا بـ”بيان الـ99” و”بيان الألف“، طالبوا خلالهما بإطلاق الحريات السياسية وإنهاء حالة الطوارئ في البلاد، وحرية الإعلام، وعدة مطالب أخرى.
ومع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، انقسم المثقفون السوريون إلى ثلاثة أقسام، قسم ساند الثورة وقسم حاربها وآخر عُرف بـ”الرماديين”، وهم المتهمون بعدم اتخاذ موقف واضح من الثورة أو النظام في سوريا.
وللوقوف على دور المثقفين في الثورة السورية، وخاصة في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وعلاقة النظريات بالثورة على أرض الواقع، التقت عنب بلدي بالباحث والدكتور محمد جمال طحان، الذي تحدث عن تيار “الوعد السوري”، والمعارضة السورية.
عجز الثقافة في الثورة
سبق الثورة السنوية بـ11 عامًا ظهور بياني الـ”99″ و”الألف”، وضم البيانان أسماء مئات المثقفين السوريين، من فنانين وكتاب وأدباء ودكاترة جامعات وفلاسفة وغيرهم، خاطبوا من خلالهما رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لإطلاق الحريات السياسية وتأسيس الأحزاب وغيرها من المطالب التي تمس المجتمع السوري.
ورغم وعود بشار الأسد بعصر جديد مختلف عن عصر أبيه، وإطلاق قوانين جديدة للإعلام، نتجت عنها ظهور صحف ومجلات خاصة امتلك بعضها خطًا معارضًا بحدوده الدنيا، فإن الوضع سرعان ما عاد إلى ما كان عليه في عهد الأسد الأب، وفقًا لدراسة نشرها معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” في عام 2007.
وقال الدكتور محمد جمال طحان، الذي يحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة، لعنب بلدي إن المثقفين السوريين بدؤوا بوادر الثورة عبر كتاباتهم وتصريحاتهم المختلفة، ومهّدوا لبدء حالة الغضب لدى الشعب السوري.
ويعتقد طحان أن الجمهور “أحجم” عن التواصل مع الفعل الثقافي، لارتيابه بكل ما يدور حوله، مع ظنه أن الحوار بقي محصورًا في إطار المتنفذين الذين لا يريدون من الحراك سوى كشف المعارضة أمام السلطة.
وبرأي الدكتور طحان، “شارك مثقفون كثيرون في الثورة منذ بداياتها، منهم كثيرون سُجنوا، وكثيرون أسهموا في أوجه متنوعة من نشاطاتها”.
كما يعتقد أن “الثورة ليست ثورة شباب منهكين برزوا من الحارات القديمة” في وقت شكّل حضور النساء المثقفات ظاهرة لافتة.
وسجلت المرأة السورية حضورًا كبيرًا خلال السنوات التسع الماضية على جميع المستويات، سواء في المظاهرات الشعبية، أو في المجالات الفنية والسياسية والطبية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني.
وتلعب المرأة حاليًا دورًا في المؤسسات السياسية السورية المعارضة، من خلال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، الذي يضم ست نساء في الهيئة العامة، وامرأة واحدة في الهيئة السياسية، وأخرى في الهيئة الرئاسية، وتشغل منصب نائب رئيس “الائتلاف”.
كما شكلت المرأة السورية ما نسبته 30% من أعضاء اللجنة الدستورية السورية، التي تناقش وضع دستور جديد لسوريا، وتتكون من ثلاث قوائم، هي قائمة المعارضة وقائمة المجتمع المدني وقائمة النظام السوري.
وفي المقابل، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” في 2019، لمعرفة رأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل نحو 105 مجالس موزعة بين دمشق وريفها وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية من أصل 427 مجلسًا محليًا، أن نسبة تمثيل الإناث في المجالس المحلية بلغت 2% فقط.
لكن الثورة السورية لم تنل تأييدًا من كل المثقفين السوريين، ووقف العديد منهم في وجهها، ويرجع طحان هذا الأمر إلى ما تعرّض له المثقفون في ثمانينيات القرن الـ20.
ووقف مئات المثقفين والسياسيين والفنانين السوريين بوجه النظام في حربه ضد “الإخوان المسلمون”، على اعتبار أنه يمكن استيعاب اختلاف الأفكار العقائدية بين تيارات اليمين واليسار في سبيل إسقاط نظام حافظ الأسد.
ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد ضحايا المعارك بين النظام السوري وحركة “الإخوان المسلمون”، وخاصة تلك التي دارت في مدينة حماة وسط سوريا، إلا أن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثقت في عام 2015 مقتل 40 ألف مدني، وفقدان 15 ألف شخص ونزوح 100 ألف شخص آخرين.
ويعيد الدكتور محمد جمال طحان سبب ذلك إلى ما تعرّض له هؤلاء في مرحلة الثمانينيات، حيث ذاق هؤلاء المثقفون مرارة الوقوف بوجه الظلم، ولم يجدوا لهم حاضنة شعبية، فتعوّد كثيرون منهم على العقلنة التبريرية، بحسب رأيه.
ظهور معارضة جديدة
في أعقاب انطلاق الثورة السورية عام 2011، واستمرار المظاهرات المطالبة برحيل النظام السوري، وجدت المعارضة السورية نفسها مطالبة بتنشيط العمل السياسي مجددًا، وهو ما أدى إلى نشوء عشرات التيارات والأحزاب السياسية، وتكتلت لاحقًا فيما عرف بـ”المجلس الوطني السوري” عام 2011.
ومنذ تشكيل المجلس، الذي ضم عددًا كبيرًا من الكتل والتيارات السياسية السورية، شُكّلت عشرات الأحزاب السياسية المستقلة والإسلامية والقومية.
ومن هذه الأحزاب، حزب “وعد” في عام 2013 بمحافظة إدلب، وحزب “الجمهورية” في مدينة اسطنبول التركية عام 2014، وتيار “قمح” في عام 2015، بالإضافة إلى المنصات السياسية كمنصة “القاهرة” و”موسكو” و”أستانة”.
وعن طبيعة المعارضة التي نهضت بأعباء الثورة السورية، قال الدكتور محمد جمال طحان، الذي أدار عددًا من مراكز البحوث، “إن الثورة كانت مناسبة لظهور معارضة جديدة، متميزة عن المعارضة التقليدية.
ووفقًا لطحان، تتميز هذه المعارضة بكونها شبابية، أو “تعتمد على مخضرمين يتمتعون بروح الشباب”، ويرى أن هذه المعارضة الجديدة لا حزبية، وأقرب للحياة وميادينها، وأقل تمركزًا حول “الأيديولوجيا، وحول الأحزاب التقليدية”.
وبحسب كتاب “الانبثاقات السياسية خلال الثورة السورية”، الصادر عام 2018 عن مركز “حرمون للدراسات” للباحث ساشا العلو، نشأت في سوريا ثلاثة أجسام سياسية ائتلافية بين عامي 2011 و2012، بالإضافة إلى حزب “وعد” و”التيار الوطني السوري” وحركة “سوريا الأم”، وهي حركات وأحزاب إسلامية تدور في فلك جماعة “الإخوان المسلمون”، وفقًا للكتاب.
بينما وصل عدد الانبثاقات السياسية الوطنية إلى تسعة انبثاقات، بينها حزب “الجمهورية” و”اتحاد الديمقراطيين” وتيار “بناء الدولة”.
كما نشأت خمس منصات سياسية، بالإضافة إلى “المجلس الوطني الكردي” و”الإدارة الذاتية” والانبثاقات السياسية التركمانية، التي صنفها الباحث ساشا العلو ضمن الانبثاقات السياسية القومية.
لكن الدكتور طحان يجد أن “المثقفين التقليديين لم يبرزوا في الثورة من موقع الثقافة، أما المثقف الجديد والمتجدد، فقد انخرط في الثورة، دون أن يعتبر هذا الانخراط نشاطًا سياسيًا حزبيًا أو عقائديًا”.
ويذهب طحان إلى أن المثقفين الجدد أكدوا في كل اللقاءات على خطورة الوضع السوري وحتمية تأييد الثورة الشعبية التي أسقطت حاجز الخوف ضدّ النظام السوري، وأن دور المثقفين لا يمكن أن يتجاوز مستوى تعبئة الرأي العام والدعوة إلى دعم الشعب السوري في ثورته التي تهدف إلى التخلص من النظام الديكتاتوري.
ويشير الدكتور طحان، وهو عضو سابق في اتحاد الصحفيين واتحاد الكتّاب قبل الثورة السورية، إلى “أن الكتّاب والصحفيين لم يكونوا الأبرز حضورًا في الثورة السورية، خلافًا لكل ما اتسم به دور المثقفين في الحياة العامة في مراحل سابقة من تاريخ سوريا”، معتبرًا أن ما قاموا به لم يكن تحت غطاء الهيئات التي ينتمون إليها.
طحان وتيار “وعد”
سبق لطحان أن أصدر 40 كتابًا في الفكر والنقد والشعر والقصة، إضافة إلى إدارة عدد من مراكز الأبحاث، منها مركز تابع لتيار “وعد” السوري، الذي أُسس في عام 2013.
ونفى طحان لعنب بلدي أن يكون أحد مؤسسي التيار الذي أسسه رجل الأعمال السوري، نجل وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس.
وأضاف طحان أن أعضاء من التيار تواصلوا معه لإنشاء مركز أبحاث تابع له في مدينة غازي عينتاب جنوبي تركيا، ووافق على الأمر.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :