تحدث عمليات اكتساب الملكية العقارية بالطرق القانونية في كل الأوقات، وذلك لتوجيه إرادة الفرد إلى إحداث نتائج قانونية معينة من خلال هذه الطرق للتعبير عن هذه الإرادة.
والتصرفات القانونية الناقلة للملكية العقارية منها ما يصدر عن إرادتين، ولا تنقل الملكية إلا بتطابقهما ضمن عقود تتبعها آليات قانونية لنقل ملكية عقار معيّن.
لكن الإشكالية القانونية التي تحدث في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري هي في تطبيق أعمال بيع وشراء أو استئجار العقار في مناطق شمال غربي وشرقي سوريا لنقل ملكية الأراضي وبناء المساكن أو المخيمات الأسمنتية للنازحين.
ويكمن سبب الإشكالية القانونية بأن عملية نقل الملكية العقارية تحدث تحت مظلة سلطات لا تتمتع بشرعية قانونية معترف بها دوليًا، إنما بوجود سلطات محلية نتيجة الأمر الواقع هناك، وبالتالي فإن أي عقد مبرم بين طرفين لإحداث أثر قانوني على مساحة قطعة أرض أو سكن يمكن ألا تدوم آثاره في حال شهدت تلك المناطق أي تسوية سياسية تغيرت نتيجتها السلطة الحاكمة هناك.
“العقد شريعة المتعاقدين”
مآل نقل الملكية العقارية في مناطق شمال غربي وشرقي سوريا يرتبط بماهية العلاقة التعاقدية بين طرفي العقد، ومدى قانونيتها، بحسب ما ذكره المحامي السوري أحمد صوان لعنب بلدي، التي تكون ضمن القاعدة القانونية “العقد شريعة المتعاقدين”.
ويجب أن تُوثق العقود في السجل العقاري، بموجب القاعدة القانونية العامة التي تنص على أن الحقوق العينية تنتقل ملكيتها بالتسجيل في السجل العقاري كون محل العقد (موضوعه) هو العقار في هذه الحالات، وفقًا لما قاله المحامي صوان.
وتقع على عاتق سلطات “الأمر الواقع” مسؤولية الإشراف على السجل العقاري، وتنظيم حفظ نقل الملكيات من خلاله.
ولكن يستطيع أطراف عقود بيع وشراء العقار الحصول على قرار حكم قضائي بذلك، لضمان حقوقهم والتزاماتهم المتبادلة المتفق عليها، أو أن يثبتوا واقعة البيع والشراء بموجب وكالة موثقة لدى كاتب العدل، بحسب ما أوصى به صوان.
اقرأ: أسهمت بتعقيد المشكلة العقارية.. محاولات لفهم قضية العشوائيات في سوريا
والمشكلة في مثل هذه الوقائع أن عملية توثيق نقل الملكيات في السجل العقاري أو في المحاكم تحصل تحت إشراف سلطات غير شرعية قانونًا، وهناك احتمال وارد بألا يكون لهذه الوقائع المادية حجية الإثبات في المستقبل كي تضفي عليها الصفة القانونية.
ووفقًا لصوان، فإن مصير نقل ملكية عقارية بناء على عقود وتسجيلات تتم في مناطق خاضعة لسلطات أمر واقع يُترك لإرادة الجهات الحكومية عند أي تسوية سياسية يمكن أن تحصل في المستقبل.
وهناك آلاف الحالات الصعبة المماثلة ما زالت معلّقة في محافظة درعا جنوبي سوريا، بعد سيطرة قوات النظام السوري عليها في 2018، ولم يُبت بها بين النظام وأصحاب الحقوق وبين الضامن الروسي، إذ إن “المسألة معقّدة جدًا”، وفق ما عبر عنه صوان.
ومن المتوقع أن تصبح المساكن المبنية على الأراضي في المناطق خارج سيطرة النظام السوري كالعشوائيات التي تحاصر العاصمة دمشق، “لأن الأبنية بدائية، ونتيجة الحاجات الماسة للسكن تتكاثر بشكل جنوني ومتناثر، بطريقة يستحيل تنظيمها”، ما يخلق مشكلة عقارية جديدة في سوريا لا تقل خطورة عن العشوائيات في مدن سورية عدة، وفق صوان.
اقرأ: حزام دمشق “العشوائي” بانتظار فرض مصورات جديدة
والحل في هذه الحالة، برأي المحامي، هو أن تأخذ البلديات والمجالس المحلية دورها، وأن تخصص مواقع معينه لبناء المخيمات وفق مخططات هندسية مدروسة.
كما يجب أن يستحصل أي بناء سكني مؤقت على الموافقة المسبقة من قبل السلطات المحلية المختصة، وأن تيسر المجالس المحلية منح هذه الموافقات دون أن ترهق الناس بمبالغ كبيرة، بحسب ما أوصى به المحامي، لأن الرسوم الباهظة تدفع الجميع للبناء العشوائي المخالف.
وتُعتبر حكومة النظام السوري أحد أكبر المتسببين بخلق مناطق العشوائيات، التي كانت تنشأ بسبب عدم منح الحكومة رخص البناء لأصحاب بعض الأراضي الداخلة في مناطق التنظيم أساسًا، أو من خلال منح بعض متنفذي السلطة في المناطق التي ينشطون فيها الأذون لأصحاب الملكيات بالبناء في تلك المناطق، ومساعدتهم في غض طرف البلديات والمحافظات عن الملاحقة في أثناء عملية إعمار الأبنية.
اقرأ ملف: مخيمات أسمنتية لنازحي الشمال.. إشكاليات عقارية تنتظر الحل
وحذر صوان من أن هذا الأمر يمكن أن يحدث مرة أخرى في الشمال السوري، ولذلك يجب على السلطات المحلية هناك أن تتعاون مع المنظمات والجمعيات المختصة في بناء المخيمات الأسمنتية لأهالي النازحين السوريين هناك، وأن تسهل رخص البناء في حال كانت مطابقة للمعايير التنظيمية والهندسية.
ومنعت حكومة “الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا إنشاء أي بناء سكني أو تجاري أو القيام بأي مشروع يخص البنى التحتية، من مياه وصرف صحي وغيرهما، أو أي إشغال مهما كان نوعه لهذه الأملاك، دون مراجعة “مديرية الإدارة المحلية والخدمات” في منطقة سرمدا.
اقرأ: “الإنقاذ”.. ثلاثة تعميمات عقارية خلال ثلاثة أسابيع
وذلك للحصول على تصريح بالعمل أو موافقة خطية أو ترخيص، بعد إحضار جميع الوثائق الضرورية التي تخص الأعمال المراد تنفيذها.
وذكرت الحكومة، في بلاغ صادر في 12 من أيلول الماضي، أن ذلك سيكون تحت طائلة الملاحقة القضائية، واتخاذ الإجراءات الرادعة المالية والإدارية والقانونية بحق صاحب العمل أو المؤجر أو البائع، بسبب وجود كثير من التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة خارج المخططات التنفيذية للمدن والبلدات.
–